صفحة الكاتب : إيزابيل بنيامين ماما اشوري

الصوفية في الاديان التوحيدية والوثنية
إيزابيل بنيامين ماما اشوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كتب : علي جابر الفتلاوي ، في 2015/02/04 . يسأل . 

تعقيبا على موضوع بين إيزابيل و (هايدغارد بنجين). عرّافة الراين.

الاخت ايزو السلام عليكم 

لم اتصل بك منذ مدة وانا اسف لذلك ، علما ان جميع ما تنشرين في هذا الموقع انا احتفظ به وربما بعد فترة ان امد الله تعالى في عمري ساتناول قسما من مقالاتك ضمن كتاب انوي نشره وقد سمحتي انت لي مرة بهذا الجهد، وقد كتبت مرة مقالة عن رؤاك في الوضع العراقي بعد تفجير مواكب البصرة الحسينية من قبل بعض المصريين .

اختي الكريمة افهم مقالتك هذه ان اصحاب التصوف المسيحي هم الاقرب الى فهم روح الدين المسيحي بعيدا عن الخرافة او التزييف او التحريف ، سؤالي لك هل جميع المتصوفة المسيحيين يحملون نفس هذه المواصفات في الفهم ؟ وهل ترين أن المتصوفة المسلمين والعارفين هم الاقرب الى فهم الاسلام ؟ 

احييك واتمنى لك السلامة والتوفيق . 

اخوكم علي جابر الفتلاوي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أخي الطيب علي جابر الفتلاوي حياك الرب . 

سؤالك بحاجة إلى بحث مستقل ، وانا في طور كتابة هذا البحث عن الصوفية في الاديان التوحيدية والوثنية . ولكن على هذه العجالة اقول في معرض الجواب على سؤالك مع اني لم اتعمق كثيرا في الصوفية إلا أن لي بحثا فيها نال درجة ممتاز في احد جامعاتنا اللاهوتية.

اخي الطيب هناك اختلاف شاسع بين التصوف والدين ، لأن التصوف لم يأت بإيمان جديد ولا يُحدد شكلا معينا للعبادة وإنما انطلق من تحت ابط الدين ولذلك فهو لا يسعى حتى إلى السعي إلى حياة أخرى بعد الموت ، ولكنه يسعى أن يكون طريق تلك الحياة هنا على الأرض.

انا تناولت (هايدغارد بنجين) كصوفية مصلحة لما علق في التصوف من خرافات وتبعها في ذلك جمع كثير من المتصوفة ذكرت اسماء بعضهم وهي التي اسست لمدرسة تصوف مسيحية خالية من التجسد والشخصنة مستعينة بذلك على ما كتبه المتصوفة المسلمين. ومن هنا نرى تأثير ذلك على ما ورد في اشعار المتصوفة المسيحيين وميلهم إلى مدح القديس علي بن ابي طالب الذي تنتمي إلى مدرسة زهده إثنان وثلاثون حركة تصوف كلها تأست بطريقة زهده في الحياة وعبادته التي تُفقده شعوره بما حوله في لحظة اتحاد غامر بالمعبود.

وأما الصوفية في اليهودية والاسلام فهناك تقارب بين الافكار الصوفية حيث تنطلق من الكتب المقدسة التي يقولون بأن الله عرّف نفسه للناس من خلالها ، ولكن المتصوفة المسلمون لا يستخدمون القرآن في طقوسهم مثل اليهود الذين يعتمدون على سفر (نشيد الانشاد) في تراتيلهم على انغام المزامير والدفوف والنايات.

ولكن الصوفي في الاسلام اعتمد بشكل أساس على الشعر الغنائي كما في طريقة الحلاج وأبن الفارض بالعربية وجلال الدين الرومي بالفارسية ويونس عمري بالتركية.

وبعكس اليهودية والمسيحية فإن غاية التصوف الاسلامي هو النشوة بجمال الكائن المحبوب، وترقب حضوره لا رؤيويا وإنما على شكل انتشاء وجذل وافتتان ملموس يؤدي بالصوفي في اكثر الاحيان إلى فقدان الاحساس بما حوله.

اما في الديانة المسيحية فتنقلب المفاهيم لأن التصوف في المسيحية يقوم على اساس أن الله جاء إلى هذا العالم بصورة يسوع المسيح (الإنسان) ولذلك فإن التصوف المسيحي اوجد تصوفا تتواجد فيه وساطة المسيح باستمرار فكل الأوراد والترانيم والتواشيح التراتيل المسيحية تعبر بطريقة وأخرى عن فكرة (الوهية الكائن البشري) المتمثل في النموذج الكامل يسوع المسيح.(1) وهنا وقفت هايدغارد بنجين وبدأت حركة التصحيح حيث اعتبرت يسوع كائن مخلوق جاء برسالة فاتخذت طريقة زهده لتأسيس تصوف نظيف خالي من الخرافات.

التصوف في اليهودية والمسيحية تصوف انعزالي يبتعد كثيرا عن الناس إلا في جماعات مغلقة منعزلة في الاديرة . بينما نرى التصوف في الاسلام تدخّل حتى في السياسة حيث يتبع المريدون مئآت الالوف من الناس بغية ان يحل عليهم الفيض الالهي وهم يُطيعون مريديهم طاعة تكاد تكون شبه عمياء.

يا ذا الذي زار وما زار 

ـ كأنه مقتبس نارا

قام بباب الدار من زهوه

ـ ما ضره لو دخل الدارا

لو دخل الدار فكلمته

ـ بحاجتي ما دخل النارا

نفسي فداه اليوم من زائر

ـ ما حل حتى قيل قد سارا (2)

وباختصار فإن التصوف اليهودي المتمثل في (الهاسيدية) الصوفية الكرملية والتصوف الاسلامي المتمثل بجلال الدين الرومي وابن عربي وغيرهم ، يؤمنون بالتجلي الأكبر للاله في جسد الصوفي في نهاية كل (ورد) ولكن لا بالحلول بالجسد مباشرة ، بل بالحضور القلبي الباطني.

ولكن يبقى التعارض الصوفي اليهودي الاسلامي مع المسيحية في إنه ينطلق في اليهودية والاسلام من وحدة الوجود أي التعقلية فهو التصوف المعتدل وهذا ما نراه في كتابات (زوهار / و إسحاق لوريا) في القرن السادس عشر ، بينما تقول المسيحية (بالشخصانية الرؤيوية) إذن فهي اقرب إلى الوثنية وبالتالي فالتصوف المسيحي اقرب إلى الروحانيات الشرقية (الهندوسية، البوذية، الطاوية).

وخلاصة الفكر الصوفي في اليهودية والمسيحية تتمحور حول الهدف النهائي في الوصول إلى حالة الطهارة والاستفادة من الكتب المنزلة لإعادة ترميم الانسجام مرة أخرى بين الخالق ومخلوقاته والذي هدمها آدم بخطيئته.

بينما ترى المسيحية ان الرب الله نفسه نزل في قالب يسوع لترميم العلاقة بينه وبين البشر والتي هدمها آدم بخطيئته ((كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا)).(3)

 

مصدر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- جلمان، جيروم، (التصوف)، موسوعة ستانفورد في الفلسفة صيف 2011 الطبعة الأولى، إدوارد زالتا 1952 Edward N. Zalta. وانظر أيضا المستشرق الفرنسي بيير لوري كتاب: الكيمياء والتصوف في دار الإسلام. لوري دعي إلى إلقاء محاضرة في اليونسكو بعنوان التصوف الإسلامي: ركيزة تلاقٍ بين المسيحية والإسلام.

2- الرسالة القشيرية في علم التصوف تأليف ابو القاسم القشيري تحقيق عبد الحليم محمود ، ص 43 . القاهرة مؤسسة دار الشعب.

3- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 6: 11


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


إيزابيل بنيامين ماما اشوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/05



كتابة تعليق لموضوع : الصوفية في الاديان التوحيدية والوثنية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمد مصطفى كيال ، في 2015/02/06 .

الاخت ايزابيل..
انتظر بحثك بفارغ الصبر.
تحياتي




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net