المرجعية خيارنا، لماذا؟
باقر الخرسان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باقر الخرسان

معلومة تفتقد التفكير السليم ،
علم يفتقر العقل المدير ،
محتوى هائل منقوص التدبير...
لاغرو أنّها أشياء موهونةٌ كبيت العنكبوت ، أسلحةٌ لاتدفع ضيراً ولاتصنع أمناً ، ولعلّ عواقبها المعاكسة أكثر خطراً وأشدّ بلوىً.
ومن موانع التفكير السليم والعقل المدير والرؤى الحيّة النابضة بالتدبير : تلك الأوهام التي تعشعش في دهاليز العقول وأنفاق الأذهان وأخاديد الألباب ، أوهام العشيرة والقبيلة والحسب والنسب والمكان والزمان والظاهر واللباس : أتّكىء عليهنّ فيغدون الضامن والعصا التي بها مغنمي والاُخر من مآربي ، يكفيني أنّي أمتاز بهذا الخصائص !! فما الداعي إلى السعي الحثيث والجهد المرير لتحصيل وبلوغ ماهو أدنى من شأني الذي أنا فيه .. نعم ، عزٌّ واسمٌ وشأنٌ ... يمازجها غرورٌ وزهوٌ وكبرٌ .. هنا يتوقّف العقل عن العطاء والإبداع ، هنا يمرض الذهن وينشلّ اللبّ فتموت الرؤى ويعمّ السكون ، هنا تُمضى وثيقة الاستسلام الملعون .
لاأدري لٍمَ شمختْ أمامي الآن وبالذات مرويّة الإمام الصادق(عليه السﻻم) الشهيرة : {يافُضَيل ! تجلسون وتتحدّثون ؟ } قلت : نعم ، جُعِلتُ فداك ، قال :{ إنّ تلك المجالس اُحبّها ، فأحيوا أمرنا ، يافُضَيل ! فرحم الله مَن أحيا أمرنا }الواردة في المصادر بتفاوتٍ يسير ؟
ولعلّني اهتديتُ إلى اُفقٍ من آفاقها الرحبة يهتف في أعماقي صادحاً : إنّ الإمام (عليه السﻻم) لم يقصد بتاتاً الجلوس العبثيّ والحديث اللغو ، سيّما وأنّ مقدّمات الحكمة حاصلةٌ في المقام ، إلى ذلك قوله (عليه السﻻم) : { أحيوا أمرنا } ولاشكّ أنّ المراد بأمرهم عليهم السلام : فكر ونهج ومبادئ واُصول وسيرة وأخلاق ومقاصد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.. وهل يُحيا أمرهم (عليه السﻻم) بمجالس العبث ولغو الحديث ؟!
ومن نافلة القول الإشارة إلى المعروف عن الفضاء الحوزويّ النجفيّ : أنّ العلماء والفضلاء وسائر الطلبة إذا زاروا أحدهم لسببٍ ما سرعان مايطرحون مسألةً علميّة ويشرعون البحث فيها نقضاً وإبراماً حتى ولو كانت على نحو التكرار ؛ تثميناً منهم لقيمة الوقت والعلم وسعياً نحو صقل موهبة التفكير وتمرين العقل على إدارة العلم بأفضل الأنحاء وأرقى الآليات والوسائل .
هلّا تساءلنا : أين نحن من بوصلة العقل المدير والفكر السليم والرؤى الفاعلة ؟ هلّا أفقنا من سباتنا العميق وجهلنا الرهيب؟هلّا خرجنا من دائرة الأوهام الذليلة ونفضنا عنّا غبار الذاكرة المريضة ، إلى عزّ الفطرة السليمة والذاكرة الأزليّة القديمة ..
أما آنَ الأوان كي أصرخ في حناياي واُنادي بنداء الروح والضمير : مَن أنا ، ماذا اُريد ، أين المقصد ياتُرى ؟ هل لي من هواءٍ عطرٍ نقيٍّ أشمّ فيه رحيق التحرّر من قيود التيه والضياع ،الخلاص من قضبان الاحتباس والضيق ، صوب آفاق العقل السليم المتسامي فوق العِرق والإثن واللون ... صوب أنوار فيوضات السماء التي عرّفتها لنا حجج السماء الظاهرة والباطنة ؟
أما آنَ لنا أن نؤمن حقّاًبقاعدة اللطف الإلهيّ إيماناً فاعلاً بالعمل لابالقول فقط ؟ القاعدة التي يترتّب عليها نظمنا الدينيّ وتفكيرنا العَقَديّ بلوازمه وتواليه .. الذي يعني في ما يعني : ضرورة ممارسة الوظائف طبق الظرف الذي نحياه ، ظرف غيبة الإمام (عج) ، إمّا الاجتهاد أو الاحتياط أوالتقليد في الفروع ، وعلى الثالث السواد الأعظم من الناس ، حيث يرجعون إلى الفقيه الجامع للشرائط .
هذا الفقيه هو النائب العامّ للإمام (عجل الله فرجه الشريف) زمن الغيبة ، وأكثر مايشدّنا إليه أنّه طبق مقبولة عمر بن حنظلة : رافضٌ لكلّ الأوهام التي تعطّل حركة العقل والفكر وداعمٌ لكلّ الرؤى التي تشيّد للذاكرة الأزليّة القديمة - ذاكرة العبوديّة للواحد الأحد القهّار - في الذهن البشريّ أرسى الاُسس وأتقن البنيان .. فنجده -أي هذا الفقيه - حاضراً في الوجدان ، مخترقَ الشعور والإحساس دون استئذان .
فلاعجب أن يكون المراجع العظام صمّام الأمان ومصداق الاطمئنان والملجأ والملاذ لطرّ بني الإنسان .
ولا ندّعي جزافاً إن قلنا : إنّ المرجعيّة العليا قد أثبتت بنجاحٍ باهر مصداقيّةَ الانتقال من أروقة ومختبرات ومراكز الثبوت إلى ميادين الإثبات وسوح الممارسة الممتازة والبلورة الرائعة لفكر ونهج ومبادئ واُصول وسيرة وأخلاق ومقاصد أهل البيت (عليهم السﻻم) ، ولازالت جادّةً تبذل أقصى الجهد بأرقى خصائص التفكير السليم والكياسة والتدبير من أجل إحياء أمرهم عليهم السلام ، هذه المرجعيّة التي سرعان مايُتبادر عنها أنّها رسّخت قيم الحبّ والاُلفة والسلام والخير والأمان ووقفت بوجه البغض والتفرقة والعنف والترويع برباطة جأش وصبر وعقل يرشح حكمةً وعنفوان .
حينما ننعم بنعمة المرجعيّة المباركة التي تنتشلنا ببصائرها الإلهيّة وترباتها الأبويّة من حضيض الانتماءات الضيّقة والأوهام الزائلة إلى حيث \" إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم \" فمالَنا بالمفضول إذن ، فمالَنا بالمرجوح حيئنذٍ ، والفاضل والراجح موجودٌ بأدلّة الترجيح والتفضيل التي لاغبار عليها ولاشكّ فيها ؟!
من هنا كانت وستبقى المرجعيّة المباركة هي خيارنا زمن الغيبة حتى يأذن الله بظهور مَن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئتْ ظلماً وجورا .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat