التواضع عدوّنا؟!!
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صادق السامرائي

البارحة كنت في حفل تكريم إحدى الزميلات في المؤسسة التي تعمل فيها , ووجدتني وسط حشد يربو على الألف طبيب وطبيبة , في مؤسسة كبيرة ترأسها إمرأة , ووفقا للتقاليد الإحتفالية كان هناك فترة إستقبال وتعارف , لتناول الأطعمة والمشروبات وغيرها من المأكولات , التي إزدحمت بها قاعة الفندق المخصصة لهذا الإحتفال الكبيرالذي يحصل كل ثلاث سنوات.
وفي قاعة الإستقبال المخصصة للمكرمين , تقدمت إمرأة لتتعرّف علينا , وبتواضع عجيب , حتى إستكثرتْ أن أقوم من مقعدي وأصافحها , وكانت في غاية البساطة والروح الإنسانية المتواضعة , وتحدثت معها بعض الوقت , وما عرفت هويتها الإدارية , لأنها قدمت نفسها بإسمها فقط.
وبعد أن ذهَبتْ سألت عن هويتها , ففاجأتني زميلتي بأنها رئيسة المؤسسة التي تعمل فيها , ومنصبها ربما يعادل منصب وكيل وزير في بلداننا!!
قلت لزميلتي: أدهشني تواضعها!!
وما عهدت في حياتي العملية مسؤولا في وزارة الصحة أبدى تواضعا , وإنما كلها تصرقات متكبرة , وكل زميل سيتذكرالأنا المتضخمة بنرجسيتها , والتفاعل الجاف , والوجوه المعبسة الغاضبة المستبدة التي تريد أن تنال منك!!
وتداعت أمامي صور التواضع وأقواله التي ضجت منها رؤوسنا وما عشناها في مجتمعاتنا!!
وقلت لزميلتي: إنها تترجم قيم وأخلاق التواضع التي تعلمناها في الطفولة والصبا , وما رأيناها في حياتنا أبدا!!
واستحضرتُ بعض ما تبقى منها في ذاكرتي:
"واخفض جناحك للمؤمنين"
"وما تواضع أحد لله إلا رفعه"
"أحب الخلق إلى الله المتواضعون"
ومن الشعر:
"ملأى السنابل تنحني بتواضعٍ....والفارغات رؤوسهن شوامخ"
ومن أقوال العرب:
"لا يتكبّر إلا كل وضيع , ولا يتواضع إلا كلّ رفيع"
إحترت في أمرنا وأكثر رموزنا ما أظهروا للناس ممارسة فيها بعض تواضع , بل أنهم يتمادون في تقديم القدوة المنحرفة , ويلصقونها بكل ما يمت بصلة إلينا , وأمامي إمرأة مسؤولة ومؤثرة وتمارس التواضع بأجمل ما تكون عليه الممارسة الإنسانية , حتى وهي تتحدث أمام الجمع الغفير من الأطباء!!
فأين نحن من قيمنا وديننا , ولماذا أمْعنّا في القشور وتركنا الجوهر المنير؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat