أتبع ذلك العطر ،ذلك الكتاب
هناء احمد فارس
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هناء احمد فارس

لم تغادر مخيلتي صورة والدي وهو يخرج ليلا الى الحديقة ،حاملا عددا من الكتب لكي يواريها التراب ،كانت تلك الكتب لاأخي ، حاول ابي اخفاؤها بعد ان علم بخبر القبض على اخي من قبل الامن الصدامي ، والان بعد مرور اثنتي عشرة سنة على تلك الليلة وعلى رحيل اخي ومن بعده ابي حزنا والما رحمهما الله وضمن اعادة ترميم منزلنا العائلي ،ومن ضمنه اعادة احياء الحديقة التي اهملت منذ تلك السنين لان ابي كان يقوم برعايتها والاهتمام بمزروعاتها ،وبينما كان الفلاح الذي احضرناه للقيام بمهمة تنظيف الحديقة واعادة زرعهايقوم بقلب تربتها ، فبانت لعيني بقايا اوراق متناثرة ،قد غطتها الأتربة والاطيان ،ومحيت حروفها ،وسطورها ،ذهبت باتجاهها ، حملتها ،دققت النظر فيها ،حاولت ان افك طلاسم سطورها التي تداخلت مع بعضها التصاقا وحبرا ،ولكن دون جدوى، كنت اقرا كلمة ،بينما تغيب عن فهمي كلمة اخرى، وكأني احاول ان احل احجية غامضة ،لا ادري لماذا أنبعث من تلك الاوراق عطر لم يكن غريبا عن خياشيم تنفسي ،ومراكز الشم في مخي ، عطر له في ذاكرتي عبقا ابويا مميزا ،كأن يدي ابي لم تفارق تلك الاوراق سوى لحظات ،بل اني ميزت عطرا اخر، كان عطر اخي،أخي الذي دفع عمره ثمنا وتضحية لحب الوطن ،تسألت في نفسي :- اخي أبي ،ترى هل كان الوطن يستحق دماؤكما ،او كل الدماء التي ذهبت من اجله ،ترى هل يستحق الوطن كل تلك الدموع السخينة التي ذرفت شوقا ولو عة على فراق الاحبة ،ولكن كعادته الوطن لم يجبني ،لم ينطق بحرف ،ربما لانه وطن من تراب ،ماء ،شجر وهذه كلها جمادات كما تعلمنا في المدرسة وكما كنا نمارسها في لعبة الحروف تحت خانة الجماد، كنا دائما نكتب ماء ،تراب ،شجر ،ولكننا لم نكن ابدا نكتب وطن .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat