السياسيون وبيع الكلام بدل الحقائق
الشيخ جميل مانع البزوني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ جميل مانع البزوني

كان التلفزيون العراقي في فترة الثمانينات والتسعينات حكرا على انسان معتوه هو الحاكم المطلق , وحتى في سجن ابي غريب سيء الصيت كان يلزم السجناء السياسيين بالبقاء في اماكنهم حتى ينتهي الطاغية من كلامه الطويل وكان التعيس من يتحرك من مكانه قبل انتهاء الحديث لانه سيكون بانتظار حفلة تعذيب من قبل ادارة السجن .
وكانت الصلاة تتاخر بسبب حديث القائد الملهم الذي لا يكف عن اطالة الحديث ولا يسمح بالحركة اثناء البث المباشر والا اعتبر معارضة للسيد القائد الملهم ...
وكنا نظن ان حقبة الكلام الفارغ من المحتوى انتهت بانتهاء الطاغية واعدامه الى الابد الا ان الفترة الحالية ايضا افرزت لنا قادة جدد ليس عندهم عمل كثير فصار الكلام وبيعه حرفة المفلسين ...
وعندما سقط الطاغية كان الشعب بحاجة الى وجوه جديدة تنسيها تلك الوجوه الكالحة التي حكمتهم بالحديد والنار وقد جاء بدل الواحد العشرات وكنا نام لان يكون الخلف خير من السلف اذ لا يوجد شر من مثل هذا السلف ...
وكانت النماذج التي جاءن من عبر الحدود لا تتحدث بنفس اللغة التي كان تستخدم من قبل الطاغية المقبور بل كانت كلماتهم تتضمن كثير من الكلمات المحببة من قبيل النزاهة والشفافية ونحوها والتي لم تكن تستخدم في لقاءات الطاغية خصوصا وهي تقال بصورة اشبه بالانحدار من الاعلى الى السفح فانبهر الكثيرون بهذا المنطق الجديد وصار المتحدث معشوقا ...
وعلى خلاف المعهود كان المتحدثون اكثر من المعتاد وصارت السمة العامة لهذا الوقت هي الكلام حتى اعتقد الجميع ان هذا التنظير سيثمر عن افكار بمستوى الكلمات الرنانة والمزوقة وكانت الاحلام كبيرة جدا ونحن قد خرجنا للتو من حقبة مريرة جدا والاماني التي تراودنا كبيرة جدا خصوصا بعد سقوط مئات الالاف من الضحايا على مذبح الحرية طوال هذه الثلاثين عاما من الظلم والاضطهاد.
ولكن هذا الشعب اكتشف اخيرا ان احلامه في التغيير ليست الا اضغاث احلام وليس هناك امل في ان تكون بعض تلك الاماني التي خطرت في باله على ارض الواقع .
وكانت الاماني كبيرة بعدم تكرار تجربة الطاغية على يد القادة الجدد بعد هذا التاريخ الطويل من التضحيات التي قدمتها الاحزاب الاسلامية في فترة السنوات الخمسين الماضية ...
وعندما انقشعت الغيوم وتبين الواقع المرير علم هذا الشعب ان صدام انتهى كشخص وليس كظاهرة وان الجعفري او المالكي او اي سياسي اخر مغرور ببقاء النسور سيكون هو الممثل الجديد لهذه الظاهرة في المجتمع وهي ظاهرة التنظير من اجل التنظير وليس من اجل الحقوق وان الطاغية كان بياعا للكلام والظلم والتعذيب اما هؤلاء الساسة فهم باعة للكلام فقط فهم لا يحسنون غيره واذا احسنوا فانه سيحسنون الكلام في تبرير الفساد ... وهذا هو الواقع الجديد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat