الجاليات العراقية وسلوك الصدى!!
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صادق السامرائي

العراقيون في المَهجر لا يُستهان بأعدادهم وقدراتهم المتنوعة , وبتواجدهم وإنتشارهم في معظم أرجاء دول العالم , وخصوصا الأوربية وأمريكا , ويُقدر حجم الجاليات العراقية بمئات الآلاف وربما ببضعة ملايين.
وتشترك جميعها بأنها تمارس سلوك الصدى لما يحصل في البلاد , وعجزت عن تقديم السلوك الإيجابي الذي يمكن الإقتداء به.
فالعراقيون في دول المهجر وكأنهم ما هاجروا , حيث يتفاعلون بعقليةِ ما يجري في البلاد , برغم أنهم في مجتمعات ديمقراطية ذات تصرفات واضحة ورؤى معاصرة , وكأنهم لا يرون ولا يسمعون ولا يفقهون , فتتعجب من أمرهم وتنامي تبعثرهم وتناحرهم وفرقتهم , فما عادوا ينتمون لوطن أو هوية , وإنما يهيمن على سلوكهم النزعات الفئوية والطائفية والتفاعلات السلبية.
ومعظمهم يعيشون في عزلة عن بعضهم وينفرون من تواجدهم سوية , ويقومون بما لا يتفق وثقافة المجتمعات التي يعيشون فيها.
وهذا يضعهم في طريق التلاشي والإنقراض , ويحقق صراعا خفيا وظاهرا بينهم وبين أبنائهم وبناتهم , لأن ثقافة الأبناء والبنات تتقاطع تماما مع ثقافة الآباء والأمهات , وكأن الجيل الجديد للجالية يعيش في عالمين متناقظين.
فالثقافة الديمقراطية وتربيتها لا تقر بما يقوم به المهاجرون العراقيون , وتنظر إليه على أنه حالة مرفوضة ومشوهة , فلا يمكنها فهم السلوكيات الطائفية والفئوية المتزمتة المغلقة ذات الطابع التفريقي.
ويبدو أن الجاليات العراقية قد عجزت عن بناء الثقافة الديمقراطية , والأواصر الوطنية الكفيلة بتأسيس جمعيات ونوادي , وقدرات ذات تأثير في المجتمع الذي تعيش فيه , وهذا واضح في فشل العديد من النشاطات الإجتماعية والثقافية , وعدم القدرة على تطوير الجمعيات وتحقيق الإسهامات المهمة لمصالح الوطن الأم , بل أن البعض من أبناء الجاليات قد أسهموا في ترسيخ التفاعلات السلبية , وتقديم الحالة العراقية بصورة مشوهة والتركيز على الطائفية والفئوية والشخصنة , حتى لتستغرب من الذين يحسبون أنفسهم مهنيين وأكادميين وهم يقدمون طروحات لا وطنية , ويركزون على الطائفية ويحسبون ذلك نشاطا عقائديا , ويتجاهلون ما يدور حولهم في مجتمع المهجر من قيم ومعايير ديمقراطية ساطعة.
ففي أمريكا – على سبيل المثال – لم تفلح الجالية في التفاعل الإيجابي امطلوب وتقديم ما يجب من المساهمات اللازمة لتطوير الحالة في الوطن الأم , وإنما يتسم سلوكها بأنها مرآة عاكسة لما يتحقق فيه من تفاعلات سلبية وتداعيات.
وكذلك الجاليات في أوربا , فأنها تقوم بذات السلوك وتكون الصدى لما يجري في البلاد , وبعضهم يذكر أن العراقي يتجنب العراقي ويتحاشاه ولا يريد الإختلاط به , ربما لأنه يذكره بالآلام والمآسي والويلات , وكأن العراقي أصبح من كثرة الشدائد , ينفر من أي شيئ يذكّره بها أو يستنهضها فيه.
ومن الواضح أن الجاليات العراقية ستنقرض بعد غياب الجيل الأول , لعجزها عن تأسيس ثقافة عراقية متوافقة مع ثقافة المهجر , ولأن أيناءها سيذوبون في المجتمع , وسيصبح الحديث عن فلان الفلاني من أصول عراقية وحسب.
فالفشل في إقامة ثقافة عراقية وطنية في المهجر يعني تحقيق الإذابة الأسرع , كما أن عجز المراكز الثقافية العراقية التابعة للسفارات في وعي ضرورات تقديم القدوة الثقافية والإجتماعية والحضارية , قد عزز سلوك التشظي والتنافر والإضعاف , فعندما تتحول المراكز الثقافية إلى مرآة عاكسة ومعبّرة عن أجندات متخاصمة , فأنها تسهم في تدمير التفاعل الإيجابي وتحقق حالة مشوهة ومضطربة , تتقاطع مع ضرورات العمل الوطني الحضاري المعاصرالسليم.
ومن الضروري القول بأن الجاليات العراقية تتحمل بعض المسؤولية فيما يحصل في الوطن الأم , لأنها لاتتمَثل الأفكار الديمقراطية ولا تتعلم من مجتمعات المهجر , ولاتترجم السلوك الديمقراطي في تفاعلاتها اليومية , ومن العسير أن تكون الجاليات رافدا إيجابيا في مسيرة البناء والإصلاح والتقدم الوطني.
بينما يتوجب عليها تقديم المَثل الصالح للعيش المشترك والمصالح المشتركة , وأن تنبذ الطائفية والفئوية , وتتعامل بروح وطنية إنسانية ديمقراطية صالحة , وتكون ثقلا حيويا نافعا ومؤثرا في صناعة القرارات المفيدة لأبناء المجتمع.
هذه بعض الملاحظات المؤلمة التي تبديها الجاليات العراقية في مَهاجرها , مما يساهم في ترسيخ التداعيات والتفاعلات السلبية , وحرمان المجتمع من إضافات حضارية ذات قيمة معاصرة ونافعة للحاضر والمستقبل.
وختاما , لابد من القول بوجود رموز ثقافية ديمقراطية حضارية في الجاليات العراقية , تحاول تقديم المَثل والقدوة بالسلوك الوطني الإنساني الديمقراطي , لكن دورها خافت وتأثيرها صامت!!
فهل من الواجب والمسؤولية أن تعي الجاليات دورها وضرورتها في صناعة المستقبل الوطني الأجمل ؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat