صفحة الكاتب : احمد كاظم الاكوش

قراءة نقدية - تاريخية لكتاب (عمر والتشيع) للاستاذ حسن العلوي (7)
احمد كاظم الاكوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تحقيق في اغتيل سعد بن عبادة ؟!.
ذهب الأستاذ حسن العلوي إلى أن سعد بن عبادة قتل من قبل الجن! وان هذه الروايات التي يتناقلها المؤرخون هي المرجحة عنده. أما غيرها من الروايات فهو لا يعتمد صحتها.. وينفي تدبير اغتيال سعد بن عبادة.
وكي تتضح الصورة نقول:
نقل المؤرخون أن سعد بن عبادة قتله الجن.. أما السبب في ذالك فلأنه بال وهو واقف. أو انه بال في بئر. ونسب إلى الجن قاتل سعد بيتين من الشعر:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين فلم نخطي فـــــــؤاده
وتناقل المؤرخون هذه الرواية واحدا تلوا الآخر. إلا أن هذه الروايات هي روايات مضطربة ولا تصلح للإثبات التاريخي.
فقد نقل ابن عساكر في تاريخه: أن سعد بن عبادة بال قائما فرمي فلم يدر بذلك حتى سمعوا:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين فلم نخطي فـــــــؤاده
ونقل أيضا: قال جلس يبول - أي سعد - نصف النهار فوقع بوله في حجر من الأرض فخر ميتا فسمع هاتف من الجن يقول... وذكر البيتين..
ونقله ابن الأثير في أسد الغابة. و المزي في تهذيب الكمال و سير أعلام النبلاء للذهبي, وفي تهذيب التهذيب لابن حجر.
ولم يختلفوا انه وجد ميتا على مغتسله وقد اخضر جسده ولم يشعروا بموته بالمدينة حتى سمعوا قائلا يقول من بئر ولا يرون أحدا: 
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين فلم نخطي فـــــــؤاده
فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام. 
وقال ابن جريج ، عن عطاء: سمعت أن الجن قالت في سعد بن عبادة - فذكر البيتين.
أما ابن قتيبة في كتابه المعارف. فذهب إلى أن السبب في مقتله كما يلي: وكان سبب موته أنه جلس يبول في نفق فلدغ فمات من ساعته واخضر جلده وقال رجل من ولده ما علمنا بموته بالمدينة حتى بلغنا أن غلمانا سمعوا قائلا يقول في بئر يقول وذكر البيتين. ثم قال ابن قتيبة:  والصحيح إنه نهش.
اما عبد الرزاق الصنعاني في كتابه المصنف, فقال:- قام سعد بن عبادة يبول ثم رجع فقال: إني لأجد في ظهري شيئا فلم يلبث أن مات، فناحته الجن... 
وقال الحاكم في المستدرك: أن سعد بن عبادة أتى سباطة قوم فخر ميتا فقالت الجن...
وفي مجمع الزوائد – الهيثمي. قال:  بينما سعد يبول قائما إذ اتكأ فمات قتلته الجن فقالوا... 
وقال التبريزي ولم يختلفوا أنه وجد ميتا في مغتسله وقد أخضر جسده ، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول، ولا يرون أحدا شعر . نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده، فيقال: إن الجن قتله.
 
تعقيب على الرواية.
الجدير بمن سلك طريق العقل في تحقيق الأخبار أن يدرك تهدل هذا الخبر، وسذاجة الأسطورة. ويكفي أن نطلع على موقف سعد بن عبادة الذي واجه عمر في السقيفة إلى أن تماسكا، حتى دعاه أبو بكر إلى الرفق. وتمسك سعد بموقفه، إذ لم يبايع حتى مات. 
وعمر بن الخطاب الذي هم بحرق دار فاطمة، وقتل علي إن لم يبايع. كيف يزهد في تدبير قتل سعد بن عبادة. وهل الجن هي أيضا ممن يدعوها الاتفاق إلى تخليص الشيخين من أحد أقطاب المعارضة. وكان المؤرخون دائما يعملون على حبك الأخبار المزيفة، حتى ولو اقتضى الحال إكمالها بالأساطير، التي استساغها ولا يزال الذهن العربي. 
لقد دعاهم لقتل سعد بن عبادة أمرين:-
أولاً: إن سعدا أبى المبايعة. فحينما بعث إليه أبي بكر أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال لا والله لا أبايعكم حتى أراميكم بما في كنانتي وأقاتلكم بمن تبعني من قومي وعشيرتي.
وقد قال عمر لأبي بكر: لا تدعه حتى يبايع. فالمعنى من ذلك أنه إذا لم يبايع يجب أن يقتل. 
ثانياً: لأن قتله مباشرة قد يحدث نوعا من القلاقل لا طاقة للشيخين بها ذلك أن بشير بن سعد قال لعمر حين قال ما قال: "إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعكم حتى يقتل. وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته، ولن يقتلوا حتى يقتل الخزرج ولن يقتل الخزرج حتى يقتل الأوس فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر فإنه ليس بضاركم إنما هو رجل وحده. وكان قد بقي على ذلك الموقف حتى ولي عمر بن الخطاب. 
دعنا هنا مرة أخرى نستقصي الخبر. . لنعرف من الذي نفذ جريمة القتل في رجل حمل راية الأنصار في فتح مكة.
إنه جلس - أي سعد - يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته ووجدوه قد أخضر جلده.
إذن لا بد من وجود راوي قد نقل لهم تفاصيل الواقعة. الناقل بلا شك - كان - هو قاتل سعد!. 
ذكر المؤرخون حادثة قتل سعد بن عبادة كالتالي:- وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع فصار إلى الشام، فقتل هناك إذن فقتل سعد بن عبادة كان في طريقه إلى الشام. ولكن السؤال الذي يطرح هنا بإلحاح من سيره إلى الشام. وهل هناك من كان على علم بمسيره إلى الشام؟.
ذكر ابن سعد في طبقاته: لما ولي عمر الخلافة لقاه في بعض طرق المدينة. فقال له: إيه يا سعد؟. فقال له: إيه يا عمر؟. فقال له عمر: أنت صاحب المقالة؟ قال سعد: نعم أنا ذلك، وقد أفضى إليك هذا الأمر كان والله صاحبك أحب إلينا منك (هذه الكلمة لا تفيد اعترافه بأبي بكر ، إذ لو كان الأمر كما قال ، لبايعه في حياته). وقد أصبحت والله كارها لجوارك. فقال عمر: من كره جوار جار تحول عنه. فقال سعد: ما أنا غير مستسر بذلك وأنا متحول إلى جوار من هو خير منك، فلم يلبث إلا قليلا حتى خرج إلى الشام في أول خلافة عمر فمات بحوران.
وقد جاءت الرواية صريحة. فقد ذكر البلاذري وابن عبد ربه، إن سعدا لم يبايع أبا بكر وخرج إلى الشام فبعث عمر رجلا، وقال: ادعه إلى البيعة واحتل له، فإن أبى فاستعن الله عليه، فقدم الرجل الشام فوجد سعدا في حائط بحوارين فدعاه إلى البيعة. فقال؟ لا أبايع قريشا أبدا . قال : فإني أقاتلك. قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟. قال: أما من البيعة فأني خارج. فرماه بسهم فقتله. 
وذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج, والإمام أحمد المرتضى المعتزلي: إن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلا، وهو خارج إلى الصحراء بسهمين، فقتله لخروجه عن طاعة الإمام، وقد قال بعض المتأخرين في ذلك: 
يقولون سعد شقت الجــــــن قلبه ** ألا ربما صححـــت دينك بالغدر
وما ذنب سعد أنه بال قائمــــــــا ** ولكن سعدا لم يبايع أبا بكــــــــر
وقد صبرت من لذة العيش أنفس ** وما صبرت عن لذة النهى والأمر
وقال ابن أبي الحديد مستنكرا إن الجن قتلت سعد, قائلا:- أما أنا فلا أعتقد أن الجن قتلت سعدا، ولا أن هذا شعر الجن، ولا أرتاب أن البشر قتلوه، وأن هذا الشعر شعر البشر.
وأنشد ابنه قيس: 
وقالوا دهى سعدا من الجن عارض ** غدا هالكا منه وذا لكذابها
أتغتصب الجن النفوس فمن رأى ** بعينه ميتا قد عراه اغتصابها
وكذالك يلاحظ الاضطراب الحاصل على الروايات وعدم تماسكها.., ونحن لا نوعز ذالك الاضطراب إلى تعدد رواة الرواية, بل إلى مختلق تلك الواقعة وبثها واخذ الرواة لها. مع أن هذه الروايات لم تأتي بشكل متكامل.. بل كان مختلقها يتهافت بين قول وقول!!.
وهذا واضح من خلال تتبع الروايات الواردة في ذالك الحادث. وإذ دققنا في الروايات يتضح ما قلناه بشكل جلي, واليك التالي:-
 
المؤاخذات على الروايات.
أولاً: الرواية القائلة بان سعد قتله الجن لأنه بال وهو واقف, وموته كما صرحت به هذه الرواية لم يعلم به احدا إلا بعد سماع قول الجن...
وهذا الاضطراب واضح. فكيف عُرف أن الجن قتل سعد وهو قائما يبول؟. فهل شاهد أحد أن سعد كان يبول وقتل؟. هذا ما تنفيه الرواية, فانه لم يعلم بمقتله إلا بعد سماع قول الجن..؟!!.
إلا أن مختلق الرواية نسي أن يقول أن الجن قد أخبرت الناس أن سعد بال وهو قائم في بئر أو جحر فقتلناه, ويعزز قوله بذكر بيتين من الشعر!!.
ثانياً: أما الرواية الأخرى القائلة بان سعد وجد على مغتسله ميتا وقد اخضر جسده, ولم يشعر احد بموته بالمدينة إلا بعد سماع قول الجن..
أن مقتل سعد كان كما عليه جميع الروايات الصحيحة والخاطئة كان في دمشق بحوران. اما أهل المدينة فلم يعرفوا أن سعد قد مات إلا بعد سماع شعر الجن.. فهل أتى الجن إلى أهل المدينة يقول ذالك الشعر ليخبرهم بمقتله؟. ولماذا لم يقوله في الشام زمن حصول الواقعة؟. وإذا قال ذالك الشعر في الشام فلماذا لم يقتصر هناك فقط؟. 
ثالثاً: اما الرواية الثالثة القائلة بان سعد بعد أن بال فانه رجع إلى حيث كان, وقال لمن كان حاضر أني لأجد في ظهري شيئا فلم يلبث حتى مات فناحته الجن... 
بينما الروايات التي نقلناها سابقا لا تدعم هذه الرواية حيث أن سعد لم يعلم بموته احد حسب تعبير الروايات السابقة. ففي الأولى لم يعلم احد بمقتله أصلا, وفي الثانية لم يعلم احد إضافة إلى انه وجد مخضر الجسد على مغتسله!!.
وقد ذهب ابن قتيبة إلى أن سعد مات وهو واقف, إلا انه استبعد أن يكون الجن هو الذي قتله. لذا فقد نجده حينما ينقل الرواية ينفرد برأي خاص واعتبر أن الجحر الذي بال فيه سعد لابد وان تكون فيه أفعى أو عقرب أو أي حشرة سامة أخرى فنهش وهو يبول. لذا فقد قال أن الصحيح عندي انه قد نهش فمات. 
  
الرواية المعتمدة. 
إننا نستبعد أن يكون مقتل سعد في زمن أبي بكر كما استبعد هذا الرأي بعض المؤرخون. والرواية المعتمدة عندنا هي ما ذكرها ابن عبد ربه والبلاذري, وذالك لعدة أسباب منها:
الأول: ان الخليفة عمر هدد سعد لأنه كان من المنافسين على السلطة إضافة إلى انه لم يبايع. فيذكر المؤرخون انه عندما تمت البيعة لأبي بكر كاد الناس يطئون سعدا, فقال أصحاب سعد لا تطؤه - أي سعد - فقال عمر اقتلوه قتله الله. ثم وقف عمر على رأسه وقال: هممت أن أطأك حتى يندر عضوك. يقول المؤرخون فاخذ سعد بلحية عمر وقال والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة.. فاشتد الأمر فيما بينهم إلا أن الخليفة أبا بكر أسعف الموقف وقال مخاطبا عمر: مهلا يا عمر الرفق ها هنا ابلغ. فتركه عمر.
الثاني:  أن ما حدث في يوم السقيفة يساعد ما ذكرناه, يقول بن أبي الحديد: فقد كسر عمر سيف الزبير عندما جرده, ودفع صدر المقداد, وحطم انف الحباب بن المنذر, وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة. وإخراجهم منها كرها, فكان الخليفة عمر يفعل أي شيء حتى يتم ذالك الأمر لهم!. ولولا عمر لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة.   
الثالث: أن الخليفة عمر لم يكن تاركا سعد إلا بعد أن سمع مشورة بشير بن سعد ورضي بها. وقد اضمر في قلبه إلى أن تولى الخلافة. وحينما رأى الخليفة عمر سعدا وأراده أن يبايع رفض سعد مبايعته وانتقل إلى الشام بعلم الخليفة - كما دلت عليه الرواية - فرأى الخليفة أن الفرصة سانحة في مقتله فدبرت تلك الخطة.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد كاظم الاكوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/28



كتابة تعليق لموضوع : قراءة نقدية - تاريخية لكتاب (عمر والتشيع) للاستاذ حسن العلوي (7)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net