المتتبع والمهتم لمجالات تنمية الموارد البشرية يلحظ أن مفهوم التنمية بات عنوانا للكثير من السياسات والخطط والأعمال على مختلف الأصعدة ، طلبا للرقي والازدهار والنهضة في المجتمعات الإنسانية ، كما يلحظ أن الاهتمام بها لتشغل حيزا كبيرا من كتابات المهتمين بداعِ التأهيل والتطوير حسب تقديرنا وكذلك يلحظ أن الشعوب التي حققت تطورا وازدهارا شهدت نهضة ملحوظة في العالم الغربي في عصرنا هذا رعاية منها لتطور اساليب التنمية كمًا وكيفا خدمة للإنسان .
وجدير بالذكر أن ما شهدته العقود الماضية من تطور لحضور وتأثير منظمات المجتمع المدني على كافة المستويات لاسيما في اطار الشراكات والمساهمات في التخفيف من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الظروف الحياتية للمواطنين.
كما نلاحظ أن الكثير من منظمات المجتمع المدني تتلافى تأثير التجارب السلبية لذا كان عليها اعتماد معايير لقياس أدائها وتحديد دورها في المستوى التنظيمي للمنظمة وتقييم الاثر الاجتماعي والسياسي والبعد التنظيمي والهيكلي لاسيما الشفافية والإدارة الرشيدة وتداول السلطة والقيم كالرؤية والأهداف ووسائل العمل ومستوى المشاركة المدنية في اعمالها وأنشطتها والبيئة الخارجية التي تعمل فيها وكل ذلك ضمن مراحل استراتيجية رعاية لتنمية المجتمعات إنسانيا.
فمنذ مطلع التسعينات من القرن الماضي مع بدأ تداول مصطلح (التنمية البشرية)، بعد أن أطلقته (الأمم المتحدة) من خلال برنامجها الإنمائي ورغم تباين وجهات النظر إلى هذا المفهوم ، وتعدد طرق تفسيره فإن صورة المصطلح كانت تفيد بأن محور التنمية الرئيس وهدفها هو الإنسان.
ويذهب البعض أن التنمية هي عملية تتضمن توسعة خيارات الناس عن طريق توسعة القدرات ، إذن فالتنمية البشرية مبنية في المقام الأول وقبل كل شيء على السماح للناس بأن يعيشوا نوع الحياة الذي يختارونه وعلى تزويدهم بالأدوات المناسبة والفرص المؤاتية لتقرير تلك الخيارات.
وهنا تتضح غاية التنمية في تغيير حال الانسان الى حال آخر في هذا العالم الفاني إذن هي وسيلة أداتها مجموعة اساليب هادفة لتحسين الفكر وتقويم السلوك وتعديل الاتجاه للإنسان؛ وقد يكون ما اكسب عبر السنين سمعة عالمية مستحقة في التفوق للعاملين فيها وفق سياسات تنموية تتسم بأن يحيا الناس حياة مديدة وصحية وأن يحظوا بالمعرفة وأن يتمتعوا بمستوى لائق من المعيشة، وإذا لم يتم تحقيق هذه القدرات الثلاثة ، فإن العديد من الخيارات لن تكون ببساطة متاحة وستبقى العديد من الفرص متعذر الوصول إليها.
إلا أن مجال التنمية البشرية يذهب لأبعد من ذلك: فمجالات الخيار الرئيسة، والتي تحظى بتقدير عال من قبل الناس، والتي تتراوح بين الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أن يكون المرء مبدعا ومنتجا وصولا إلى التمتع باحترام الذات والتمكين والتمتع بإحساس الانتماء لمجتمع ما.
ولكن ومما لا يفوتنا أن من خصائص التنمية في الاسلام كما يشير إليها القرآن الكريم أنها وسيلة لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته في الدنيا والآخرة وليس فقط في العالم الفاني، وهنا إشارة الى أنه قد يفلح الإنسان في رسم سياسات تنموية له في هذه الحياة الفانية .
إلا أن (التنمية البشرية) كمفهوم فلها جذور عميقة في الثقافة الإسلامية بل وفي أهم مرجعياتها وأقدسها (القرآن الكريم ) والتنمية كمصطلح لا نلحظ لها وجود كلفظة في القرآن الكريم ؛ ولكن مفهوم (البشر) و(الإنسان) الذي هو محور التنمية نلحظ له حضوراً كبيراً في خصوصية الدلالة القرآنية بلحاظ المؤشر الإحصائي فيما يدل على تفاوت بين قيمة (الإنسان) وقيمة (البشر) في التصور القرآني .
والقرآن الكريم في استعمالاته لهذا اللفظ يضيف أن للإنسان قيماً روحية ونفسية وخُلقية أخرى تغلب عليها صفات ونعوت سلبية منها الطبعي ومنها المكتسب فالإنسان في الغالب : ظلوم، جهول، كفار، يؤوس، قنوط، عجول، جزوع، منوع، خصيم، قتور. والإنسان أيضاً: خُلق هلوعاً، وخُلق ضعيفاً، وخُلق في كبد.
وفي مقابل هذه الصفات، نجد صفات إيجابية طبعية وكذلك مكتسبة؛ فهو: خُلق في أحسن تقويم، وعلَّمه البيان، وعلَّمه ما لم يعلم، ثم هو في خُسر إلا إذا آمن وعمل صالحاً.
ومن هنا فدلالة (إنسان) قرآنيا أكثر على القيم التي تحتاج إلى تنمية من مصطلح (البشر) وهو ليس تصحيح لصياغة مصطلح (التنمية البشرية) فحسب ؛ بل يدخل في صميم تأصيل تصور خاص لهذه التنمية حيث نعي أن للمفاهيم التي خوطب بموجبها الإنسان أكثر شمولية ودلالة على التنمية المنشودة.
أما أن اجرينا عملية مسحية أولية سيبين لنا التصوير القرآني أن الموقف مبني من الكون والحياة وكل ما خلقه الله تعالى اسمه في هذه الطبيعة وجد لخدمة الإنسان لقوله تعالى : (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {إبراهيم/32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {إبراهيم/33}) .
وقوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {الجاثية/12} وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الجاثية/13})، وهو سبحانه من أنزل القرآن لأجل الانسان : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل/44}) ، لذا فأن الهدف هو الانسان ولذا تكون العملية التنموية وسيلة غايتها تحقيق سعادة الانسان المادية والمعنوية فالإنسان هو محور التنمية القرآنية التي تتميز بتطوير وتغيير حياة الناس في مجتمع ما ، والاستمرارية لإن العملية التنموية وتحقيق مهمتها الحضارية لا تتم في يوم وليلة بل بحاجة الى زمن يطول ويقصر على قدر عزائم الساعين الى التنمية .
ومما تتميز به التنمية القرآنية بحسب م.م. محمد شبع في بحثه (التنمية في القرآن الكريم) هي الشمولية والوعي بمقصود الشارع من الاستخلاف وكذلك الرعاية والاستقلالية والتعاون والتكامل ، وهو ما يفترض ان نرتقي به مع مقارنتنا فيما تقدم لمفهوم التنمية في جميع ابعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية حيث نجده جزأ واحدا من اجزاء التنمية الكاملة في القرآن الكريم وقد تنامى ونشط بأنامل وفكر وظف لخدمة مجتمعات غير اسلامية فكان ما كان لها من التطور هدفا في أن يصل الانسان بمجهوده ومجهود ذويه إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل، وبحياة طويلة وصحية بجانب تنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم وزيادة الخبرات .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
المتتبع والمهتم لمجالات تنمية الموارد البشرية يلحظ أن مفهوم التنمية بات عنوانا للكثير من السياسات والخطط والأعمال على مختلف الأصعدة ، طلبا للرقي والازدهار والنهضة في المجتمعات الإنسانية ، كما يلحظ أن الاهتمام بها لتشغل حيزا كبيرا من كتابات المهتمين بداعِ التأهيل والتطوير حسب تقديرنا وكذلك يلحظ أن الشعوب التي حققت تطورا وازدهارا شهدت نهضة ملحوظة في العالم الغربي في عصرنا هذا رعاية منها لتطور اساليب التنمية كمًا وكيفا خدمة للإنسان .
وجدير بالذكر أن ما شهدته العقود الماضية من تطور لحضور وتأثير منظمات المجتمع المدني على كافة المستويات لاسيما في اطار الشراكات والمساهمات في التخفيف من التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على الظروف الحياتية للمواطنين.
كما نلاحظ أن الكثير من منظمات المجتمع المدني تتلافى تأثير التجارب السلبية لذا كان عليها اعتماد معايير لقياس أدائها وتحديد دورها في المستوى التنظيمي للمنظمة وتقييم الاثر الاجتماعي والسياسي والبعد التنظيمي والهيكلي لاسيما الشفافية والإدارة الرشيدة وتداول السلطة والقيم كالرؤية والأهداف ووسائل العمل ومستوى المشاركة المدنية في اعمالها وأنشطتها والبيئة الخارجية التي تعمل فيها وكل ذلك ضمن مراحل استراتيجية رعاية لتنمية المجتمعات إنسانيا.
فمنذ مطلع التسعينات من القرن الماضي مع بدأ تداول مصطلح (التنمية البشرية)، بعد أن أطلقته (الأمم المتحدة) من خلال برنامجها الإنمائي ورغم تباين وجهات النظر إلى هذا المفهوم ، وتعدد طرق تفسيره فإن صورة المصطلح كانت تفيد بأن محور التنمية الرئيس وهدفها هو الإنسان.
ويذهب البعض أن التنمية هي عملية تتضمن توسعة خيارات الناس عن طريق توسعة القدرات ، إذن فالتنمية البشرية مبنية في المقام الأول وقبل كل شيء على السماح للناس بأن يعيشوا نوع الحياة الذي يختارونه وعلى تزويدهم بالأدوات المناسبة والفرص المؤاتية لتقرير تلك الخيارات.
وهنا تتضح غاية التنمية في تغيير حال الانسان الى حال آخر في هذا العالم الفاني إذن هي وسيلة أداتها مجموعة اساليب هادفة لتحسين الفكر وتقويم السلوك وتعديل الاتجاه للإنسان؛ وقد يكون ما اكسب عبر السنين سمعة عالمية مستحقة في التفوق للعاملين فيها وفق سياسات تنموية تتسم بأن يحيا الناس حياة مديدة وصحية وأن يحظوا بالمعرفة وأن يتمتعوا بمستوى لائق من المعيشة، وإذا لم يتم تحقيق هذه القدرات الثلاثة ، فإن العديد من الخيارات لن تكون ببساطة متاحة وستبقى العديد من الفرص متعذر الوصول إليها.
إلا أن مجال التنمية البشرية يذهب لأبعد من ذلك: فمجالات الخيار الرئيسة، والتي تحظى بتقدير عال من قبل الناس، والتي تتراوح بين الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أن يكون المرء مبدعا ومنتجا وصولا إلى التمتع باحترام الذات والتمكين والتمتع بإحساس الانتماء لمجتمع ما.
ولكن ومما لا يفوتنا أن من خصائص التنمية في الاسلام كما يشير إليها القرآن الكريم أنها وسيلة لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته في الدنيا والآخرة وليس فقط في العالم الفاني، وهنا إشارة الى أنه قد يفلح الإنسان في رسم سياسات تنموية له في هذه الحياة الفانية .
إلا أن (التنمية البشرية) كمفهوم فلها جذور عميقة في الثقافة الإسلامية بل وفي أهم مرجعياتها وأقدسها (القرآن الكريم ) والتنمية كمصطلح لا نلحظ لها وجود كلفظة في القرآن الكريم ؛ ولكن مفهوم (البشر) و(الإنسان) الذي هو محور التنمية نلحظ له حضوراً كبيراً في خصوصية الدلالة القرآنية بلحاظ المؤشر الإحصائي فيما يدل على تفاوت بين قيمة (الإنسان) وقيمة (البشر) في التصور القرآني .
والقرآن الكريم في استعمالاته لهذا اللفظ يضيف أن للإنسان قيماً روحية ونفسية وخُلقية أخرى تغلب عليها صفات ونعوت سلبية منها الطبعي ومنها المكتسب فالإنسان في الغالب : ظلوم، جهول، كفار، يؤوس، قنوط، عجول، جزوع، منوع، خصيم، قتور. والإنسان أيضاً: خُلق هلوعاً، وخُلق ضعيفاً، وخُلق في كبد.
وفي مقابل هذه الصفات، نجد صفات إيجابية طبعية وكذلك مكتسبة؛ فهو: خُلق في أحسن تقويم، وعلَّمه البيان، وعلَّمه ما لم يعلم، ثم هو في خُسر إلا إذا آمن وعمل صالحاً.
ومن هنا فدلالة (إنسان) قرآنيا أكثر على القيم التي تحتاج إلى تنمية من مصطلح (البشر) وهو ليس تصحيح لصياغة مصطلح (التنمية البشرية) فحسب ؛ بل يدخل في صميم تأصيل تصور خاص لهذه التنمية حيث نعي أن للمفاهيم التي خوطب بموجبها الإنسان أكثر شمولية ودلالة على التنمية المنشودة.
أما أن اجرينا عملية مسحية أولية سيبين لنا التصوير القرآني أن الموقف مبني من الكون والحياة وكل ما خلقه الله تعالى اسمه في هذه الطبيعة وجد لخدمة الإنسان لقوله تعالى : (اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {إبراهيم/32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {إبراهيم/33}) .
وقوله تعالى : (اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {الجاثية/12} وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الجاثية/13})، وهو سبحانه من أنزل القرآن لأجل الانسان : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النحل/44}) ، لذا فأن الهدف هو الانسان ولذا تكون العملية التنموية وسيلة غايتها تحقيق سعادة الانسان المادية والمعنوية فالإنسان هو محور التنمية القرآنية التي تتميز بتطوير وتغيير حياة الناس في مجتمع ما ، والاستمرارية لإن العملية التنموية وتحقيق مهمتها الحضارية لا تتم في يوم وليلة بل بحاجة الى زمن يطول ويقصر على قدر عزائم الساعين الى التنمية .
ومما تتميز به التنمية القرآنية بحسب م.م. محمد شبع في بحثه (التنمية في القرآن الكريم) هي الشمولية والوعي بمقصود الشارع من الاستخلاف وكذلك الرعاية والاستقلالية والتعاون والتكامل ، وهو ما يفترض ان نرتقي به مع مقارنتنا فيما تقدم لمفهوم التنمية في جميع ابعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية حيث نجده جزأ واحدا من اجزاء التنمية الكاملة في القرآن الكريم وقد تنامى ونشط بأنامل وفكر وظف لخدمة مجتمعات غير اسلامية فكان ما كان لها من التطور هدفا في أن يصل الانسان بمجهوده ومجهود ذويه إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل، وبحياة طويلة وصحية بجانب تنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم وزيادة الخبرات .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat