المرجعية الشيعية.. حماية القرار الوطني ورفض الانتقاص من السيادة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في منعطفات العمل السياسي، وحينما تكون الأمور ملتبسة لا تتضح معالمها، يظهر موقف المرجعية الشيعية لتعلن رأيها صريحاً كاشفاً الزوايا المعتمة، وما تخفيه الأحداث من محاولات مغرضة تستهدف إرادة الأمة.
ولأننا نتحدث عن العراق، فمن الضروري أن نحصر شواهدنا به، فهو عاصمة التشيع، ومركز القوة الشيعية، ومدار الصراع التاريخي بين أتباع أهل البيت عليهم السلام وبين أعدائهم الطائفيين وخصوصاً الوهابية التكفيرية.
وعلى مدى عقود طويلة من الزمن، ومنذ بداية الاستعمار الحديث، كان الشيعة هم الطرف الأضعف في المعادلة، فلقد اعتمدت القوى الاستعمارية تفضيل السنة على الشيعة، في منحى سياسي متعمد، تحوّل فيما بعد الى أمر واقع لا يريد السنة التسليم بخلافه. أما الشيعة فقد كانوا يتعاملون وفق مفهوم الوطن وتقديم المصلحة الوطنية على المذهبية، وهذا ما سعت اليه المرجعية الشيعية كابراً بعد كابر. بدءً من تصديها للإحتلال البريطاني في بدايات الحرب العالمية الأولى من خلال فتاوى الجهاد، ومروراً بفتاواها بتحريم انتخاب غير المسلم لحكم العراق، عندما أرادت بريطانيا إدارة البلاد من قبل حاكم بريطاني، وكذلك اعلان فتوى الجهاد للمطالبة بالحقوق المشروعة التي فجرت ثورة العشرين، وما تلاها من احداث مصيرية، حيث كانت الفتاوى الدينية الصادرة من مراجع الدين، حاضرة في المواقف المهمة، مثل كتابة الدستور وتحديد شخصية ملك العراق وانتخابات المجلس التأسيسي وغيرها من المواقف المهمة التي كانت عناوينها المعلنة خدّاعة لا يعيها المواطن العادي، فبادرت المرجعية الشيعية الى إعطاء رأيها من خلال البيانات والمطالبة المباشرة لأصحاب القرار بالتراجع أو إجراء التعديلات، ثم تتحول بعد ذلك الى إصدار الفتاوى للأمة.
وقد كان العقد الثالث من القرن العشرين هو أكثر الفترات أهمية حيث تبلورت فيه معالم الدولة العراقية دستورياً وسياسياً، وتحددت فيه علاقاتها الخارجية، ومعاهداتها مع الاحتلال البريطاني، وكان في كل واحدة من هذه رأي للمرجعية الشيعية، عبرت عنه من خلال التوجيه والكلمة الحاسمة والفتوى الدينية. فسقطت اكثر من حكومة نتيجة الضغط الذي تصنعه المرجعية من أجل الحفاظ على مصالح الشعب، وحفظ سيادة العراق، ورفض مصادرة قراره من قبل الجهات الخارجية.
ومع ان تلك الحكومات كانت سنية ذات توجهات طائفية، وكانت مدعومة من قبل المندوب السامي البريطاني وقواته العسكرية، إلا ان المرجعية الشيعية كانت صاحبة رأي قاطع، لأنها تدرك أن خطوة الحكومة وإن بدت قصيرة، إلا أنها ستؤدي الى مسار بعيد عن مصلحة الشعب وتطلعاته في السيادة الحقيقية والقرار الوطني.
إن تاريخ العراق في أهم حلقاته السياسية الحديثة منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، كان نتاج المرجعية الشيعية أو متأثراً بمواقفها.
إن من الغريب ان نجد هذه الأيام في بعض الكتابات الإعلامية اتجاهاً يتهم المرجعية الشيعية بعدم التفاعل مع الحدث، أو يصفها بأنها تنأى بنفسها عن التدخل في القضايا المصيرية. فالمرجعية الشيعية العليا بزعامة السيد السيستاني واكبت الحدث اليومي في العراق في هذه السنوات الحساسة من العملية السياسية، وهي تقدر اللحظة التاريخية المناسبة التي تُصدر فيها رأيها، وخصوصاً في المفاصل الكبيرة مثل المشاركة في الانتخابات البرلمانية، ومطالبتها بحكومة جديدة مقبولة سياسيا واجتماعيا، وفتاوى التطوع للدفاع عن المدن ضد الجماعات الإرهابية.
ويبقى الخط العام للمرجعية الشيعية شاخصاً ثابتاً عبر التاريخ وهو رفض مصادرة القرار العراقي، والتصدي لأي محاولة تنتقص من قيمة الادراة العراقية وسيادتها الكاملة.
الراية
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat