نوستراداموس الشاعر المسلم – الجزء الخامس
سليمان علي صميدة
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سليمان علي صميدة

الشاعر و روح القدس :
و حينما يصنف شعر نوستراداموس ضمن ظاهرة الإنذار السماوي فإن ذلك لا يضفي عليه آية قداسة دينية رغم أن الشاعر قد خصه بما يشبه التقديس في رباعية وحيدة كتبها باللغة اللاتينية و حصن شعره بتحذير شديد اللهجة بأن يبعد عن العامة و الجهلاء و المشعوذين و البرابرة ( أي المسلمين ) و هو يعني ما يقول و لماذا قال ذلك و يهدد كل من يشكك في تنبؤاته باللعن. و ترجمت الرباعية إلى الفرنسية كما يلي :
INCANTATION DE LA LOI CONTRE LES CRITIQUES INEPTES:
Que ceux qui liront ces vers y réfléchissent mûrement:
Que le vulgaire profane et ignorant n'approche pas:
Arrière tous les astrologues, les sots, les barbares!
Quiconque agit autrement sera maudit car ceci est un rite sacré!
التحصين المبين ضد الاتهام السقيم :
(على قراء هذه الأشعار أن يتدبروها بتمعن // على العامي السوقي و الجاهل أن يبتعد عنها //
ليصرف عنها كل المنجمين و الأغبياء والبرابرة // واللعنة على من يخالف ذلك لأن هذا عمل مقدس)
و إن المرء ليشعر بالحزن إذ صنفنا فقط دون غيرنا من الشعوب ضمن تلك المجموعات و سنشرح سبب ذلك عند تحليل دلالات القمر عند الشاعر .
إن هدف جميع الشعراء و الكتاب هو أن يقبل الناس بالآلاف على قراءة كتبهم و ترجمتها إلى كل اللغات و لكن شاعرنا هو حالة فريدة من نوعها فغايته الوحيدة هو أن يبتعد أكثر الناس عن أشعاره . و أكثر الناس قديما و حديثا و مستقبلا هم من العامة (vulgaire ) .
و على مر التاريخ لم نجد شاعرا أو كاتبا اعتبر عمله مقدسا و يأمر بالابتعاد عنه و يلعن من يسيئ فهمه إلا نوستراداموس . و الخطاب التقريري المباشر و قوة اليقين و المعين الشعري كل ذلك ينفي احتمال المبالغة أو التهويل الشعري المتعارف عليه فلا يمكن أن نصنفه ضمن الذين (هم في كل واد يهيمون) . إن قوة الربط بين اللعن و طبيعة العمل المقدس يجعلنا نتيقن من صفاء النبع و نقاوة المعين الذي يستقي منه الشاعر . و إذا كان نوستراداموس شاعرا جادت قريحته بعشرات الرباعيات حول الإمام المهدي ع و سبكت في صياغة نادرة و تتحدث عن أمور تقع بعد أربعة قرون فإن الثابت أن روح القدس قد نطق على لسانه و مثله مثل حسان بن ثابت حينما قال قصيدته حول غدير خم :
ناداهم يوم الغدير نبيهم بخم فأسمع بالرسول مناديا
وقال فمن مولاكم ووليكم فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت ولينا وما لك منا في الولاية عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
فقال له الرسول ص : ( يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا أو نافحت عنا بلسانك ) .
و مثله مثل دعبل الخزاغي حينما قال قصيدته الشهيرة أمام الرضا ع ووصل إلى :
إمام زمان لا محالة خارج يقوم على اسم الله و البركات
يميــــز فــــينا كــــل حـــــق وباطل ويجـــــزي على النعماء والنقمات
فبكى الإمام الرضا ع بكاء شديداً شوقاً إليه ثم رفع رأسه وقال:( يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين).
و نوستراداموس قد نافح عن آل البيت وناصرهم و بشر بالإمام ع و أجاد الشعر حوله فلماذا لا يكون مؤيدا بروح القدس سواء أ كان شعره عن طريق الإلهام المباشر أو علم الزايرجة أو الجفر أو الاستحضار ؟ بل هو أولى بالتأييد من حسان و دعبل لأن هذين يعيشان بين آل البيت و يقتبسان من أنوارهم بينما شاعرنا هو وحيد غريب لا ناصر له في مجتمع يحرق كل مخالف في الدين و العقيدة . إن القداسة التي صرح بها تندرج ضمن هذا المعنى . و هي ليست قداسة بالمعنى الديني المتعارف عليه بقدرما هي قداسة الجهر بالحق و الإصداع به و الذود عنه . وإذا كان للشعراء الهائمين في كل واد شياطين تلهمهم روائع القصائد فكيف لا يلهم الصادعون بالحق قصائد أروع و أعجب. و الحق قد يصدع به المسلم و غير المسلم و الإلهام يقع للاثنين على حد سواء .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat