صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

أفكار الملوية الشمّاء!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الملوية منارة (الجامع الكبير)* الذي  بناه المعتصم في مدينة جيشة وعاصمة دولته المترامية الأطراف ورائعته الحضارية  سامراء. 

والملوية فن معماري إسلامي فيه نفحات روحية وتعبيرات إيمانية , وتفاعلات خلاقة ما بين الأرض والسماء. 

الملوية موشح روحي يختصر الكثير من المعاني الإسلامية المكتوبة , ويضغطها في هذا الشكل , الذي يلخص سعي العبد نحو ربه , ومحاولاته الجادة للوصول إلى رحاب جنانه وفيض رحمته.

الملوية تعبّر عن جهاد الإنسان لنفسه , وعصرها وتشذيبها وتنقيتها وتطهيرها مما يدنس الصفاء والمحبة والأخوة والإيمان والتقى , ويمنحها الطاقات الكفيلة بتأمين وقود رحلتها إلى بارئها , وهي تتحدى قوة جذب التراب لها.

ومن يتأمل إلتواءاتها التي تبدأ كبيرة وتنتهي صغيرة مطلقة شاسعة بحجم الفضاء المطلق , يدرك رمزيتها العمرانية ومعانيها الإيمانية. 

والصعود إلى قمتها رحلة تعبيرية عن مسيرة الإنسان على سطح الأرض وغاية سعيه فيها. فالخطوات الحقيقية للإنسان أنه يريد الصعود إلى المطلق الرباني , والخروج من سجن الكوكب الصغير الحائر في وهاد الكون السحيقة. 

يريد الإنتماء إلى الأمان والسكينة والرحمة والبهاء , والنور الخلاق الأبدي الإشعاع والضياء. الصعود إلى قمتها فيه عناء وجهد يؤكد أن لكل طاقته في التفاعل مع غاياته ورؤاه , وله شوطه في الحياة. 

وبعد جهد الصعود يجد المرء نفسه وقد إستراح في فضاء بلا حدود. 

وكأن الصعود إلى قمة الملوية رياضة روحية تملأ الإنسان إيمانا وقوة , وقدرة على الوثوب إلى العلاء.

فالفكرة التي تكمن في قلب الملوية أن الإيمان الهادف إلى محبة الله , والتكرم بجناته وفيض جلاله يحتاج إلى جهد بشري خلاق , ومواصلة وترابط ما بين الفعل والقول , وأن تكون أيامه متناسقة ومتساندة كدرجات الملوية , وأن تلتف على بعضها وتتكاثف حتى تصل إلى أصغر حجم يمكنها أن تصله من شدة الإيمان وحرارة التوجّد والإمعان,  فتمتلك الطاقة العلوية التي تؤهلها للخروج من سجن الأرض الساخن. 

هذا الكبس للطاقات الإيمانية في الأعماق الإنسانية , هو الذي يوفر لها أسباب الراحة الأبدية ويمنحها تلك القوة التي يصعب مواجهتا, ونحن نعرف أن أعظم الطاقات تكمن في أعماق الذرات.

فالملوية عبارة عن إعصار روحي يشتد في إلتواءاته وإختزاناته لطاقات هائلة , تؤهله للانطلاق كصاروخ يشق صدر الغلاف الجوي للأرض , وينتصر على قوة جذبها لمن على ظهرها.

ويبدو أن فكرة الملوية مأخوذة من جذع النخلة العراقية, وقد تطلب ذلك أن يكون المهندس المعماري , الذي تفتق إبداعه عنها صاحب ملاحظة دقيقة ونافذة.

فمن ينظر إلى جذع النخلة يرى هذه الإلتواءات التي يتركها سعف النخيل بعد تكريب النخلة. 

فتلاحظ أن النخلة تلتوي وهي تصعد إلى العلاء , ولا تتوقف عن الصعود حتى تموت شامخة. 

والنخلة والملوية يشتركان بذات الصفات والملامح العمرانية والرمزية لعلاقة المخلوق بخالقه.

فهل سنلتوي ونكون قوة واحدة وطاقة فائقة متلاحمة متجانسة تريد الوصول إلى هدفها , والصعود إلى بارئها , بنقاء وإخلاص وإيمان , أم أننا نريد التبعثر  , لنكون هباءا تذروه الرياح ,  وليس إعصارا له إرادته وقوته وسلطته على الأشياء؟!!

فنحن بحاجة إلى أن ننشد إلى بعضنا , ونلتوي لكي نرتقي مثلما إرتقت الملوية , وتسامقت النخلة في ربوع بلاد الرافدين.

إن في الإلتواء قوة وفي التراخي ضعف. 

والشيء الملتوي يختزن قوة إنطلاق ويكون جاهزا للتعبير عن طاقته. 

فالإلتواء إختزان طاقات والإرتخاء تبديد لها.

"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"

والتعاون إلتواء الأشياء على بعضها , وإنشدادها إلى جمعها , وتفاعلها بطاقاتها وإمداداتها وإراداتها لكي تصل إلى مبتغاها.

إن الملوية تبقى رمزا إلهاميا ساطعا يمنح الأجيال الشعور بالقوة والتلاحم والتفاعل , ويزرع فيهم روح المحبة والتكاتف والأمل والإشراق, لأنها تقول لهم بلغة عمرانية واضحة أن الجهد الإنساني المتفاعل الشريف يفضي إلى فضاءات الخير والمحبة والرجاء , التي لا حدود لها ولا مدى. 

فالعمارة الإسلامية لغة رمزية تخاطب فينا أرواحنا ونفوسنا وقلوبنا وعقولنا , وتسكب ثقافة زمنها بصيرورة فنية خلابة. لتقول أن الدين الإسلامي دين الشموخ والترفع عن  نداءات النفس الأمارة بالسوء , وأنه دين الرحمة والعدل والمحبة والتسامح والتحمل والإحسان وحقن الدماء وحفظ الحقوق وتنظيم الواجبات.

 

*"المسجد الجامع الموجود حاليا وسّعه الخليفة المتوكل على الله سنة 234 هجرية والذي بناه أبوه الخليفة المعتصم بالله سنة 221 هجرية , بعد أن ضاق الجامع بالمصلين,  وبلغت مساحته 38 ألف متر مربع , ويتسع لأكثر من 80 ألف مصليا, وتحيط به جدران بنيت بالآجر, ويبلغ طول الجامع 240 مترا وعرضه 158 مترا , وإرتفاع الجدار 10 أمتار  , ويحتوي على 21 بابا  خمسة أبواب في كل ضلع من الأضلاع  الشمالي والجنوبي , ثمانية أبواب في الضلع الشرقي والغربي , وبابين بجانب المحراب , والمحراب مستطيل الشكل وذو أعمدة رخامية على طرفيه.

 

المئذنة الملوية تقع على بعد 25 مترا من الجدار الشمالي على محور الوسط تماما , وتقوم على قاعدة مربعة الأضلاع طول كل ضلع منها 22 مترا , بنيت على شكل حلزوني ولها سلم يبلغ عرضه 2.20 متر , وتبدأ من الوسط الجنوبي للقاعدة بدوران معاكس لإتجاه عقارب الساعة , ويتكون السلم من خمسة دورات يرفعك إلى 52 مترا من القاعدة , وهو إرتفاع المئذنة حيث يرفع المؤذن الآذان من هناك. 

وتزيّن القمة من الخارج ثمانية محاريب على شكل مشكاة , تتمثل بطراز الأقواس العباسية الإسلامية , أما القاعدة فتزينها 22 مشكات موزعة على أضلاعها الأربعة. 

وهذا الصرح هو رمز لمدينة سامراء والعراق في المناسبات الثقافية , مما دفع منظمة اليونسكو العالمية إلى ضمها للتراث العالمي" (مكتوب على لوحة التعريف بالملوية).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/15



كتابة تعليق لموضوع : أفكار الملوية الشمّاء!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net