حواريو السيد المسيح أين هم ؟ حقيقة آل محمد المغيّبة . الجزء الثالث
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي

لو تمعنا في الحديث الوارد عن الإمام الباقر(ع)، قال: (لو أنّ الإمام رُفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله).(1) يعني الأرض كل الأرض بما يرا...فقها من فترات زمنية نراها احقابا وهي واحدة. وفي رواية اشد وضوحا وشمولية من الرواية السابقة يقول (ع): (( لو بقيت الأرض يوماً واحد بلا إمام لساخت الأرض بأهلها، ولعذّبهم الله بأشدّ عذابه..
إنّ الله تبارك وتعالى جعلنا حجّة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا بأمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثمّ لا يمهلهم ولا ينظرهم، ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثمّ يفعل الله تعالى بهم ما شاء وأحبّ)).(2)
هذا إذا اضفنا الحديث القدسي المشهور بحديث الكساء الذي يقول فيه بأنه تعالى لم يخلق هذه السماء وهذه الارض إلا من اجل هؤلاء الخمسة. (3) من ذلك نعرف ان الائمة المعصومين هم الذين رافقوا الانبياء طيلة مسيرتهم على هذه الأرض إلى أن حان دورهم الاخير في الرسالة الخاتمة فظروا واحدا بعد الأخر إلى ثاني عشرهم الذي سوف يملأ الأرض على يديه قسطا وعدلا.
وكذلك فإن المتمعن في قول السيد المسيح لتلميذه برنابا (الذين اختارهم الله قبل خلق العالم لا يهلكون) يكتشف حقيقة (آل محمد صلواة الله عليهم اجمعين) وأنهم هم الأوصياء عبر الادوار ، ومن هنا نرى الحورايون قاموا بنفس معجزات الانبياء في شفاء العمي واحياء الموتى والعرج والبرص وغيرهم.وهذا ما اعترف به ابن تيمية على الرغم من نصبه الشديد لآل البيت عليهم السلام . (4)
كل ما نقوله وسنقوله صحيح وهو أن حواريين عيسى (ع) قتلوا وعُذبوا ، تتبعهم اليهود واحدا واحدا ثم اخفوا امرهم لكي لا يتخذهم الناس أسوة وأضاعوا آثارهم لكي لا يتأسى الناس بقبورهم ويتأثروا بآثارهم. فهل يُعقل أن يقوم اليهود بقتل المسيح ـــ حسب رواية الانجيل ــ ويتركون إنجيله وحواريوه يحملون رسالته من بعده ؟ فإما ان يكون الحواريون اختفوا وأن التلاميذ المذكورين في الانجيل هم شبه لهم قتلوا وعُذبوا مكانهم كما دفع الله القتل عن عيسى بأن حل الشبيه مكانه كذلك انقذ الله أولياءه من القتل لأنه تعالى تعهد ان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والسبب ان هؤلاء الحواريون لم ينتهي دورهم على الأرض يظهرون بالشكل الذي يُناسب الحقبة الزمنية التي يخرج فيها النبي .
أن الاسباط والحواريون وأوصياء محمد (ص) كلهم قتلوا وعذبوا وشردوا وبالقاء نظرة سريعة على ما تعرض له أوصياء الرسول (ص) من بعده لمصائب تهتز منها الجبال نعرف مقدار المعاناة التي عانى منها حواريو السيد المسيح .
فلو تناولنا مسألة محاولات قتل (هارون) أخو موسى والذي حكى القرآن طرفا من أخباره حيث جاء في القرآن استغاثة هارون بأخيه موسى قائلا : (ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).
وكذلك ما مر به وصي موسى يوشع وقيام زوجة موسى (صفوراء) بتجييش الجيوش واشعال فتنة هوجاء بوجهه ومحاولة قتله من قبلها ومن قبل المنقلبين على أعقابهم، وكذلك الطريقة البشعة التي تم بها قتل أول حواريي عيسى (اسطفانون) (5) من قبل اليهود وطريقة قتل الائمة المعصومين الإثنا عشر حواريو محمد ، لرأينا ان هذه الاحداث يعضد بعضها بعضا ويشهد الأواخر للأوائل بأنها : (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا).(6)
ولي هنا وقفة جدا مهمة سوف ابحثها في بحث مستقل بعونه تعالى وهي : هل أن الأسباط والحواريون هم نفسهم الأئمة الإثنا عشر من آل محمد (ص) خصوصا وأن هناك روايات تؤكد وجودهم قبل الخلق لأن الرمز إلى الرقم (12) رمزٌ ثابت غير متحرك اضافة إلى المعرفة الدقيقة بنبي هذه الامة : (( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)) وورود ذكرهم في هذه الكتب المقدس مع حصول التبديل والتغيير فيها ، وكذلك اشار الرسول (ص) إلى الاثني عشر وقال بانهم حوارييه كما في كفاية الأثر ص 69. حيث قال في حديث طويل عن أنس بن مالك : (قال الأئمة بعدي اثنا عشر من صلب علي وفاطمة، هم حواريي وأنصار ديني).
يضاف إلى ذلك دليل آخر هو قول عيسى (ع) لحوارييه كما في إنجيل يوحنا 14 : 26 (ومتى ما جاء المعزي الذي سأرسلهٌ أنا إليكم من الأب، روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء).
طبعا هذا القول لم يقله المسيح لهؤلاء التلاميذ المذكورين في هذه الاناجيل وإنما هو للحواريين الحقيقيين وتم نسبته فيما بعد إلى هؤلاء، وإلا كيف يكون هؤلاء التلاميذ مع المسيح منذ الابتداء والمعروف عنهم خيانته وتكذيبه والهروب عنه وغيرها من الموبقات لابل ان التلميذ ( فيلبس ) كان (ديوثا) في بلاط القيصر وزوجته هيروديا وابنته راقصتان في البلاط القيصري وتسببتا في قتل يوحنا وفصل رأسه عن جسده. وهذه طريقة معروفة عند اليهود يتآمرون على الشرفاء ويقتلوهم ويضعون مكانهم آراذل خلق الله.
وهناك دليل آخر بأن التلاميذ المذكورين في الاناجيل هم ليسوا الحواريين الاوصياء الاتقياء حيث نرى ذلك واضحا جليا من هذا النص حيث يقول المسيح للحواريين كما في إنجيل لوقا 9: 1 : (( ودعا التلاميذ ـــ حوارييه ـــ الإثني عشر، وأعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين)).
فإذا اعطى المسيح لحوارييه هذه القوة التي يقهرون بها الشياطين فما بالنا نرى الشياطين تتلبسهم كما نقرأ في إنجيل لوقا 22: 3 ((فدخل الشيطان في يهوذا الاسخريوطي، وهو من جملة الاثني عشر)).
وهذا ما ذهب إليه برنابا في إنجيله ياضا كما في مقدمة الفصل التاسع عشر حيث ينقل عن السيد المسيح انه قال عن يهوذا : ((يارب ما هذا ؟ إني قد اخترت اثني عشر فكان واحد منهم شيطانا)).
ولم يكن يهوذا وحده الذي دخل فيه الشيطان بل ان سمعان بطرس أيضا وهو من جملة التلاميذ الاثني عشر حيث دخله الشيطان فأنكر السيد المسيح ثلاث مرات كما نقرأ في إنجيل لوقا 22: 31(( وقال الرب ــ يسوع ــ لسمعان سمعان ، سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم! فقال له: يارب إني مستعد أن أمضي معك إلى السجن وإلى الموت! فقال ــ يسوع ــ أقول لك يا بطرس: لا يصيحُ الديك اليوم قبل أن تنكرني ثلاث مرات)).
إذن أين هذا السلطان الذي اعطاه المسيح لهم ليقهروا به الشياطين ما بالنا نرى الشياطين تتلبسهم.إلا أن يكون هؤلاء التلاميذ هم نسخة بديلة عن الحواريين الاصليين تم استبدالهم بهم ولذلك نرى الشياطين تحتوشهم من كل جانب ومكان. وإلا اي عقل يقبل ان يقوم اوصياء الانبياء بالتآمر عليهم وتسليمهم لأعدائهم ، هل سلم علي بن أبي طالب عليه السلام النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى قريش ليقتلوه وهل فعل ابو طالب ذلك ؟
إذن من كل ما تقدم نفهم أن حواريي السيد المسيح المذكورين في الانجيل نسخة مزيفة وغير حقيقية لأن خطاب السيد المسيح لهم كان على درجة عالية المضامين كما نرى في قوله : ((ومتى ما جاء المعزي الذي سأرسلهٌ أنا إليكم من الأب، روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء)).
ففي هذا النص يخبرنا السيد المسيح بأن الحواريين كانوا معه منذ الابتداء اي من ابتداء خلق العالم ، وخصوصا وأن حديث المسيح (ع) كان يدور حول النبي القادم بعده .
في النص المذكور آنفا تتضح امور مهمة جدا نذكر منها:
أولا : أن عيسى هنا يُبشّر بمجيء نبي بعده وأنه مرسل من قبل الله (الأب).
ثانيا : المسيح هنا يقول لحوارييه وتشهدون أنتم لأنكم معي من الابتداء.
ثالثا : المسيح هنا يقول بأن هذا النبي يشهد لهُ وهذا يؤيده القرآن حيث يقول في سورة النساء آية 41 : ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا)).
وكذلك قوله : ((ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم)). سورة الحج آية 78.
من كل ذلك نقول : ما علاقة الحواريين بالبشارة بمحمد ؟ولماذا يتطرق هنا يسوع إلى الشهادة ويخبر عن الجميع بأنهم معه من الابتداء. هذا إلا ان يكون محمد وآل محمد (ص) هم المعنيون ، وأن الائمة عاصروا كل الانبياء عبر أدوارهم المختلفة وإنما هم يموتون بالجسد وليس بالروح كما يقول الامام علي عليه السلام في خطبته : ((أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله إنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال فلا تقولوا بما لا تعرفون)). (7)
وقد كان هناك شبه اجماع على أن الميت من أهل البيت هو في الحقيقة غير ميت لبقاء روحه ساطع النور في عالم الظهور ولكن الجاهل يستغمض الحقيقة فينكرها وأكثر الحقائق دقائق.
كان الائمة يأتون دفعة واحدة في النبوات السابقة كما نراهم في أسباط موسى ، وحواريي عيسى ولكن في الدين الخاتم فإن مجيئ هؤلاء الائمة بالتسلسل لحفظ الدين وحراسته من تدخل المتطفلين بعد رحيل النبي .
وقد ضرب الله لنا امثلة كثيرة في الحياة الدنيا من خلال الابقاء على الكثير من الانبياء والاوصياء أحياء ومنهم من ورد ذكره في القرآن وكذلك في الكتب الأخرى وهناك شخصية جدا غامضة في الإنجيل لها مواصفاة عجيبة يقف امامها القارئ محتارا وهي ما ورد في رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 7: 1 ((لأن ملكي صادق هذا ... بلا أب بلا أم، بلا نسب. لا بداءةَ أيام لهُ ولا نهاية حياة. هذا يبقى كاهنا إلى الأبد)).
فلا يُعقل ان لايكونوا هم وقد ورد ذكرهم والبشارة بهم منذ زمن إبراهيم الذي زمنه زمن النبوات العالمية حيث ورد في سفر التكوين 17: 20 (( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا اثني عشر رئيسا يلد)).
وعلى ضوء ذلك يُمكننا القول أنه لربما يكون الأوصياء منذ آدم إلى محمد (ص) هم نفسهم أئمة آل البيت عليهم السلام يتقلبون وينتقلون في الاصلاب الطاهرة إلى الارحام المطهرة .ويخرجون مع الانبياء في كل دور باسماء مختلفة تناسب تسميات كل امة (8). كما أن هناك اكثر من إثنا عشر اسما للامام علي حيث ان كل امة تعرفه بإسم خاص ولعل اشهرها (إيليا).
المصادر .
1- الكافي 1: 179 الحديث (12) كتاب الحجّة، باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة.
2- إكمال الدين وإتمام النعمة: 204 الحديث (14) الباب الحادي والعشرون.
3- يقول فيه تعالى : (يا ملائكتـي ويا سـكان سماواتي ، إني ما خلقت سماء مبنية ، ولا أرضا مدحية ، ولا قمرا منيرا ، ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يـدور ، ولا بحرا يجري ، ولا فلكا يسـري إلا في محبة هؤلاء الخمسة ، الذين هم تحـت الكساء).
4- قال ابن تيمية : ( الذين يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنوره اهل العمى فإن الارض لن تخلو من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته (مجموع الفتاوى الجزء 25 صفحة 130.
5- كان استفانوس من حواريي السيد المرشح عنه للتبليغ كما ورد في سفر أعمال الرسل 5 : 2 : (( فدعا الاثنا عشر فانتخبوا أيها الإخوة سبعة من رجال منكم ، فاختاروا استفانوس، رجلا مملوا من الإيمان والروح القدس . كان يصنعُ عجائب وآيات عظيمة في الشعب)). ولكن اليهود امسكوه وقتلوه رجما كما في نفس الاصحاح : ((فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول : أيها الرب اقبل روحي .. وحمل رجال أتقياء استفانوس وعملوا عليه مناحة عظيمة)).
6 – وهذا ما أكده القرآن في مواطن عديدة نذكر منها : ( فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا سورة فاطر 43) وكذلك : سنة من قد أرسلنا من قبلك من رُسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا الإسراء 77) وكذلك : ( سُنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا الأحزاب 62 ) وكذلك قوله : ( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ، الفتح 23 ).
7- نهج البلاغة خطبة الامام علي الجزء الأول ص : 154.
8- وهذا ما نراه واضحا في مقدمة الفصل التاسع عشر من إنجيل برنابا حيث يؤكد السيد المسيح للحواريين برنابا من أن هؤلاء لا يهلكون فيقول: ((الذين اختارهم الله قبل خلق العالم لا يهلكون)). لأن الولاية التكونية يجب ان يكون المعصوم مخلوقا معها ومخلوقة معهم فهي ليست طارئة ، ولايتهم تبدأ من يوم الخلق الأول لا بل سابقة للخلق وإلا لساخ الكون باهله.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat