"جِدْرَ الشراكة ما يفور" يا حمد؟!!
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صادق السامرائي

الشراكة سلوك غريب في مجتمعاتنا , فهل وجدتم شركة ناجحة ومتطورة وباقية؟
هل عهدتم في مدنكم أن أبناءها قد قاموا بمشروع مشترك؟
بل هل سمعتم بأن أشقاء وشقيقات قد إستثمروا في ميراثهم وطوروه , وتفاعلوا لزيادة الربح العام وإدامة المشروع عبر الأجيال؟
هل وعيتم أن الإنسان عندنا يمتلك روح الشراكة والمشاركة والتفاعل المشترك؟!
هذا السلوك لا يعرفه المجتمع عبر أجيال وأجيال , وقبل مجيئ الإسلام الذي إستوعب هذه الظاهرة وترجمها بالتحاصص الميراثي , الذي قضى على الإستثمار المشترك والتواصل الإقتصادي والتطور.
فكل ميراث يكون سببا للفرقة والعداوة وضياع المال , لأن كلا من الورثة يحسب أنه يملك الميراث ولا ترضيه أية حصة , ويبقى يشعر بالغبن والمظلومية مهما كان الإنصاف صادقا.
وهذا يعني أن مجتمعاتنا تسعى للتفرق والتفرد , وعدم التفاعل المتضامن لصناعة مصلحة مشتركة , ويبدو أن فكرة المحاصصة المزروعة بالدستور قد حَسِبت البلاد ميراثا!
وعندما نأتي للسياسة فأن الحالة تكون صارخة ومتوحشة ودامية , فلا يوجد في تأريخنا المعاصر نظام سياسي مشترك , أو حكومة قامت على مبادئ ومعايير الشراكة , ولهذا فأن جميع تجارب الوحدة والعمل المشترك قد فشلت , ووصل العرب إلى أقصى حالات التشرذم والفرقة والتناحر والتصارع المشين.
فلا توجد في تأريخنا حكومة تمكنت من وضع قواعد وأسس المشاركة والإشتراك , وجميع مجالس قيادات الثورات إنتهت بالتماحق , وتسيّد فرد واحد بصلاحيات مطلقة وقاهرة.
وما تمكن العرب من إقامة تجربة ديمقراطية نافعة ومستمرة , بل أسقطوا التجارب الديمقراطية التي أقيمت في بعض أوطانهم عقب الحرب العالمية الأولى.
وتأريخ العرب يؤكد بأنهم قتلوا الخلفاء الراشدين إلا أوّلهم , وكانوا يؤسسون ويمارسون حكما ديمقراطيا أصيلا متميزا, وربما يكون ذلك أحد أسباب قتلهم الجوهرية.
والديمقراطية تبنى على المشاركة والتفاعل المشترك , وبإفتقاد هذه الميزة السلوكية عندنا , فمن اللامعقول الحديث عن الشراكة في بلدٍ ما عهد غير التفرد والإستبداد والطاعة العمياء , فكأن الحديث عن الشراكة نوع من الخيال أو السراب.
وتجارب العقد الماضي أكدت بالعمل الدامغ , أن لا يمكن صناعة حكومة مشاركة , فالنفوس غير مؤهلة للتشارك , وإنما للتفرد والتحاصص , ولهذا هللت لفكرة المحاصصة وروّجتها ورسّختها , وقبلتها كمادة دستورية , وهي لا وجود لها في دساتير الذين صدّروا الديمقراطية إلينا وكتبوا دستورها لنا.
والميل إلى التنافر نزعة سلبية كامنة في الأعماق , تحتاج لتهذيب وترويض , لكي يتمكن الإنسان من تحمل أخيه والتفاعل المشترك معه.
ووفقا لذلك , فأن إقامة حكومة صالحة وذات أهداف وطنية لا يمكن تحقيقه عندنا , وهذا يعني أن دوامة التفاعلات الضارة ستتواكب وتتعاظم , وكل حكومة ستأتي ستجد لها قميصا تضع عليه مآثمها , وتبريئ نفسها , وتتنعم بأنانية أعضائها وتوجهاتهم الفردية , التي لا يعنيها الوطن والمواطن.
ومن الأفضل أن يتم تشكيل حكومة كفاءات وطنية , لا علاقة لها بأي طرف , هدفها البناء والإعمار ووضع الأسس السليمة للبنى التحتية اللازمة للمعاصرة والتفاعل مع الدنيا , وعلى كل محاصص أن يرّكز على البرلمان , ويؤكد دوره ويبدي قدراته في أروقته , فيكون له تأثيره وفعاليته وفقا لقدراته الفكرية والثقافية والمعرفية , ورؤيته المستقبلية النافعة للناس كافة.
فلن تمضي سفينة البلاد في نهر الحياة بنجاح من غير حكومة كفاءات نزيهة شفافة متفاعلة ذات أخلاقيات مهنية صارمة , وبرلمان قوي مثقف ومتبصر وحريص على المصالح الوطنية , ويؤمن بأن الوطن عقيدته ومذهبه وطائفته وعشيرته وهويته التي لا تعلو عليها هوية أو توصيف.
فابعدونا عن الأفكار الوهمية والتصوات الخرافية وكونوا واقعيين وعمليين , وتجردوا من تحزباتكم وفئوياتكم وتطلعاتكم الطائفية السقيمة , وانظروا بعيْن الكفاءة وبصيرة الإنجاز.
وبعد ذلك يمكنكم التحدث عن وجود ساسة في البلاد!!
"إذا عظّم البلاد بنوها
أنزلتهم منازل الإجلال"
و " حب الوطن من الإيمان"!!
"والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"
فهل من صحوةٍ بعد طول سبات؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat