العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية
مير ئاكره يي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مير ئاكره يي

[ بحث موجز في علم الاجتماع ]
الجزء الثالث
________________________________________
في العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية ليس فيها تفاضل ، وليس فيها تمييز في موضوع تقديم الخدمات الأساسية والضرورية للمواطنين في المجتمع . وعندما نقول المواطنين فإنه يسري على الجميع بدون إستثناء ؛ بدء من الأعلى حتى الشعب بكل أطيافه وأجناسه الاجتماعية . ذلك إن الاستثناء ، أو التفاضل في تقديم الخدمات للمواطنين ، أو في العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية عموما هو – بلا شك – نقيض للعدل والمساواة من ناحية ، ومن ناحية أخرى يدل على إن الحكم السياسي والقيادة السياسية في البلاد قد مرقت من قواعد العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية ، لأن [ الناس سواسية كأسنان المشط ] كما جاء في الحديث النبوي الشريف لرسول الله محمد ( ص ) .
على هذا الأساس إهتم القرآن الكريم بقضية العدالة الاجتماعية كثيرا والى أبعد الحدود والمديات ، بل إن الاسلام أردف قضية العدل بجميع جوانبها بعد الايمان مباشرة . مضافا إن العدل في الاسلام هو جزء من التقوى ، وهو قريب منه جدا كما تقرر العديد من الآيات والنصوص القرآنية المحكمة . ومن هنا نفهم أن من لاعدل له ، أو أن من لا عدالة في أعماله وحكمه وأحكامه فإنه لاإيمان ولاتقوى له ، أو على الأقل فإن إيمانه وتقواه فيه خللا كبيرا ، وقد لايقبل الله سبحانه وتعالى منه صرفا ولاعدلا مالم يتوب الى ربه متابا عبر تصحيح الخلل الذي يعاني منه على صعيد العدل .
يقول القرآن الكريم عن وجوب تطبيق العدل الاجتماعي بين الناس في الحكم ؛ { إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات الى أهلها * واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل * إن الله نعمّا يعظكم به * إن الله كان سميعا بصيرا } ( 6 )
التفسير :
_____
إن المقطع الأول من الآية الكريمة تقرر العدالة العامة بين الناس مثل ؛ تأدية الأمانات ، حيث تشمل تأدية الحقوق الى أهلها ومالكيها الذي إستأمنوكم عليها كالأموال والودائع بمختلف أصنافها وأنواعها . هذا جزء ونوع من التفسير للمقطع الأول للآية ، أما التفسير الأشمل والأصوب للآية كلها هو فيما يتعلق بالحكم السياسي في المجتمع وهو : تقرير الآية بشكل واضح بأنه ينبغي أن يكون الناس في المجتمع على وعي ودراية ، وعلى شجاعة وإيثار في قضية إنتخاب الحكام والرؤساء لهم ، عليهم أن يحتاطوا ويحذروا كثيرا في هذا الأمر المصيري والحيوي . وذلك يكون بإنتخاب الشخص الأكثر أهلية وعدالة ومناسبة لمنصب الرئاسة للحكم . وفي هذا عليهم أن يتجنبوا كل ما يعيق هذا الطريق من العلاقات العشائرية ، أو العائلية ، أو الفكرية ، أو علاقات الصداقة وغيرها . والى جانب الرئاسة العامة وجب الاحتياط والحذر أيضا في إنتخاب بقية المسؤولين للمناصب الأخرى في الحكومة .
وبعدها تقرر الآية على وجوب إنتهاج الحكام والرؤساء العدالة الاجتماعية في حكمهم بين الناس ، لأن الحكم بالعدالة هو أمر الله سبحانه وتعالى للحكام . ومن لم يجعل العدالة سبيلا وميزانا للحكم فقد عصى أمر الله تعالى اليه ، حيث حينها يشرع الاعتراض والمعارضة لكي يعود الحاكم الى العدل ، فإن لم يرجع ويرتدع وقتها يجوز للمجتمع خلع هذا الحاكم وإنتخاب حاكما آخر مكانه . والعدل هو النعمة العظيمة التي يأمر الله تعالى الحكام والرؤساء لتنفيذها سواسية في المجتمع ، وهو سبحانه بلا شك سميع لأقوالهم [ أي الحكام والرؤساء ] وبصير بأفعالهم وأعمالهم . والمقطع الأخير من الآية الكريمة يتضمن الوعد للحكام العادلين والرؤساء المقسطين ، وفي نفس الوقت فإنه يتضمن الوعيد للحكام والرؤساء الذين يمارسون القمع والجور والظلم والعدوان والاستبداد والنهب حيال المجتمع / المجتمعات وكرامتهم وحقوقهم وثرواتهم وحكمهم ! .
وقد عبر الامام علي [ رض ] بأن العدالة هي العدالة ، ولها نمط واحد وصورة واحدة ، وشكل واحد . وذلك بعكس الجور والظلم والطغيان فله أشكال كثيرة وصور مختلفة متعددة . ويقول الامام علي [ ك م ] في هذا الشأن بالضبط : [ العدل صورة واحدة ، والجور صور كثيرة ] ( 7 ) .
إن العدل هو الميزان في هذا العالم ، وهو قوامه [ بكسر القاف ] ونظامه الذي لايقبل الفساد والافساد والاخلال في أيّ نحو من أنحائه . لهذا فإن العدل مؤيد ومقبول من أيّ نظام كان ، وفي أيّ مكان من المعمورة مهما كان دينه وفكره ولونه وقوميته . وبالمقابل كذلك ؛ فإن الاستبداد والظلم والجور ممقوت مرفوض من أي نظام كان ، وفي أيّ مكان من العالم مهما كان عليه من الدين والفكر واللون والقومية . ذلك إن العدل هو الأساس والمعيار والميزان عند الله سبحانه وتعالى ، وعليه فإن العدل أفضل بكثير من عبادة مقرونة بالظلم والضيم ، أو مصحوبة بالطغيان والعدوان والاستبداد والسلب والنهب لخيرات وثروات الناس وكنزها في المصارف والبنوك . ولعله لذلك قال الرسول العظيم سيدي رسول الله محمد [ ص ] كما ورد في أحد الروايات الحديثية عن العدالة والعبادة : [ عدل ساعة في حكومة خير من عبادة ستين سنة ] !!! .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat