صفحة الكاتب : سيد صباح بهباني

التسامح هو اقصر طريق إلى الله الحلقة الثالثة والأخيرة...
سيد صباح بهباني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  بسم الله الرحمن الرحيم
(دْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل /125.
(عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)الفرقان/63.
(وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) العنكبوت/46.
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الأعراف /199.
(وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )الأنعام /108.
التسامح والتعددية
لقد جاء في المادة رقم "1" من القانون العام لليونسكو الفقرة "3": إن التسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية (بما في ذلك التعددية الثقافية) والديمقراطية وحكم القانون وهو ينطوي علي نبذ الدوغماتية29 ، والاستبدادية ويثبت المعايير التي تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

لذا يكتسب التسامح أهمية خاصة إذا كان للناس ذوي القناعات الدينية والإيديولوجية والسياسية المختلفة يرغبون في أن يعيشوا معاً في مجتمع ديمقراطي تعدُّدي .

إن العصر الحديث يشهد ولاسيما في المنطقة العربية  بروز مجتمعات متعدِّدة الثقافات إلى مدى يتزايد بإستمرار، يتحقَّق فيه خلال فترة طويلة تنوُّعٌ في الفوارق الدينية والمذهبية، فإن ذلك يجعل فضيلة التسامح ضرورية إلى أقصى الحدود .

 ومن هنا لا يجوز أن يُنظر إلى اختلاف الجماعات البشرية في أعراقها وألوانها ومعتقداتها ولغاتها على أنها تمثل حائلاً يعوق التقارب والتسامح والتعايش الإيجابي بين الشعوب، فقد خلق الله الناس مختلفِين: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)،كما يقول القرآن الكريم .

 ولكن هذا الاختلاف بين الناس في أجناسهم ولغاتهم وعقائدهم لا ينبغي أن يكون منطلقاً أو مبرراً للنـزاع والشقاق بين الأمم والشعوب، بل الأحرى أن يكون هذا الاختلاف والتنوع دافعاً إلى التعارف والتعاون والتآلف بين الناس من أجل تحقيق ما يصْبون إليه من تبادل للمنافع وتعاون على تحصيل المعايش وإثراء للحياة والنهوض بها. ومن هنا يقول القرآن الكريم: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، والتعارف هو الخطوة الأولى نحو التآلف والتعاون في جميع المجالات .

التسامح والحوار .

  إن الحوار في معناه الصحيح لا يقوم ولا يؤدي إلى الهدف المنشود إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين أطراف الحوار، واحترام كلِ جانب لوجهة نظر الجانب الآخر وبهذا المعنى فإن الحوار يعني التسامح واحترام حرية الآخرين، واحترامُ الرأي الآخر لا يعني بالضرورة القبول به .

وليس الهدف من الحوار مجرد فكّ الاشتباك بين الآراء المختلفة أو تحييد كل طرف إزاء الطرف الآخر، وإنما هدفُه الأكبر هو إثراء الفكر وترسيخ قيمة التسامح بين الناس، وتمهيد الطريق للتعاون المثمر فيما يعود على جميع الأطراف بالخير، وذلك بالبحث عن القواسم المشتركة التي تشكل الأساس المتين للتعاون البنّاء بين الأمم والشعوب. والحوار بهذا المعنى يُعد قيمة حضارية ينبغي الحرص عليها والتمسك بها وإشاعتها على جميع المستويات .

 والوعي بذلك كله أمر ضروري يجب أن نعلمه للأجيال الجديدة، وبصفة خاصة عن طريق القدوة وليس عن طريق التلقين ولا جدال في أن الحوار قد أصبح في عصرنا الحاضر أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بل أصبح ضرورة من ضرورات العصر، ليس فقط على مستوى الأفراد والجماعات، وإنما على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلفة .

  وإذا كانت بعض الدول في القرن الجديد لا تزال تفضل شريعة الغاب بدلاً من اللجوء إلى الحوار، فإن على المجتمع الدولي أن يصحّح الأوضاع، ويعيد مثل هذه الدول الخارجة على القيم الإنسانية والحضارية إلى صوابها حتى تنصاع إلى الأسلوب الحضاري في التعامل وهو الحوار، فليس هناك من سبيل إلى حل المشكلات وتجنب النـزاعات إلا من خلال الحوار .

ومن منطلق الأهمية البالغة للتعارف  بين الأمم والشعوب والحضارات والأديان - برغم الاختلافات فيما بينها-كانت دعوة الإسلام إلى الحوار بين الأديان.

وذلك لما للأديان من تأثير عميق في النفوس ويعد الإسلام أول دين يوجه هذه الدعوة واضحة صريحة في قوله تعالى:﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.

قيم التسامح

يتضح مما سبق إن التسامح الديني أو التسامح الشامل له قيم على أساسها يبنى وفي خضمها يحقق غايته وهذه القيم هي :

ـ قيمة التسامح في كونه ضرورة وجودية :

 إن ما يجب تسليط الضوء عليه أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ذا بُعد وُجودي، أي أنه ضروري ضرورة الوجود نفسه .

 ولتوضيح ذلك يمكن الالماع إلى أن سُنّة الوجود قد اقتضت أن يكون وجود الناس على الأرض في شكل تجمّعات بشرية، وهي وإن اتّفقت في ما يجمع بينها من وحدة الأصل والحاجة إلى التجمّع والحرص على البقاء والرغبة في التّمكّن من مقوّمات الحياة والسّعي في إقامة التمدّن والعمران والتَّوق إلى الارتقاء والتقدّم فإنها قد تباينت في ما تتفرّد به كل مجموعة من خصوصية عرقية ودينية وبيئية وثقافية .

  وقد صرّح القرآن بهذه الحقيقة الوجودية فقال: ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).

وقد ألمع القرآن إلى ضرورة هذا الاختلاف النمطي، وإلى حتمية وجوده حتى يتمكّن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار وبالطريقة التي يهواها ويرتضيها .

وهكذا نلحَظ، أن الغاية من اختلاف الناس إلى شعوب وقبائل وتنوعهم إلى ثقافات ومَدَنيات إنما هو التعارف لا التَّناكر، والتعايش لا الاقتِتَال، والتعاون لا التَّطاحن، والتكامل لا التعارض، وبات واضحاً أن أهمية التسامح الديني تتمثّل في كونه ضرورياً ضرورة الوجود نفسه.

ـ قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي الاحترام المتبادل .

أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يُقرّ الاختلاف ويقبل التنوّع ويعترف بالتغاير ويحترم ما يميز الأفراد من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية، ويقدر ما يختص به كل شعب من مكونات ثقافية امتزج فيها قديم ماضيه بجديد حاضره ورؤية مستقبله، هي سبب وجوده وسرّ بقائه وعنوان هويته ومَبعث اعتزازه .

ـ قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي المساواة بالحقوق :

من الواضح أن قيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه يقتضي التسليم المطلق – اعتقادا وسلوكاً وممارسة – بأنه إذا كان لهؤلاء وجود فلأولئك وجود، وإذا كان لهؤلاء دين له حُرمته فلأولئك دين له الحُرمة نفسها، وإذا كان لهؤلاء خُصوصية ثقافية لا ترضى الانتهاك فلأولئك خُصوصية ثقافية لا تقبل الـمَسّ أبداً .

ـ أقيمة التسامح الديني تتمثّل في كونه داعما لإقامة مجتمع مَدني ؟:

من الواضح أن التسامح الديني يُعدّ أرضية أساسية لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعده، فالتعدّدية والديموقراطية وحرية المعتقد وقبول الاختلاف في الرأي والفكر وثقافة الإنسان وتقدير المواثيق الوطنية واحترام سيادة القانون، خيارات استراتيجية وقيم إنسانية ناجزة لا تقبل التراجع ولا التفريط ولا المساومة، فالتسامح عامل فاعل في بناء المجتمع المدني، ومشجّع على تفعيل قواعده .

معطيات التسامح الاجتماعي والسياسي

قبل أن نبدأ بالحديث عن الأبعاد الاجتماعية لثقافة التسامح، لا بد لنا أن نوظف عقولنا وأفكارنا وعلومنا وبقلوب صافية ونقية، لفهم المعاني الحقيقية لهذه الثقافة وما يمكن أن تحققه في مجتمعاتنا العربية من  خيرٍ وحبٍ وسلامٍ ورفاهيةٍ  وتقدم .

فعلى الصعيد الاجتماعي تتجلى هذه الخصيصة الحضارية في محيطنا الاجتماعي في ماذا سنجني من التسامح وماذا سيمنحنا من مكتسبات ترتقي بنا إلى مصاف التحضر؟

فالتسامح الاجتماعي يحرص إلى تعزيز الأمور التي سوف أسوقها في بحثي هذا وهي :

ـ تعزيز الحرية :

     إن التسامح يفتح آفاقاً جديدة في فهم حقوق الآخرين وواجباتهم تجاه غيرهم وعدم فرض قيود على الآخرين ما يتيح تحول الأفراد والمجموعات لمزيد من التمدن ويؤصل من قيمة الحرية .

     إن الحد من سلطة السلطة والقوة لدى الفرد والتفكير بطريقة متعايشة ومحبة للآخرين يدعو لمزيد من تشذيب سلوكياتنا وتقنينها نحو الحقوق والواجبات التي تؤطر حياتنا .

    فالسلطة المتسامحة حينما تترك للشعب أن يكون مسؤولاً لما سيختاره لنفسه، فإنها في واقع الأمر ستساهم في دفع الأفراد للحد من سلطتهم تجاه غيرهم وسنجد أنفسنا في أحضان دولة مدنية يحكمها القانون ويسودها التبادل المنفعي مما يؤدي إلى تعزيز العدالة بشكل كبير .

  بل إن التسامح سيساهم بجدية في تكريس الأطر الديمقراطية، ذلك أن جزءاً كبيراً من مفهوم الديمقراطية يرتبط بالمشاعر الشخصية فاحترام الأغلبية لرأي الأقلية يتطلب روحية معنوية خاصة تتقبل احترام الأقلية وترتضي عن طيب خاطر ممارسة الأقلية حقوقها المشروعة وشعائرها .

ـ تحقيق العدالة :

إن كل شخص لديه الحق في التسامح المساوي لحقوق الآخرين، فلا نستطيع أن نقول أن التسامح يقتصر على آرائنا وأعمالنا وسلوكياتنا ولا يحق لآراء وأعمال الآخرين التمتع به .

إن ذلك سيكرس مفهوماً تكاملياً جديداً للعدالة في المجتمع ويضيف أبعاداً أكثر أهمية من خلال المناصفة وتوزع الحقوق على الجميع بشكل عادل ومساوٍي .

ـ التسامح الاجتماعي مجال خصب لصناعة الأفكار :

يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرفق رأس الحكمة ).

 أن التسامح يدعو لفهم الأفكار واستيعابها ويعمل على استحواذ انتباهنا لخلفيات كافة الأفكار المحيطة بنا وخاصة أفكار الآخرين المنافسين أو الأنداد، وإن كانت وجهة نظرنا تبدو غريبة وكريهة وغير منطقية .

ففي الوقت الذي تطالب وبإلحاح الاهتمام الجدي بما تقوله وتطرحه من أفكار ومعتقدات فأنت مطالب أيضاً بالاستماع والانتباه لما يقوله الآخرون .

وفي ذلك يقول مفكر .. (أنا لا أؤمن بكل ما تريد أن تقول ولكنني سأدافع حتى الموت في حقك أن تقول ما تريد ).

إن التبادل الأخلاقي مع الآخرين وفكرهم ينطوي على صناعة وتأصيل الوعي المتزايد ويشكل خلفية ثقافية ناهضة تقبل على قراءة وتفحص ما يتبناه الآخر المختلف كما يتفحص الآخرون فكرنا، مما يثري الساحة ويحدث موجة من التلاقح الفكري والحيوي والثقافي .

والتسامح كذلك يؤسس قاعدة تغيير أفكار الآخرين على أسس عقلانية وهو بحد ذاته جهد ثقافي وفكري جبار مما يلزم إحداث تجديد فكري وثقافي في الأمة يتناسب وعقلانية قادرة على مجاراة النهوض الفكري المنتشر، خصوصاً وما يحدث اليوم على الساحة العالمية من نظرتها تجاه الإسلام هذه النظرة التي البسها بعض المتطرفين ليظهروا للعالم أن الإسلام لا يحمل مثل هذه الخصيصة الإنسانية، فعن طريق التسامح يكون  العمل على صياغة آليات عمل مناسبة لصهر الجميع في بوتقة المجتمع والدولة وعدم إتاحة الفرصة لتغلغل مشاعر الفرقة والشتات والضياع .

:  ـ نقد الذات

يفعل التسامح فعل السحر في ممارسة النقد الذاتي، إذ أنه يلح على رواده توجيه التفكير نحو الحقيقة والوصول إلى جوهر الفكرة وأصالتها، لا التفكير بنزعات النفس والهوى الملازم للفكرة، ولنا أن نتصور كيف يمكن أن يحافظ المتسامحون على الروح النقدية من كافة المعضلات والمشاكل والأحداث التي تحيق بهم إذا امتلكوا روحاً شفافة تبحث عن الحقيقة وتؤثر من ذاتها لأجل نصرة الحق .

ولنا في ذلك ضرب في الأمثال متمثل في أئمتنا عليهم السلام وما حدث مع الإمام الباقر عليه السلام هو خير مصداق لكلامنا، فيذكر أن رجلاً مرّ على الإمام الباقر عليه السلام فقال له: السلام عليك يا بقرة !

فقال الإمام عليه السلام: أنا الباقر .

فقال له الرجل: يبن الطباخة !

فقال له الإمام عليه السلام: هو دأبها .

فقال الرجل: يبن بذيئة اللسان !

فقال الإمام عليه السلام: إن كانت كذلك غفر الله لها وان كنت كذلك غفر الله لك .

فقال الرجل الله يعلم أين يضع سره .

وهذا يوضح ما لممارسة نقد الذات والأفكار والأطروحات من تشكيله لقاعدة جوهرية في إدراك رفيع لتلك الأفكار والمضامين بعيداً عن التشنج والتعالي .

 ولو أمعن رواد الحركة الإسلامية في التسامح وابتعدوا عن عقلية الاحتكار والتفرد والوصاية على عقول وتفكير الآخرين لوجدوا أنفسهم في حضن النهضة الثقافية حيث تزدهر تطلعاتهم وتنهض لديهم أفكار مبدعة، لكن النظرة الفوقية دائماً لا تتيح التمتع بمميزات وآراء ذلك الأدنى خاصة إذا اصطبغت أفكار وآراء ذلك الأدنى بلون الكفر .

توصيات عامة للوصول إلى التسامح :

لأجل الوصول إلى التسامح الشامل في مجالات الحياة السياسية

أو الاجتماعية أو حتى العقدية منها (الدينية)  لا بدّ علينا من أن نهتم بالأمور الآتية :

ـ العمل على تأصيل مبدأ التسامح، لا التأصيل النابع من ناحية المفهوم وأولوية السبق المصطلحي بين الشرق والغرب، لأننا لسنا في صدد إثبات أقدمية التسامح في الإسلام، إنما من أجل إبعاد الحساسية التي أبداها بعض مفكري عصر النهضة من غربة الفكرة واستيرادها .

   ولأجل ذلك نحن مدعون إلى تجسيد ثمة معطيات رئيسية في التعامل والتكامل مع الآخرين عن طريق :

 - الإصغاء للآخرين أياً كانوا بدافع التعلم منهم لا احترامهم فحسب، خاصة خصومنا وأند أدنا ونعني بالإصغاء ملاحقة وملاحظة قيمهم وفكرهم وطرق تفكيرهم والأسس الفكرية التي انطلقوا منها في تدعيم رأيهم وفكرهم ومنطقهم .

- المطالبة بتوفير الأجواء المناسبة للتسامح وأهمها جعل القيمة ذات مضمون حياتي في مختلف مشارب تعاملاتنا، وأولها تأصيلها في الأسرة الصغيرة وتشذيب سلوكياتنا بمزيد من التسامح والاتساع في ذلك ليشمل كل أبعاد الحياة .

 -الكف عن ممارسة السلطة أو استخدام القوة في التدخل بآراء الآخرين وأعمالهم ونشاطهم وأساليب تحركهم وطرق تفكيرهم، نعم بإمكاننا التنبيه على المز الق التي يقعون بها أو كشف من يخل بالالتزامات الأخلاقية للتسامح أو يتجاوز قواعدها الأساسية بطريقة مشينة، ولكن لا يحق لنا أن نتدخل بآرائهم وأعمالهم وإن كنا لا نوافق عليها عقيدياً أو فكرياً أو أخلاقياً

ـ التأكيد على حق الاختلاف بين البشر فالاختلاف آية بينة، وإن كان لا يلغى الائتلاف، فالتسامح لم يرد في الشريعة الإسلامية إلا أنه يشير إلى إحدى خصائص المجتمع المسلم، كما جاءت الشريعة بما يقاربه أو يدل على معناه، فقد دعا القرآن الكريم إلى التقوى والتشاور والتآزر والتواصي والتراحم والتعارف، وكلها من صفات التسامح .

ـ المطالبة بتكريس التسامح في الحياة السياسية ففي ظل التعدد في التركيبة المجتمعية الموجودة في مجتمعانا ، فإنه لا بد من تقبل قيام أي أقلية أو طائفة أو تنظيم سياسي أو ديني تشكيل حزب سياسي يمثله والقيام بالترويج لأفكاره وإن كان مناهضاً لأطروحاتنا، فليس لنا الحق بادعاء إمتلاك الحقيقة السياسية ومصادرة رأي الآخرين .

ـ نهوض الثقافة المدنية القائمة على فلسفة تأصيل طرائق التعددية وبناء مفهوم جديد للمواطنة يقوم على إحترام الحريات والحقوق الممنوحة للفرد والتداول السلمي للسلطة ورفض أشكال الاستبداد والدكتاتورية كافة في مختلف مناحي الحياة وهذا يتطلب سعياً حثيثاً نحو تغيير كل مؤسسات الدولة وطرقها عن طريق القضاء على الفساد الموجود في مؤسسات الدولة المختلفة، كما ويسعى إلى تأصيل مبادئ حقوق الإنسان، والعمل على إزاحة معالم الدولة العسكرية و(عسكرة الشعوب) والمركزية المطلقة في الحكم .

ـ ومما تقدم يتضح لنا بجلاء إلى أي مدى يعتبر التسامح الإيجابي  بوصفه تسامحاً شاملاً أو تسامحاً دينياً- من العناصر الأساسية في تعاليم الإسلام، وبالتالي من الأهداف التي ترمي إليها التربية الإسلامية .

ومن هنا فإن التزام المسلمين بذلك وحمايتهم لحقوق الانسان والجماعات المتنوعة وأتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون في المجتمعات الإسلامية أمر يدخل في إطار التزاماتهم الدينية التي تقضي بالحفاظ والدفاع عن الحقوق الإنسانية العامة للجميع ..

ولما كانت الأخلاق تتجلى رقة وحنانا واستيعابا للآخرين، فإننا نلاحظ أن الله تعالى يذكر نبيه بالقاعدة الذهبية التي جعلته داعية ناجحا ومقبولا، ويؤكد له أن حيازته على هذه السجية إنما هي بفضل الله وتوفيقه.(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)..(سورة آل عمران، الآية 159).وفي هذا الجو المفعم بالأخلاق وطيب القلب والعفو، نحدد علاقتنا بالأشياء والأشخاص، لتكون بأجمعها مشدودة إلى هذه القيم النبيلة، وسائدة في هذا الاتجاه. فالأصل في العلاقة بين بني الإنسان بصرف النظر عن منابتهم الأيدلوجية والفكرية، هو الرحمة والإحسان والبر والقسط وتجنب الإيذاء ..

 

فالتسامح وفق المنظور الإسلامي، فضيلة أخلاقية، وضرورة مجتمعية، وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هو: ما هي الجذور المعرفية والفكرية لمفهوم وبعد ما عرفنا بأن التسامح هو أصله من الإسلام وبما جاء به حبيب رب العالمين ..يجب علينا أن نعيد هذا ونجدد العهد ونعلنا للجميع بأن المسامح كريم وهو نهجنا والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.

المحب المربي


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سيد صباح بهباني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/31



كتابة تعليق لموضوع : التسامح هو اقصر طريق إلى الله الحلقة الثالثة والأخيرة...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net