الرد العقلاني على القائل أن نعل النبي شرف لعلي والحسن والحسين
د . حامد العطية
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حامد العطية

اكتب لا دفاعاً عن الشيعة، ولا انتقاصاً من السنة، وقد سأمت حتى القرف من الخطاب الطائفي، وهالني ما أدى إليه من سفك للدماء وتهجير وخراب، وما أنتجه من تعميق للخلاف والفرقة، فكل حزب فرح بما لديه، ولو انشغل كل فريق بإصلاح ذاته لكان خيراً للجميع.
لكني وجدت العقل مغيباً، والمنطق مفقوداً، والأهواء تتلاعب بالنفوس، فانبريت لكتابة هذا المقال وغيره.
ما اثار حفيظة عقلي ومنطقي فلم قصير، يطل من خلاله خطيب في المسجد الأقصى، هو الشيخ صلاح الدين بن إبراهيم، يعرض فيه بعض معتقداته، وفيما يلي رابط الفلم:
يرى الشيخ المقدسي تناقضاً صريحاً بين موقفي الحسن والحسين، فإن كان الحسن مصيباً في صلحه مع معاوية يكون الحسين مخطئاً في "خروجه" أو ثورته على يزيد بن معاوية، ولو كان الحسين على حق تنتفي شرعية صلح الحسن، وبالنتيجة تكون دعوى الشيعة بعصمتهما داحضة، وهو يعتقد بأن الحسن فقط كان مصيباً. والسهم الثاني الذي أطلقه الشيخ المقدسي تجاه عقائد الشيعة هو "أن نعل النبي شرف لعلي والحسن والحسين".
قبل تناول ما يراه الشيخ المقدسي تناقضاً جلياً بين موقفي الحسن والحسين كان الأجدر به استذكار آيات القرآن الكريم وبعض حقائق التاريخ، وفي القرآن الكريم مثال واضح على أن التناقض البين بين سلوكين قد لا يكون كافياً للحكم بصحة أحدهما فقط، بل من الممكن أيضاً أن كليهما صحيحان، فالمعروف أن ياسر وزوجته سمية أول شهيدين في الإسلام، قتلهما مشركو قريش لرفضهما الارتداد عن الإسلام وسب رسوله، أما إبنهما عمار فقد اضطر تحت وطأة التعذيب الوحشي للنزول عند رغبة جلاديه من المشركين، وكان سلوكه مناقضاً لموقف والديه، ونزلت في ذلك الآية الكريمة التالية: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [ النحل:106]، وهكذا يتبين بأن السلوكين المتناقضين تماماً لعمار ووالديه كليهما مرضيان وصائبان في المنظور العقائدي، الذي لا يمكن للشيخ المقدسي أو غيره إنكاره، كما فات الشيخ أو تجاهل أن صلح الحسن ورفض الحسين مبايعة يزيد بن معاوية حدثان وقعا في زمنين مختلفين وفي ظل معطيات وظروف مختلفة، وإذا كان القبول بحكم معاوية المشروط ضرورة حتمتها الظروف في زمن الحسن، فكذلك لم يكن أمام الحسين من خيار عقائدي سوى الامتناع عن بيعة الفاسق يزيد بن معاوية والمسير إلى الكوفة، وبعد خذلان أهل الكوفة ونكثهم لبيعته استشهد دفاعاً عن عقيدته وأهل بيته وأصحابه، فلا تناقض حقيقي بين موقفي الحسن والحسين.
قال وكرر الشيخ المقدسي بأن نعل النبي شرف لعلي والحسن والحسين، وهو رأي محير، إذ يصعب تصور الشرف المكتسب لنعل النبي، والنبي كما يخبرنا القرآن الكريم يمشي في الأسواق ويأكل الطعام، وقد تصيب نعليه قذارة، إذ تروي كتب أهل السنة أن الرسول خلع نعليه اثناء الصلاة ولما سأله أصحابه عن ذلك أجابهم بأن جبرائيل انبأه أن فيهما خبثاً فخلعهما، [ صحيح ابن خزيمة، كتاب الصلاة]، ويخبرنا القرآن الكريم بأن الله أمر النبي موسى بخلع نعليه لأنه في الوادي المقدس طوى، كما لا يجوز دخول الكعبة بنعلين، وهي كلها ادلة تنفي "الشرف" المكتسب للنعال التي يرتديها الأنبياء العظام.
لو سلمنا على سبيل الجدل بمقولة الشيخ بأن نعل النبي شرف لعلي والحسن والحسين نكون قد قبلنا بأن الشرف سرى من النبي إلى نعله، وبما أنه لم يشرح كيفية اكتساب النعل للشرف نفترض حدوث ذلك حتماً بالملامسة لقدمي النبي، وهذا يقودنا إلى استنتاج بأن كل ما اتصل بالنبي بالملامسة من جماد أو بالمصافحة من بشر اكتسب شرفاً، واستطراداً على هذا المنطق تكون أرض المدينة المنورة مشرفة لأن النبي مدفون فيها، وبما أن الأرض متصلة ببعضها فهل تكون كلها مكتسبة للشرف أيضاً؟ سؤال موجه للشيخ المقدسي وأتباعه، كما يستدل من اعتقاد الشيخ بأن الحسن والحسين أعظم الناس شرفاً وهما شرف لكل المسلمين، فقد روى البخاري ومسلم: " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " [البخاري رقم 3523، 3556، ومسلم برقم 2449] والحسن والحسين بضعتان من فاطمة ومن النبي أيضاً، فهل من العقل القول بسريان الشرف إلى نعل النبي كما يدعي الشيخ المقدسي فقط وامتناع ذلك عن بضعة النبي؟
كان الأجدر بالشيخ المقدسي صلاح الدين بن ابراهيم الترفع عن هذه المهاترات الطائفية المخجلة والمنافية لأبسط قواعد المنطق والعقلانية، ولو أطل يومها من أحد أبواب المسجد الأقصى، لشاهد بأم عينيه اليهود الصهاينة المغتصبين لأرض فلسطين، وهم يدنسون المسجد الأقصى، ويرقصون في باحاته، ولو صمت وأنصت جيداً لسمع أصوات آلات الحفر وهي تقوض قواعد أولى القبلتين وثالث الحرمين ( أو كما يصفه السلفيون القبلة "السابقة" وثالث المساجد التي يشد إليها الرحال) ولا يكاد يمر يوم إلا نسمع ونقرأ تحذيراً من اقتراب موعد هدمه وبناء المعبد اليهودي محله، وكان حرياً به بل واجباً شرعياً عليه أن يفرغ كل ما لديه من قوة لخلاص هذه المسجد من احتلال الصهاينة وجمع كلمة المسلمين حول ذلك بدلاً من تعميق هوة الخلافات الطائفية بينهم بكلام مناف للدين والعقل والمنطق.
(للإسلام غايتان عظمتان هما الإحياء والاصلاح، ووسيلة كبرى وهي التعلم)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat