صفحة الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني

طائفيات من أوراق كامل الجادرجي(2)
رائد عبد الحسين السوداني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
         نصل اليوم مع المرحوم كامل الجادرجي وأوراقه إلى رأيه في عدد من الساسة العراقيين وسنركز على شخصيتين شيعيتين لصلة الحديث بما تحدثنا عنه في الحلقة الأولى ،والشخصية الأولى التي سنتناولها بالحديث طبقا لما رواه كامل الجادرجي هو رئيس الوزراء والسياسي العراقي المعروف (صالح جبر) وبغض النظر عن موقفنا بهذا السياسي الموالي لبريطانيا والذي كان ينافس نوري السعيد في ولائه لها إلا إننا نتناول الموضوع من جانب آخر وهو نظرة الجادرجي الطائفية لسياسي علماني لكنه شيعي ينحدر من الناصرية وفي صفحة 66يعدد صفات صالح جبر بقوله "إن من أبرز صفات صالح جبر ذكاؤه واعتداده بنفسه وتحزبه القوي ونزاهته أثناء توليه المناصب القضائية الصغيرة ثم عند توليه المناصب الإدارية الكبيرة . 
وكان تحزبه القوي يستهدف طائفته الشيعية وأصدقاءه .كما برزت فيه هذه الصفة بمعاداته القوية لخصومه مما جعله من أصحاب الشخصيات القوية نوعما"
وفي الصفحة التالية أي صفحة 67يذكر "ربما يكون الانكليز قد اعتقدوا بأن صالح جبر قد يكون أكثر فائدة لهم من نوري السعيد لو إنهم هيأوا له الوسائل اللازمة " وما هي هذه الوسائل بنظر الجادرجي ، يذكرها هنا بقوله وبنفس الصفحة"لأن صالحا معروف كموظف إداري حازم – بالنسبة للغير- ولم يكن يزاحمه في كونه شيعيا غير سعد صالح ولكنه كان مؤيدا من قبل فئة كبيرة من الشيعة من الذين سبق وصفهم وممن كانوا يعتبرون خميرة للتزعم الطائفي بصورة اوسع إذا ما سلك صالح جبر سلوكا دقيقا في هذا الشأن" ويعني بالتعبير بالدقيق السلوك الطائفي والخوض فيه ،ثم يتحول في صفحة 68إلى ارتباط صالح جبر بإحدى بنات عداي الجريان قائلا "فبينما كان صالح جبر قبل هذا الزواج مضرب الأمثال في نزاهته كموظف إداري وإنه كان يحمل آراء شبه تقدمية أصبح بعد هذا الزواج من ذوي المطامح المادية "وإلى هنا هذا الكلام لا نستطيع أن نتأوله أو نحمله ما لا يحتمل أو يئول لو توقف عنده صاحبه لكننا لا نستطيع أيضا إلا أن نقف عند الكلام الذي نقرأه في الفقرة الأخرى التي يؤكد فيها إن صالح جبر أخذ يسند أقارب زوجته الإقطاعيين ومن ثم يسند الإقطاع نفسه و"إلى جانب تكوين حاشية من شباب الشيعة  المتعلمين من النوع الذي أعد نفسه لتصيد المناصب في الدولة باسم ضرورة تحقيق (العدل الاجتماعي) وهو تعبير خاص يقصد به رفع الحيف عن الشيعة "ونحيل القاريء إلى الحلقة الأولى التي ذكر فيها الجادرجي بأن الانكليز لم يجدوا من الشيعة مهيئا  لتولي منصبا في حكومة عبد الرحمن النقيب مما اضطرهم إلى تنصيب أمي وشبه أمي في مناصب حساسة وعندما تعلم شباب الشيعة ووجدوا أنفسهم مؤهلين للعب دورهم المهم في بناء البلد يصفهم الجادرجي بأنهم صيادي مناصب .والشيء الأكثر وضوحا إنه في هامش الصفحة ذاتها وتفسيرا لفقرته أعلاه يؤكد إنه هذا التفسير "لا يمكن أن ينطبق إلا على الأشخاص اللامبدأيين الذين تكون نزاهتهم عفوية غير مستندة على أسس مبدأية أو أخلاقية" والحقيقة أنا لا أعرف هناك نزاهة عفوية أو غير عفوية ولا أعرف بأن النزاهة تنقسم إلى قسم يستند على أسس مبدأية وأخلاقية وآخر لا يستند عليها إلا  في مفاهيم كامل الجادرجي ويطبقها على الشباب الشيعي الراغب في بناء بلده .ثم يصل إلى نتيجة مفادها "ولطبيعة صالح التحزبية أصبح عدد غير قليل من هذا النوع من طائفة المتعلمين الشيعة وعدد غير قليل من الإقطاعيين يسندونه على شرط الانتفاع منه انتفاعا ماديا وعلى شرط عدم إغضاب الإنكليز والبلاط نتيجة لانتسابهم إليه" ولماذا يغضب الانكليز ونحن نعرف إن (صالح جبر) هو المنافس القوي لولاء نوري السعيد لهم إلا إنه يريد أن يصل إلى نتيجة إنهم ينظرون إلى الإنكليز (أي الشباب الشيعي المتعلم) وكذلك الإقطاعيين بأنهم الرعاة ويجب عدم إغضابهم وإذا كنا لا نختلف مع الجادرجي في ذلك المفهوم حول الإقطاعيين لكننا نسأله كيف يجزم بذلك حول الشباب الشيعي ؟  وهنا يجيب الجادرجي بنفسه "ومهما حاول صالح جبر أن يثبت بمختلف الوسائل الظاهرية بأنه لا يشجع إعطاء صبغة معينة لهذا التكتل حوله فإن هذا لم يغير من عقيدة الناس في إن ذلك التكتل كان ذا صبغة طائفية" والصبغة الطائفية الشيعية كما وجدنا في الحلقة الأولى تتحرك بأصابع إنكليزية .أما موقف الجادرجي من حزب الأمة الاشتراكي بقيادة صالح جبر أعده بحق أغرب موقف وبنفس الوقت ظهرت رغبة الجادرجي في أن يكون ميدان السياسة لطيف واحد من الشعب العراقي وإلا هي الطائفية فيذكر في صفحة 73"وقد افترض (يقصد من قبل الانكليز والبلاط والفئة الحاكمة) إن حزب الاتحاد الدستوري لا يفي وحده بالغرض بالنظر لصبغته الرسمية البحتة وعدم وجود سند شعبي له فأريد أن يوجد حزب آخر موال للوضع القائم مع صبغه بصبغة طائفية لإيجاد سند جماهيري له" والصبغة الطائفية والسند الشعبي له هنا يقصد بها (الشيعة) الذين سيدخلون في هذا الحزب لأن زعيمهم (شيعي) وهو صالح جبر ،ويذكر في نفس الصفحة " وفي تلك الظروف الخاصة تكوّن حزب الأمة بزعامة صالح جبر ولكن تكوينه الظاهري كان يبعده عن الصبغة الطائفية كل البعد فاختير له نائب رئيس سني وأدخلت فيه عناصر سنية أخرى" والسؤال هل الذين دخلوا الحزب من السنة مغفلين أو غافلين عما يجري حولهم في الحزب أم هم غير مؤهلين للعب دور سياسي لما دخلوا كغطاء فقط لحزب (طائفي) بعيد عن أهدافه المعلنة وبعد ذلك يذكر المرحوم الجادرجي "إلا إن ذلك الحزب كانت له في الواقع لجنة إدارية معلنة ولجنة إدارية خفية تؤلف قيادة الحزب الحزب الحقيقية .
وقد كان ((الكامو فلاج)) هذا واضحا بدرجة زال معه الغرض منه وكشف الحزب للجمهور بصورة أوضح مما لو كان قد ألف من دون هذا الكامو فلاج .والسبب في ذلك كله أن حزب صالح جبر كان طائفيا بالمعنى المصلحي النفعي فضم النفعيين والانتهازيين غير المؤمنين بالطائفية بحد ذاتها وإنما كانوا يعتبرونها أداة للوصول إلى المنافع .وكان من ضمن هؤلاء النفعيين صالح جبر نفسه وجماعته الاستشارية التي كانت تكون قيادة الحزب.
وكان صالح جبر وهؤلاء الملتفون حوله يعلمون إن الطائفية ذات نفع لهم بالنسبة للمناصب التي ظلت بتشجيع الوضع القائم تقسم حسب الطوائف من جهة ويعلمون من جهة أخرى إن الانكليز على استعداد لسند الحزب إذا ما اصطبغ بالصبغة الطائفية .ولكنهم في نفس الوقت يعرفون إن الكشف عن طائفية الحزب يحطمه في أعين الجماهير وينفر منه المثقفين من كلا الجانبين ".
وفي أغرب تفسير لأهداف الحزب الذي أسسه صالح جبر ينم عن رغبة في إلغاء الآخر وإبعادهم عن ميدان السياسة فيتلاعب بالألفاظ حسبما يؤمن في دواخله دون دليل أوبينة ،فيذكر في صفحة 74إنه "وقد كان من نتيجة ذلك أن صيغت مباديء الحزب في منهجه صياغة خاصة أريد بها أن تعني غير المعاني اللفظية لها فالاشتراكية أو ما يشبه الاشتراكية مثلا كان يقصد بها مشاركة الشيعة في الحكم وفي المنافع وربما قصد بها إعطاء الشيعة حصة الأسد باعتبار إن الشيعة هم الأكثرية في البلد .وهذا هو ما أغرى الانتهازيين وأصحاب المصالح الكبيرة وكبار الاقطاعيين على الانضمام إلى الحزب وتكوين غالبية أعضائه" ثم يتساءل وبشكل مستغرب بقوله "ولكن ما أثار التساؤل هو ضم عنصر كردي إلى حزب صالح جبر بشكل يلفت النظر ومحاولة صالح جبر توسيع عضوية الحزب في المناطق الكردية" وكأن هذه الخطوة قد أغاضته ذلك إنه يريد أن يثبت طائفية الحزب ويريد أن يثبت إن الشيعة أو المتعلمين من الشيعة وبدفع انكليزي يتحركون سياسيا فلماذا ينضم كرديا لهذا الحزب .ويعود  كامل الجادرجي ليستدرك ويعزو أسباب دخول الكردي لحزب صالح جبر  إلى ما حدث في 1934أثناء  الحراك العشائري ضد حكومة علي جودة الأيوبي وتحالف الكرد مع الشيعة في تلك الأحداث وعقدهم الاجتماعات لأجل توحيد كلمتهم فيذكر في نفس الصفحة "وتمت دراسة الوضع بين المجتمعين وذكر إن الحكومة قادرة دائما على قمع كل ثورة عشائرية في الجنوب أو الشمال إذا كانت الثورة محلية معزولة أما إذا حصل اتفاق على قيام ثورات واسعة النطاق في الجنوب والشمال في آن واحد فإن الحكومة لن تكون قادرة بطبيعة الحال على قمعها وعندئذ يكون في إمكان الطرفين من الجنوب والشمال فرض إرادتها على الحكومة والحصول على امتيازات كبيرة .تلك المداولات وإن لم تثمر في حينها تركت أثرا مهما في نفسية الاقطاعيين والانتهازيين من الجهتين مما تطور إلى أن تكون نظرة الشيعة والأكراد إلى بعضها ليست نظرة شيعية أو عنصرية متعصبة مما أدى فيما بعد إلى ظهور فكرة المزج هذه في حزب صالح جبر " ومرة أخرى نجده يعرب عن عدم رضاه لحالة صحية تؤدي إلى بناء أمة تنبذ التعصب ذلك إن الشيعة يكونون طرفا رئيسيا مع الأكراد وليس غيرهم ،ثم يخلص إلى نتيجة أولى من هذا الاتحاد في حزب واحد بين الشيعة والأكراد بقوله في صفحة 75"وهكذا تكون حزب صالح جبر من الخميرة الانتهازية من متعلمي الشيعة ومن الإقطاعيين الذين لم يتمكنوا من الانخراط في حزب نوري السعيد ومن عدد من صغار البرجوازيين الذين اعتقدوا بإمكانية القفز من طبقتهم إلى الطبقة الحاكمة ومن جماعات حاقدة على الفئة الحاكمة ولكنها تخشى الانضمام إلى المعارضة الوطنية . 
ثم من الاقطاعيين الكرد الذين لم يجدوا لهم محلا في حزب نوري السعيد ،ومن عناصر متفرقة أخرى ".
أما النتيجة النهائية التي خلص إليها الجادرجي هي "ومهما حاول صالح جبر وأصحابه التستر على نواياهم الحقيقية ومهما لجأوا إلى المبالغة في الكومو فلاج (ويقصد به الغطاء) فإن نواياهم كانت مفضوحة حيث كان الطابع الحقيقي للحزب واضحا فقد كان حزبا سداه الطائفية ولحمته الانتهازية والاقطاعية ولونه لون العلم البريطاني " في حين إن سامي شوكة مؤسس حزب الإصلاح وهو سني المذهب ويعد أحد منظري الاتجاه القومي العربي في العراق وجد وجوب الاتحاد مع حزب الأمة الاشتركي الذي أسس بعد حزبه فقد تأسس حزب الإصلاح عام 1949وسامي شوكة في الهيئة المؤسسة ومن ثم أصبح رئيسه وحسبما جاء  في كتاب الأحزاب والجمعيات السياسية في القطر العراقي 1908- 1958لعبد الجبار حسن الجبوري ص 187"كان يهدف لاستقلال العراق وإصلاح الاوضاع الداخلية وتوثيق الروابط القومية بين العراق والاقطار العربية وتوسيع مجال التضامن السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري فيما بينها بحيث يؤدي ذلك إلى الوحدة العربية التي يعتبرها الحزب من أقدس أهدافه وفي نفس الكتاب ص197" فهل الأقطار العربية الأخرى فيها أغلبية سنة أم شيعة حتى يدعو إلى وحدتها صالح جبر والملتفين حوله في حزبه الذي "يدعو إلى توطيد كيان العراق الدولي وتعزيز استقلاله وتنظيم العلاقات بين العراق والدول العربية الأخرى على أساس اتحاد فدرالي على أن يشملها جميعا" وإذ لا ننكر روابط صالح جبر مع البريطانيين لكننا ننكر في نفس الوقت على المرحوم الجادرجي أن يلصق تهمة الرابطة مع الانكليز على متعلمي الشيعة لمجرد إنهم دخلوا ميدان السياسة وطالبوا بإصلاحات وكأنه يقول ونستخدم مفردة كأنه بسبب بناء مواقفه على الربما أو على نوايا القائمين على حزب الأمة الاشتراكي ،فكأنه يرفض دخولهم هذا المعترك لعدم وجود حق لهم فيه .وسنستعرض في الحلقة القادمة موقفه من شخصية شيعية أخرى . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رائد عبد الحسين السوداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/22



كتابة تعليق لموضوع : طائفيات من أوراق كامل الجادرجي(2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net