الإمام علي يعلمنا الولاية لله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

/ الحمد استتماماً للنعمة /
أدعوكم أيها الكرام إلى رحلة في كون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يعلمنا الولاية لله ..
وقود الرحلة هو فهم (الحمد) ليكون فكراً في العقل ، وثقافةً في التحرك والسلوك الشخصي والمجتمعي .. كيف نفهم الحمد فكراً ؟ كيف نعيشه طبيعة ثقافية راكزة في سليقتنا ؟ وهو ليس إلا كلمة واحدة (الحمد) .. كلمة ينطقها بعد الأكل اللسان ، ثم يقوم الإنسان ! أو مفردة ينطقها بقليل وعي بعد نعمة مباشرة يشعر بها ، وذهنه مشغول بهمومه الشخصية أو هموم العمل .. ثم ينهض لأعماله ، أو سائر واجباته ، أو لنفق غفلاته !!! كلمة قالها في ثانية أو ثانيتين من زمن عمره ، بقليل فهم ، وربما يقولها كل مرة وهو لا يبتسم للنعمة ، بل يكون مقطّب الجبين وهو ينطقها !!! وربما لا يرفع صوته بها أمام زوجته وأبنائه ، حتى يبقى محافظاً على سمته وصرامته !!!!
الإمام علي يعلمنا أن الحمد (حق الحمد) ليس هذا !
إذن ما هو ؟
يجيب بأنه حمد له القابلية على استدرار مزيد من النعم التي لا تُعدّ ولا تحصى .
كيف يكون ذلك ؟
يكون بأن نوهّج نُطقنا للحمد مع استشعار أنه حالة حبّ ممتدّ بين الحامد السعيد بالنعمة ، والمحمود الذي يحتضننا بالنعم ، ويسعدنا بها ..
فتنطلق كلمة الحمد لله من قلب يعيش معناها بحروف تقطر بماء الحب والانسعاد بهذا الاحتضان !! ربي يحتضنني بالنعم ، فأُحس بدفء العناق الذي يستدعي حمداً جديداً منّي !! حمداً منطوقاً ، منطوقاً .. حتى يعجز اللسان ، فيكون حمداً محسوساً أعيشه وميضاً في القلب ، وجوّاً من الرضا والسلام الداخلي .
هذا الحمد أعيشه بهذا المنوال (لأجل أنه) استتمام لنعمة الله ، كما يقول الإمام علي عليه السلام : " أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِه" ..
ما معنى (استتماماً لنعمته) ؟
يعني أنني لو لم أحمده على نعمته لما تمّ إحساسي بها ، ولما كمُل شعوري بها ..
ياللروعة !!
عند ذلك أكون سعيداً بالحمد أكثر من سعادتي بالنعمة !
يا سلام !
يا سلام الروح ! يا سلام العقل !! يا سلام الإحساس !!!
وإذ يعلم بي ربي أني سعيد بحمدي إياه أكثر من سعادتي بنعمته العظيمة ، عند ذلك سيحتضنني أكثر وأكثر بنعمه ..
وأستمر مكرّراً الحمد المغسول بماء حبي له ، فأشعر بأنه حمد يسعدني أكثر مما تسعدني هذه النعم العظيمة الجديدة ..
فيرد الله علي بأن يحتضنني أكثر وأكثر بالنعم ...
وهكذا يتضاعف الحمد المُسعِد ، بتضاعف الحبّ الناعم .. مما يستدعي أضعافاً مضاعفة من سعادة الاحتضان ..
أشعر بدفء عناق الله لي !!
إنه يعانقني لا جسداً لجسد .. حاشا ، بل يعانقني دِفْءَ نِعَم ٍ يمرّ على ماء الحب المتقاطر من قلبي ووعيي وروحي وأنا أقول (الحمد لله) ..
أي الحمد للحبيب الـمُسعد ، الحبيب الودود ، الحبيب الرحيم ، الحبيب المعين ، الحبيب المتحبّـِـب إلي بالنعم .. يتحبّب إلي ، ويؤنسني ، ويباركني ، ويرضى عني ...
هذه الكلمات نأخذها بهدوء ، لنخرج بها من عالم الحروف والجمل ، إلى عالم الفكر ، وإلى عالم الثقافة ، وإلى ساحات العمل .. فأعيش فكر الحامدين ، الذي هو ماء الحب الراشح من فيض النعم الإلهية ، وكلما زاد رشح ماء الحب ، زاد دفء احتضان الرب .. احتضانه لنا بالنِعَم .. فنحمده استتماماً لنِعَمه .
إذا أصبحنا نعيش هذا الفكر ، فلنبدأ بتصحيح كل مُتبنياتنا الفكرية على طبق هذه الرؤية الفكرية الجديدة ...
وكذلك نعيش ثقافة الحامدين .. كيف ؟
طالما أن الثقافة تعني أن يأخذ الإنسان من كل علم خطوطه العامة ، ويختص بمجال علمي محدد .. إذن ، فثقافة الحمد تعني أن نتعاطى مع كل فهم لأي علم من العلوم بذهنية المنشدّ إلى الله انشداداً راشحاً بماء الحب ونحن نعيش عطاء النِعَم الإلهية ، وبالمقابل فهذا الرشح السعيد ، يتصاعد معه دفء الاحتضان الإلهي ..
ثم انطلق في مجال تخصصي بهذه الذهنية أيضاً ، وبمثل هذه الروحية ...
إذا أصبحنا نعيش هذه الثقافة ، فسيختلف تعاطينا مع كل مَن حولنا من أفراد ، ومع كل ما حولنا من موجودات .. فنصبح مشعّين بالضوء ، دافئين بالنور ، ناعمين بسعادة احتضان الرب لنا .. فنغدق على من حولنا وما حولنا بهذه السعادة ..
أي نحتضنهم بأرقى الأخلاق (الحُبّية) ، التي تتألق وهي تُسقى بماء الحب الراشح ، وتنمو بدفء الاحتضان السعيد .
هذا فيما يخص قول الإمام علي عليه السلام : " أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِه" ، أما قوله : "وَاسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِه" فهذا أخصص له المقال القادم إذا شاء ربّ الوجود والتوفيق ، فإلى الملتقى في الحلقة التالية يوم غد إن شاء الله تبارك وتقدّس .. راجياً أن لا تنسوني من صالح دعواتكم . والسلام عليكم ورحمة الله ومحبّته وبركاته .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat