المراثي الحسينية بين الحكم الشرعي والذوق الشخصي.
ابواحمد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ابواحمد الكعبي

يجب الفصل في هذه المسألة بين الحكم الشرعي، والذوق الشخصي.
الحكم الشرعي يكون ثابتا وواحدا، وهو ضرورة أن لا تشتمل هذه النتاجات السمعية على ما يعدّ عرفا غناءا، وأن لا يكون إنتاجها بوسيلة من وسائل آلات اللهو.
أما الذوق الشخصي فيمكن أن يكون متغيّرا، فقد ترى أنت أن الأساليب الجديدة أكثر مواءمة لك، فيما قد يرى آخر أن الأساليب القديمة أكثر مواءمة له. وضمن هذه الحد، يمكن القبول باختلاف أو تنوع الأذواق، ولو تم الالتزام بهذا المعيار لما كان ثمة اعتراض، إلا أن في بعض النتاجات الحالية جنوح فاحش عن هذا الحد الشرعي، إما باستخدام بعض آلات اللهو الموسيقية، وإما بنظم قصائد تتضمن كلمات وتعابير لا يجوز استعمالها في مقام مخاطبة المعصوم (عليه السلام) أو التعبير عنه، وإما بالإفراط في المعالجات الكمبيوترية للصوت بحيث لا يفرّق العرف بينه وبين الغناء، وإما بجعل الإنتاج في مستوى الإطراب الباعث على الرقص!
ومما زاد الطين بلة أن بعض اللاهثين وراء الشهرة، أو الساعين للتكسّب والربح المادي؛ قد دخلوا على الخط، فحلّت قيم السوق محلّ قيم الدين، ولم يعد مهما عند هؤلاء أن يبتدعوا "صرعات" في المراثي أو الأناشيد دون أدنى التفات إلى المعايير والموازين الشرعية، أو حفاظ على أصالة العزاء الحسيني، أو الإنشاد الديني. وبعضهم يستغل أية ثغرة أو يتشدّق بأي قول من فتاوى الفقهاء، فيتتبّع شواذها ليزيّن في عيون الناس ما يصنع ويبرئ نفسه من تهمة خرق أحكام الله تعالى! وهو لا يروم إلا التكسّب والتأكّل باسم أهل البيت (عليهم السلام) لا الأجر والثواب والعمل الصالح.
إن ما نراه اليوم هو خروج كثير من هذه النتاجات عن حد المعقول والمقبول، سواء بالنص المكتوب، أو اللحن المستعمَل، أو المعالجة الصوتية، أو إقحام آلات اللهو، أو تركيز الضوء على المُلقي أكثر من اللازم، والتصنّع الزائد عن الحد في حركاته وسكناته وصوره حتى يخيّل للوهلة الأولى أنه مطرب وليس برادود!
إن السكوت عن هذا الإنحراف وعدم مواجهته اليوم، ستكون له مضاعفات خطرة في المستقبل، ولسنا نريد للشيعة الأبرار أن يؤول مآلهم إلى ما آلت إليه بعض فرق التصوّف حيث يُعبد الله بالرقص والغناء! أو كما يفعل النصارى وأشباههم!
إن مما قد أفتى به السابقون واللاحقون من فقهائنا العظام حرمة قراءة كتاب الله تعالى بصوت فيه مد زائد يشبه ما يصنعه المغنون (راجع مثلا ما ذكره العلامة في نهاية الأحكام ج1 ص476) فكيف بما نسمعه اليوم في هذا الكم الهائل من النتاجات السمعية؟!
نعم، يمكن القبول كما أسلفنا باستخدام الوسائل والمعالجات الكمبيوترية المتطورة في تحسين الأصوات، ومزجها، وترقية طبقاتها، وإضافة أرضيات صوتية أو ما أشبه، من غير إفراط فاحش، أو بغي ومبالغة تؤدي إلى تشويه النتاج وتلويث نقاوته الإيمانية.
أبعدنا الله وإياكم عما يستجلب سخطه .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat