طائفيات من أوراق كامل الجادرجي(1)
رائد عبد الحسين السوداني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يعد كامل الجادرجي بنظر أغلبية السياسيين والمتابعين العراقيين بأنه (أبو الليبرالية) في العراق من خلال نشاطه السياسي والتي كان أبرزها تأسيسه للحزب الوطني الديمقراطي في عام 1946أو تدعوه صحيفة المدى وبقلم رفعة عبد الرزاق محمد بأنه زعيم الحركة الديمقراطية في العراق وهذا ما دأب عليه أكثر الكتاب والسياسيين إذ تصفه صفحة نيل وفرات .كوم بأنه "آمن بالديمقراطية عقيدة سياسية،ورأى فيها الوسيلة الأفضل .والضمانة الأكيدة لحل مشكلات البلاد كافة ،كما وآمن الجادرجي بقضايا العرب ووحدة مصيرهم دون تعصب ،أو تطرف " وغير هذا الكلام كثير تصف الرجل بنفس الأوصاف أعلاه .لكن لنرى من جانبنا كيف فكر السيد كامل الجادرجي وعالج المشكلة الطائفية في العراق من خلال كتاب (من أوراق كامل الجادرجي ) نشر دار الطليعة للطباعة في بيروت وقدم للكتاب السياسي المعروف نصير الجادرجي .
يبدأ المرحوم كامل الجادرجي حديثه الطائفية والشيعة بكتابه آنف الذكر في صفحة 63"كانت الدولة العثمانية تنظر نظرة خاصة إلى الطوائف التي تعتبرها أقليات ،ومن تلك الطوائف التي اعتبرت أقلية داخل الدولة العثمانية طائفة الشيعة.
وكان من سياسة الدولة العثمانية تحريم إسناد المناصب الحكومية لأفراد طائفة الشيعة على الأغلب ولاسيما بالنسبة للمناصب الخطيرة .كما كان من سياسة تلك الدولة الحيلولة دون وصول الشيعة إلى سلك ضباط الجيش .وكانت الدولة في الوقت نفسه تعرقل قبول أولاد الشيعة في المدارس الحكومية " وهذا كلام حق ومعروف لكن هنا يجب أن نستمر مع المرحوم كامل الجادرجي ليتبين لنا الهدف من هذا القول فيذكر في نفس الصفحة "وكان من نتيجة هذه السياسة أن انصرف الشيعة إلى الأعمال الحرة من تجارة وصناعة يدوية وأعمال أخرى ،كما كان من نتيجة تلك السياسة أيضا أن انكمش الشيعة على أنفسهم وانعزلوا عن الدولة حتى اعتبر التعليم الحكومي من ناحيتهم بدعة غير مستحبة بل ومكروهة وفي بعض الأحيان الحادا وكفرا وان التعليم الوحيد به – دينيا – هو التعليم القرآني والفقهي في مدارس المراكز الدينية الشيعية ولدى المعلمين الدينيين المتخرجين من مدرسة النجف الرئيسية" فإلام يريد الأستاذ الجادرجي أن يصل ،يجب علينا أن نستمر مرة أخرى كي نعرف مبتغاه من هذا الكلام فيستطرد ويقول في نفس الصفحة "وهذه النظرة إلى التعليم الحكومي وإن كانت قد تغيرت بعد الانقلاب العثماني عام 1908ففتحت طائفة الشيعة مدارس لأولادها تنهج نهج المدارس الحكومية غير إن ذلك لم يغير من جوهر القضية ،فقد كان عدد تلك المدارس محدودا وكفاءتها ضئيلة بالمقارنة مع المدارس الحكومية .كما إن الشيعة لم يغيروا نظرتهم تجاه جهاز الدولة إلا تغييرا محددا كما إن العثمانيين غيروا نظرتهم – بعد انقلاب 1908- نحو الطائفة المذكورة تغييرا جزئيا فقط ،ومن ثم فإن وضع الشيعة لم يطرأ عليه تبدل جوهري حتى زوال الحكم العثماني في الحرب العالمية الأولى " وقبل الدخول إلى هدف الجادرجي الجوهري من مقدمته هذه نتساءل ،إذا كان الشيعة باتوا يحرمون المدارس الحكومية التركية أو العثمانية في ذلك العهد فكيف لهم أن يفتحوا مدارس بنفس النهج الحكومي بعد انقلاب الاتحاد والترقي ومن المعروف إن لقضية الحلال والحرام في الدين لها أسس لا تزول بسرعة كما لا تؤسس بسرعة أيضا ،لكننا عندما نقرأ الفقرة التالية في صفحة 64سنصل حتما إلى بعض ما يبتغيه فيذكر"بالنظر لما ذكرت فإن الانكليز لم يجدوا عند احتلالهم العراق – ولاسيما العاصمة- بين الشيعة المتعلمين من يصلح لإدارة الشؤون المحلية وتمشية شؤون الإدارة ومعاونة الحكام السياسيين " ويذكر في فقرة أخرى "بدأت المشكلة تظهر في الواقع بعدما تكونت الحكومة الأهلية برئاسة الملك فيصل تحت الانتداب الانكليزي فقد ظهرت الحاجة آنذاك ماسة بصورة جلية إلى إيجاد موظفين إداريين وقضاة ووزراء من الشيعة .وقد أدخل الانكليز في روع الشيعة إن اعتبارهم أقلية أمر يخالف الحقيقة فإن هذه الطائفة تؤلف أكثرية الشعب العراقي العربي – بعد استثناء الأكراد – ولذلك فإن من حق أبنائها أن يشاركوا مشاركة فعلية في جميع نواحي الإدارة" وهنا لم يذكر لنا زعيم الحركة الديمقراطية في العراق كيف أدخل الانكليز في روع الشيعة مما يجري عليهم وهل إن الشيعة لو لم ينبههم الإنكليز لم ينتبهوا لإبعادهم عن الإدارة في البلد ،علما إنهم وإن ذكر عنهم بأنهم منعزلين ومنكمشين نتيجة السياسة العثمانية إلا أنهم أصحاب موقف سياسي متقدم ومتطور في ذلك الوقت من خلال قيادتهم لثورة العشرين والمطالبات التي قدموها عن شكل الحكم من خلال المذكرات التي رفعها قادة الثورة ،فهل يا ترى إن من يقود ثورة وبطلبات عن شكل حكم برلماني وملك دستوري سنة 1920تعجز هذه الطائفة عن العثور على كفاءة سياسية وإدارية تشارك في الحكم ،والسؤال الجوهري ما لذي كان يمثله عبد الرحمن النقيب من كفاءة إدارية وسياسية تقود البلد في ذلك الوقت سوى إنه نقيب أشراف بغداد ؟ وهذا السؤال تجيب عنه المس بيل صانعة عرش العراق في رسالة لذويها وهي في كتاب من جيرترود بيل لإليزابيث بيرغوين 1914- 1926أوراقها الشخصية وترجمة نمير عباس مظفر وفي صفحة 291إذ تذكر المس بيل "تعتبر مسألة الشيعة على الأرجح المشكلة الأكثر جسامة في هذا القطر " وفي صفحة 292تؤكد "إذا ما أردنا إقامة كيانات تعتبر بحق نظائر للمؤسسات التمثيلية ،فإننا سنجد أن العناصر الشيعية تشكل أغلبية الأعضاء فيها .ولهذا السبب بالذات لا يمكن إقامة ثلاث مناطق تتمتع جميعها بالحكم الذاتي .ولا بد من الاحتفاظ بمنطقة وتعتبر الموصل السنية لتشكل جزءا من دولة وادي الرافدين لغرض تعديل التوازن هذه الحجة برأيي من بين الحجج الرئيسة باتجاه منح بلاد مابين النهرين حكومة مسؤولة .وباعتبارنا أشخاصا خارجيين ،فإننا غير قادرين على التمييز بين أبناء الشيعة والسنة ،ولا بد من ترك هذا الجانب لهم لأنهم سيتمكنون بالنتيجة من تجاوزه ،تماما كما فعل الأتراك من قبلهم ،بطرق ملتوية معينة تعتبر في الوقت الحاضر السبيل الوحيد للتخلص من المشكلة .ولا بد للسلطة أن تكون بيد أبناء السنة ،على الرغم من كونهم أقل عددا ،لتفادي قيام دولة يديرها المجتهدون تعتبر شرا ما بعده شر" إذاً كيف أدخل الانكليز في روع الشيعة بأنهم مبعدون وهذا الخطاب من المس بيل يؤكد بأمر لا لبس فيه بأنهم يجب أن يبعدوا .وبالعودة إلى أوراق الجادرجي وفي صفحة 64إذ يذكر إن الملك فيصل كان مقتنعا بفكرة مشاركة الشيعة الفعلية في الإدارة ويصفه بأنه أصبح من المتعصبين لها "ولكن المشكلة التي جابهت فيصلا هي انعدام العناصر الكفؤة التي يمكن أن تتولى المناصب الحكومية بالنظر لابتعاد الشيعة عن جهاز الدولة في العهد العثماني وبعدهم عن التعليم الحديث اللازم لإدارة جهاز الدولة"وهنا يجب أن نلاحظ إن المرحوم الجادرجي يكرر دائما التعليم الحديث والإدارة في العهد العثماني وكأن الدولة العثمانية قد ملأت العراق بالمدارس الحديثة والأكاديميات التي تخرج الكفاءات الإدارية الناجحة في حين إن الكل يعرف إن الدولة العثمانية لم تعر هذا الجانب الاهتمام الكبير كما إن الإدارة في في العراق في عهدها كانت إدارة لا ترقى إلى النظم الحديثة آنذاك .ويذكر في صفحة 65" وقد عمل فيصل تعويضا لذلك على فتح مدارس عالية مثل مدرسة الحقوق والسماح لأكبر عدد ممكن من الشيعة ممن لا تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة لتلقي التعليم العالي في دخولها لكي تخرج على عجل أكبر عدد ممكن من أشباه المتعلمين لتلافي ذلك النقص .
وهذا التدبير مع إنه كان ضروريا في باديء الأمر .أثار طبقة الموظفين السنيين من بقايا العهد العثماني بدعوى إن الإنكليز والبلاط – بتأثير وزير البلاط الشيعي رستم حيدر- أخذوا يغمرون الدولة بموظفين غير أكفاء لأسباب طائفية صرفة .
وبالنسبة للوزارة فلم يكن هناك في بداية الحكم الأهلي من الوزراء الشيعة أكثر من واحد شبه أمي وأمي في نفس الوقت " فإذا كان الأمر كما يقول المرحوم الجادرجي فلم يصدر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء عام 1935ميثاق الشعب ويطلب فيه ويدافع عن مصالح الشيعة .وأما عن المسؤولين الشيعة الذين اشتركوا في الحكم وعلى الرغم من قلتهم لكن ماذا يقول عن السيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد رضا الشبيبي فهل يضعهم مع الأميين أم مع المتخلفين كما يبرزهم ساطع الحصري في مذكراته .
ثم يستمر المرحوم الجادرجي في خطته لجعل مطالب الشيعة أو تحركهم بأنه كان بدفع انكليزي فيذكر في نفس الصفحة ما نصه "وقد أثار هذا النقص الفظيع في إملاء الكراسي الوزارية حفيظة فئة معينة من الطائفة جعلوا يبثون الدعاوى المعادية في الأوساط التي كان دأبها تصيد المناصب" وقبل أن نستمر لابد لنا أن نسأل ما هي الدعاوى المعادية ومعادية لمن ؟ من خلال الكلام الذي نقلناه يتبين لنا إنه لا يقصد الانكليز الذين يصورهم بأنهم من يحرك الشيعة ،إذاً هناك طرف مقصود غيرهم ويريد أن يوصل فكرة إنهم السنة والدليل من خلال قوله في نفس الصفحة "إن جميع هذه الظروف وغيرها بتشجيع الانكليز وقد كان يجري بمختلف الأشكال – ومن أمثلة ذلك تحريض الشيعة على جعل الطائفية مثله الأعلى – كل ذلك كون طبقة من شباب الشيعة ممن تقلدوا مناصب إدارية وقضائية صغيرة وممن كانوا يشعرون إن المستقبل مضمون لهم لتسلم المناصب السياسية المهمة والمراكز الإدارية والقضائية الرفيعة إذا ما تبعوا طريقا معينا في سلوكهم السياسي" وسنواصل في الحلقة القادمة من يقصد فيهم الجادرجي أنهم اتجهوا هذا الاتجاه الطائفي وبدفع انكليزي .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
رائد عبد الحسين السوداني

يعد كامل الجادرجي بنظر أغلبية السياسيين والمتابعين العراقيين بأنه (أبو الليبرالية) في العراق من خلال نشاطه السياسي والتي كان أبرزها تأسيسه للحزب الوطني الديمقراطي في عام 1946أو تدعوه صحيفة المدى وبقلم رفعة عبد الرزاق محمد بأنه زعيم الحركة الديمقراطية في العراق وهذا ما دأب عليه أكثر الكتاب والسياسيين إذ تصفه صفحة نيل وفرات .كوم بأنه "آمن بالديمقراطية عقيدة سياسية،ورأى فيها الوسيلة الأفضل .والضمانة الأكيدة لحل مشكلات البلاد كافة ،كما وآمن الجادرجي بقضايا العرب ووحدة مصيرهم دون تعصب ،أو تطرف " وغير هذا الكلام كثير تصف الرجل بنفس الأوصاف أعلاه .لكن لنرى من جانبنا كيف فكر السيد كامل الجادرجي وعالج المشكلة الطائفية في العراق من خلال كتاب (من أوراق كامل الجادرجي ) نشر دار الطليعة للطباعة في بيروت وقدم للكتاب السياسي المعروف نصير الجادرجي .
يبدأ المرحوم كامل الجادرجي حديثه الطائفية والشيعة بكتابه آنف الذكر في صفحة 63"كانت الدولة العثمانية تنظر نظرة خاصة إلى الطوائف التي تعتبرها أقليات ،ومن تلك الطوائف التي اعتبرت أقلية داخل الدولة العثمانية طائفة الشيعة.
وكان من سياسة الدولة العثمانية تحريم إسناد المناصب الحكومية لأفراد طائفة الشيعة على الأغلب ولاسيما بالنسبة للمناصب الخطيرة .كما كان من سياسة تلك الدولة الحيلولة دون وصول الشيعة إلى سلك ضباط الجيش .وكانت الدولة في الوقت نفسه تعرقل قبول أولاد الشيعة في المدارس الحكومية " وهذا كلام حق ومعروف لكن هنا يجب أن نستمر مع المرحوم كامل الجادرجي ليتبين لنا الهدف من هذا القول فيذكر في نفس الصفحة "وكان من نتيجة هذه السياسة أن انصرف الشيعة إلى الأعمال الحرة من تجارة وصناعة يدوية وأعمال أخرى ،كما كان من نتيجة تلك السياسة أيضا أن انكمش الشيعة على أنفسهم وانعزلوا عن الدولة حتى اعتبر التعليم الحكومي من ناحيتهم بدعة غير مستحبة بل ومكروهة وفي بعض الأحيان الحادا وكفرا وان التعليم الوحيد به – دينيا – هو التعليم القرآني والفقهي في مدارس المراكز الدينية الشيعية ولدى المعلمين الدينيين المتخرجين من مدرسة النجف الرئيسية" فإلام يريد الأستاذ الجادرجي أن يصل ،يجب علينا أن نستمر مرة أخرى كي نعرف مبتغاه من هذا الكلام فيستطرد ويقول في نفس الصفحة "وهذه النظرة إلى التعليم الحكومي وإن كانت قد تغيرت بعد الانقلاب العثماني عام 1908ففتحت طائفة الشيعة مدارس لأولادها تنهج نهج المدارس الحكومية غير إن ذلك لم يغير من جوهر القضية ،فقد كان عدد تلك المدارس محدودا وكفاءتها ضئيلة بالمقارنة مع المدارس الحكومية .كما إن الشيعة لم يغيروا نظرتهم تجاه جهاز الدولة إلا تغييرا محددا كما إن العثمانيين غيروا نظرتهم – بعد انقلاب 1908- نحو الطائفة المذكورة تغييرا جزئيا فقط ،ومن ثم فإن وضع الشيعة لم يطرأ عليه تبدل جوهري حتى زوال الحكم العثماني في الحرب العالمية الأولى " وقبل الدخول إلى هدف الجادرجي الجوهري من مقدمته هذه نتساءل ،إذا كان الشيعة باتوا يحرمون المدارس الحكومية التركية أو العثمانية في ذلك العهد فكيف لهم أن يفتحوا مدارس بنفس النهج الحكومي بعد انقلاب الاتحاد والترقي ومن المعروف إن لقضية الحلال والحرام في الدين لها أسس لا تزول بسرعة كما لا تؤسس بسرعة أيضا ،لكننا عندما نقرأ الفقرة التالية في صفحة 64سنصل حتما إلى بعض ما يبتغيه فيذكر"بالنظر لما ذكرت فإن الانكليز لم يجدوا عند احتلالهم العراق – ولاسيما العاصمة- بين الشيعة المتعلمين من يصلح لإدارة الشؤون المحلية وتمشية شؤون الإدارة ومعاونة الحكام السياسيين " ويذكر في فقرة أخرى "بدأت المشكلة تظهر في الواقع بعدما تكونت الحكومة الأهلية برئاسة الملك فيصل تحت الانتداب الانكليزي فقد ظهرت الحاجة آنذاك ماسة بصورة جلية إلى إيجاد موظفين إداريين وقضاة ووزراء من الشيعة .وقد أدخل الانكليز في روع الشيعة إن اعتبارهم أقلية أمر يخالف الحقيقة فإن هذه الطائفة تؤلف أكثرية الشعب العراقي العربي – بعد استثناء الأكراد – ولذلك فإن من حق أبنائها أن يشاركوا مشاركة فعلية في جميع نواحي الإدارة" وهنا لم يذكر لنا زعيم الحركة الديمقراطية في العراق كيف أدخل الانكليز في روع الشيعة مما يجري عليهم وهل إن الشيعة لو لم ينبههم الإنكليز لم ينتبهوا لإبعادهم عن الإدارة في البلد ،علما إنهم وإن ذكر عنهم بأنهم منعزلين ومنكمشين نتيجة السياسة العثمانية إلا أنهم أصحاب موقف سياسي متقدم ومتطور في ذلك الوقت من خلال قيادتهم لثورة العشرين والمطالبات التي قدموها عن شكل الحكم من خلال المذكرات التي رفعها قادة الثورة ،فهل يا ترى إن من يقود ثورة وبطلبات عن شكل حكم برلماني وملك دستوري سنة 1920تعجز هذه الطائفة عن العثور على كفاءة سياسية وإدارية تشارك في الحكم ،والسؤال الجوهري ما لذي كان يمثله عبد الرحمن النقيب من كفاءة إدارية وسياسية تقود البلد في ذلك الوقت سوى إنه نقيب أشراف بغداد ؟ وهذا السؤال تجيب عنه المس بيل صانعة عرش العراق في رسالة لذويها وهي في كتاب من جيرترود بيل لإليزابيث بيرغوين 1914- 1926أوراقها الشخصية وترجمة نمير عباس مظفر وفي صفحة 291إذ تذكر المس بيل "تعتبر مسألة الشيعة على الأرجح المشكلة الأكثر جسامة في هذا القطر " وفي صفحة 292تؤكد "إذا ما أردنا إقامة كيانات تعتبر بحق نظائر للمؤسسات التمثيلية ،فإننا سنجد أن العناصر الشيعية تشكل أغلبية الأعضاء فيها .ولهذا السبب بالذات لا يمكن إقامة ثلاث مناطق تتمتع جميعها بالحكم الذاتي .ولا بد من الاحتفاظ بمنطقة وتعتبر الموصل السنية لتشكل جزءا من دولة وادي الرافدين لغرض تعديل التوازن هذه الحجة برأيي من بين الحجج الرئيسة باتجاه منح بلاد مابين النهرين حكومة مسؤولة .وباعتبارنا أشخاصا خارجيين ،فإننا غير قادرين على التمييز بين أبناء الشيعة والسنة ،ولا بد من ترك هذا الجانب لهم لأنهم سيتمكنون بالنتيجة من تجاوزه ،تماما كما فعل الأتراك من قبلهم ،بطرق ملتوية معينة تعتبر في الوقت الحاضر السبيل الوحيد للتخلص من المشكلة .ولا بد للسلطة أن تكون بيد أبناء السنة ،على الرغم من كونهم أقل عددا ،لتفادي قيام دولة يديرها المجتهدون تعتبر شرا ما بعده شر" إذاً كيف أدخل الانكليز في روع الشيعة بأنهم مبعدون وهذا الخطاب من المس بيل يؤكد بأمر لا لبس فيه بأنهم يجب أن يبعدوا .وبالعودة إلى أوراق الجادرجي وفي صفحة 64إذ يذكر إن الملك فيصل كان مقتنعا بفكرة مشاركة الشيعة الفعلية في الإدارة ويصفه بأنه أصبح من المتعصبين لها "ولكن المشكلة التي جابهت فيصلا هي انعدام العناصر الكفؤة التي يمكن أن تتولى المناصب الحكومية بالنظر لابتعاد الشيعة عن جهاز الدولة في العهد العثماني وبعدهم عن التعليم الحديث اللازم لإدارة جهاز الدولة"وهنا يجب أن نلاحظ إن المرحوم الجادرجي يكرر دائما التعليم الحديث والإدارة في العهد العثماني وكأن الدولة العثمانية قد ملأت العراق بالمدارس الحديثة والأكاديميات التي تخرج الكفاءات الإدارية الناجحة في حين إن الكل يعرف إن الدولة العثمانية لم تعر هذا الجانب الاهتمام الكبير كما إن الإدارة في في العراق في عهدها كانت إدارة لا ترقى إلى النظم الحديثة آنذاك .ويذكر في صفحة 65" وقد عمل فيصل تعويضا لذلك على فتح مدارس عالية مثل مدرسة الحقوق والسماح لأكبر عدد ممكن من الشيعة ممن لا تتوفر فيهم الكفاءة اللازمة لتلقي التعليم العالي في دخولها لكي تخرج على عجل أكبر عدد ممكن من أشباه المتعلمين لتلافي ذلك النقص .
وهذا التدبير مع إنه كان ضروريا في باديء الأمر .أثار طبقة الموظفين السنيين من بقايا العهد العثماني بدعوى إن الإنكليز والبلاط – بتأثير وزير البلاط الشيعي رستم حيدر- أخذوا يغمرون الدولة بموظفين غير أكفاء لأسباب طائفية صرفة .
وبالنسبة للوزارة فلم يكن هناك في بداية الحكم الأهلي من الوزراء الشيعة أكثر من واحد شبه أمي وأمي في نفس الوقت " فإذا كان الأمر كما يقول المرحوم الجادرجي فلم يصدر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء عام 1935ميثاق الشعب ويطلب فيه ويدافع عن مصالح الشيعة .وأما عن المسؤولين الشيعة الذين اشتركوا في الحكم وعلى الرغم من قلتهم لكن ماذا يقول عن السيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد رضا الشبيبي فهل يضعهم مع الأميين أم مع المتخلفين كما يبرزهم ساطع الحصري في مذكراته .
ثم يستمر المرحوم الجادرجي في خطته لجعل مطالب الشيعة أو تحركهم بأنه كان بدفع انكليزي فيذكر في نفس الصفحة ما نصه "وقد أثار هذا النقص الفظيع في إملاء الكراسي الوزارية حفيظة فئة معينة من الطائفة جعلوا يبثون الدعاوى المعادية في الأوساط التي كان دأبها تصيد المناصب" وقبل أن نستمر لابد لنا أن نسأل ما هي الدعاوى المعادية ومعادية لمن ؟ من خلال الكلام الذي نقلناه يتبين لنا إنه لا يقصد الانكليز الذين يصورهم بأنهم من يحرك الشيعة ،إذاً هناك طرف مقصود غيرهم ويريد أن يوصل فكرة إنهم السنة والدليل من خلال قوله في نفس الصفحة "إن جميع هذه الظروف وغيرها بتشجيع الانكليز وقد كان يجري بمختلف الأشكال – ومن أمثلة ذلك تحريض الشيعة على جعل الطائفية مثله الأعلى – كل ذلك كون طبقة من شباب الشيعة ممن تقلدوا مناصب إدارية وقضائية صغيرة وممن كانوا يشعرون إن المستقبل مضمون لهم لتسلم المناصب السياسية المهمة والمراكز الإدارية والقضائية الرفيعة إذا ما تبعوا طريقا معينا في سلوكهم السياسي" وسنواصل في الحلقة القادمة من يقصد فيهم الجادرجي أنهم اتجهوا هذا الاتجاه الطائفي وبدفع انكليزي .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat