صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

شعرية القصيدة الحسينية
علي حسين الخباز


تعتبر القصيدة الحسينية من أكثر الأنواع التدوينية التي تحتاج الى اساليب فنية، توازي هذا الشيوع التاريخي، والحدث المعلوم عند الناس بجميع حيثياته توازنا من المعروض التعاقبي لقرون، وتنوع هذه التقنيات والاساليب والبنى الفنية محاولة لتماهي القصيدة الحسينية مع تلك التجارب العظيمة التي سبقتنا، وتركت تراثا مؤثرا على تجارب اغلب الشعراء ان لم نقل جميعهم ومن لم يسمح له عمره من التأثر المباشر فيتأثر تأثرا غير مباشر عبر حلقة وصل اي وسيط فني والشاعر (فارس الوائلي) استقى هذا التأثر وشغف الانتماء من عائلة شعرية تتكون من الأب الشاعر الحسيني محمد غالي الوائلي وكذلك لفارس اخويين شاعرين هما الشاعر عبد الامير ـ وكريم الوائلي.
ومن الطبيعي ان يشكل هذا التأثير البيئي قوة مضافة الى التأثر العائلي مكونا هياما ينصهر في الذات حتى يصل الامر الى ان يصاغ عبر رؤيا تطل عليه في المنام تلهمه القصيدة، ليكتب اول قصيدة حسينية عام 1998م مسبوقة بتجربة الوجداني والمعروف ان الاشتغالات الشعرية في الشعر المنبري تعتمد على المرتكز الشعوري لبناء القاعدة الجمالية والمشاركة الوجدانية لها مرتكزان اولها الاساس التاريخي لجرح الواقعة المؤثر، وثانيهما الابعاد النصية المتمثلة بالاساليب المتنوعة أي فضاءات النص والتي ترتكز في المنبر الحسيني على القيمة السردية... فقد حاول الشاعر الوائلي فتح هذا الفضاء على سمة التكوين الشعري:
(نشر ليل اهدعش جنحه *** على طف كربله وعسعس
وجمرات الخيم نجمات *** ابظلام أحزانه تتنفس)
روافد متعددة لكل مقطع من هذه المقاطع له اسلوب اشتغال خاص به ليصب في المصب الرئيسي مكونا سقفا تعبيريا مشيدا على ابعاد متحركة من مجازات وانزياحات ورديات شعرية مرنة ذات سلاسة موضوعية... كان المتكلم لرمز يكثف من خلالها الدلالات المؤثرة:
(آنه أم الخدر زينب *** الماشافت خيالي العين)
وللبحث عن مسوغات فنية تكون فاعلة تدفع الموضوعية نحو صلب الجذر التكويني ـ والذي يتمثل في المسعى الرسالي لشخصية الرسول ص:
(يجدي وبظلام الليل *** أدور وين أخوية حسين)
عملية استرسال مرنة تشكل بؤرا شعرية تذهب الى ابعد من تأثيثها الذهني مثلا نقرأ:
( فج گبر المدينة وگوم... يجدي وانتفض منه)
نلاحظ شيئا من دقة العملية التدوينية والتي ربما تكون خلف قصدية الشاعر؛ هناك مفردتان رسمتا في هذا البيت الشعري (قبر) و (انتفض) والمفردتان بطبيعة الحال يشكلان تضادا واضحا فيه الكثير من التنافر فعندما يتم جمعهما في بيت واحد يكون المعنى المؤول اقرب من المعنى المباشر (هم شاؤوا ان يكون مثواك قبرا) لكن قضية الحسين ع تستحق رفض السكوت، والوثوب النهوض بمعنى التعامل مع الرسول الكريم تعاملا حيا، ومثل هذه الشعرية ستختصر الكثير من التفاصيل لتضخ فيها روح التوهج الشعوري المؤثر كالحلمية والتمني:
(عسه أبن أمي بعد بي روح *** ويجود بچلمة الخوه
واگولن هوه كل ما شوف *** جسد لاچنه مو هوه)
نجد ان تنوع الخطاب باشتغالات خبرية وسردية تستحضر رمز الامومة المقدس الزهراء عليها افضل السلام:
(أشم عطر الزچية *** يفوح منه بساحة المصرع)
ومن ثم الاعتماد على المخاطب المباشر، وكذلك نجد ان شعرية الملمع نوعت الجرس الصوتي وغيرت من نمطية الاسترسال... ونتيجة نصل اليها كخلاصة تشخيص تأملي بأن الشاعر الوائلي استطاع امتلاك خصوبة مهارية مكنته من تدوين صيغ شعورية تمد السردية باستجلاءات شعرية تلج عمق البناء الشعوري:
(يگله الوالد من يموت *** ولده واخوته تحضره
ويحط خده على خد الگاع *** دفانه ويتم امره
وانت بلا دفن ظليت *** ثلث تيام عالغبره)
ونجد عمق البناء الفكري في حواريات مؤثرة جدا، ومنها الحوار بين النحر القطيع وزين العابدين عليه السلام، ونحن ندرك كم يمتلك مثل هذا الموضوع من مؤولات عقائدية وفكرية وفيها الكثير من الخروقات الطبيعية خرق الناموس الاعتيادي يفك قيد الاسر ليرد المدفن دون علم هذا الحرس والحديد.. ثم نتأمل قوة تكرار اللازمة شعوريا في قصيدة (يا ناعي) وتضخيم الجرس الصوتي ويساعد في ربط اجزاء القصيدة وتماسكها مع ما يتحقق من قيم الانزياح:
(يا ناعي طوح بالالم *** شوف شجرة بدار الكرم
تلگه الحلم مرمي بسهم *** وسلمت روح الغانمه)
فنجد من خلال المرتكزات الشعرية ان شاعرنا الوائلي عرف ان سرديات الفاجعة حين تقدم بإطار شعري سيكون اكثر امكانية لاستقراء القصائد وزخ الشعوري كتقنية من تقنيات التوصيل.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/17



كتابة تعليق لموضوع : شعرية القصيدة الحسينية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net