في مدينتي.. يعانق سَعَف النخيل تكسّر الامواج الهادئة لشط العرب، يغازل السياب شناشيل بنت الجلبي، تقف منارة جامع الخطوة سدا للريح القادمة من الصحراء، تستنشق جزيرة السندباد تنفس الصباح، يعزف (البَلم) ايقاعات شبكة صياد؛ لترقص اسماك (الصبور) رقصة (الهيوه) بين يديه، وحينما يفتح العشار ابوابه تتوزع على جوانبه (بسطيات) الفقراء من اجل لقمة عيش.
في مدينتي.. تعانق المنائر صلبان الكنائس، تعمّد انهارها اجساد الصبيان، يطلقون ضحكات براءتهم؛ صوب غدٍ كما بالأمس القريب والبعيد، تجمعهم حرارة الصيف، وعندما يلقي (الشرجي) ردائه عليها، تتكاتف انفاس ابنائها من اجل نسمة هواء بلا رطوبة، شتاء مدينتي قصير، لا ربيع فيها ولا خريف، ورغم شدة حرارتها قلوبهم باردة طيبة، واحلامهم بسيطةً تعبّر عن بساطتهم.
في مدينتي.. كانت غابات نخيل، غرز الماء سكين املاحه؛ فماتت واقفة!، وكنا نتجول في ارجائها نستنشق رطوبة الارض؛ تمنحنا عشقها الابدي، نحتضن ترابها، نغتسل بالأنهار الممتدة كالشرايين لقلب النخيل، ماء عذب كلهجة احاديثنا، ننتظر اول الصيف لنمتّع اعيننا بالـ (حَبابوك و الجمري) على طبق من نار، نتحيّن الفرصة لنقتطف الرَطَب، غادرتنا الغابات وطرق ابوابنا تمر لمدن اخرى!.
في مدينتي.. صَدِئَتْ على شواطئها السفن، وغزت اسواقها اسماك بلدان الجوار! وكان البحارة يركبون صهوة سفنهم صوب الخليج يصارعون الموج، يلقوا شباكهم بسم الله؛ ليخرجوها بالصلوات بما رزقهم من خيراته، وعند الـ (نكعه) في قضاء الفاو، تسمع غزل البائعين لأسماكهم، والعشرات من الـ (جَلّابه) يحمّلون سياراتهم؛ لينطلقوا صوب المدن الاخرى.
في مدينتي.. الشناشيل تعويذة ابنيتها وسحر جمالها، غادرها الجمال!، استشعر اوجاعها ، بالية وابنية قديمة تقف خجلة لا طعم لها ولا لون، خربة غزتها الاتربة ترقد في شارع جانبي مسكين قرب معمل المسامير الذي لم يبق منه سوى العنوان، ولم يعد النجارون (اسطوات) فنونها، ازقة قديمة تستعطف الناظرين.
في مدينتي.. فينيسيا الشرق غادرتها الانهار!، تغذيها المجاري كل يوم؛ لتحوّل صفة الماء الى لون مقزز ورائحة كريهة، يطفح فيها الآلاف من (بطالة البيبيسى)، وتقتلها علنا عصابات سيارات المجاري، لا قانون يحميها!؛ لتمنح صيفنا روائحها.
في مدينتي البصرة لا اجد سوى بقايا ارث قرأته عنها، او عشت بعضا منه!، ابحث عنها، اتعذّب تجوّلا، يقطّعني الاسى من زقاقٍ لآخر، غريب في مدينة تخسر ارثها!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat