الرد على شبهات المنحرف أحمد القبانجي ( 9 )
ابواحمد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ابواحمد الكعبي

فيما يلي تسلسل ما قالة المنحرف احمد القبانجي وتعليقاتنا عليها
• يقول القرآن: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّلاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ الَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» وهنا ثلاث اشكالات بلاغية؛ الأول: ما هي فائدة نزول هذه الآية؟ فهل أن الزواج بهؤلاء النسوة كان حراماً على النبي قبل نزولها؟ والثاني: كل المسلمين بنات عماتهم وخالاتهم وبنات عمهم وخالهم حلال عليهم فلماذا تخصيص الخطاب للنبي فقط؟ والثالث: أنه يقول «قدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ» فشيء طبيعي أنك تعلم بما شرّعته أنت، لأنك أنت من فرضته فما هذا التهافت؟!
تعليق: ”الرد على الاستحماق الأول: هذا الرجل يتصوّر أن نزول الآية على هذا النحو كان لغواً، لكون الأزواج كن حلالا عليه من قبل فيعني أنه لا داعي للتكرار، ولكنه غفل أن لنزول هذه الآية حكمة عظيمة لمن يتأملها ويرجع إلى أجوائها في الحديث والسيرة، فبعد نزول آية «فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ» حينها عَلِمَ جميع المسلمين بأنه لا يجوز للرجل أن تكون بذمته من الأزواج اللاتي تزوجهن بالعقد الدائم أكثر من أربعة، لذا صار من الضروري أن تنزل آية أخرى تخص النبي (صلى الله عليه وآله) لتخرجه من هذا الحكم العام فتبيّن أن حكمه مختلف وأنه مستثنى في جواز الزواج الدائم بأكثر من أربع نساء، وذلك كي لا يختلط الأمر على الناس من جهة، ولإغلاق باب الأقاويل والمطاعن في شخصية وقدسية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من جهة أخرى على أعداء الإسلام والمتربصين به وعلى المسلمين أنفسهم الذين قد تنشأ في أذهانهم الأوهام بخصوص سيرة نبيهم، فالآية هنا تبيّن أصناف النساء اللاتي تحل لرسول الله صلى الله عليه إلى جانب من كن في عصمته.
وفي هذه الآية التفاتة بلاغية جميلة في قوله «مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ» أي بما معناه ”رجع إليك“، في إشارة إلى أن ما على هذا الدنيا كلها من الأموال والجواري وما أشبه كله تحت ملكك، ووجود ذلك في يد الغير يكون في حكم المغصوب، إلا أنه قد عاد إلى مالكه الحقيقي.
الرد على الاستحماق الثاني: هذا الرجل لا ينظر في أن الآية قد وضعت قيودا على النبي في تخصيص بنات العم وبنات العمّات وبنات الخال وبنات الخالات اللاتي أحلّهن الله للنبي، إذ تقول الآية «الَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ» فهذا تضييق للحكم، وعليه يكون المعنى: يحرم عليك أيها النبي أن تنكح مثلا ابنة عمك التي لم تهاجر قبل الفتح قبل أن توسّع عليه الآية بإضافة صنف الواهبات أنفسهن، وبهذا فإن الحكم يختلف عن سائر المسلمين، إذ أنهم يحل لهم الزواج ببنات عماتهم وبنات خالاتهم وبنات عمهم وبنات خالهم اللائي لم يهاجرن مع النبي إلى المدينة المنوّرة.
وقد ورد في الروايات أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) خطب أم هانئ بنت أبي طالب فاعتذرت إليه لأن لديها أبناء، فتخشى أن لا تفي بحقوقه بسبب انشغالها بهم، فنزلت هذه الآية لتحريمها عليه (صلى الله عليه وآله) بقيد أنها لم تهاجر معه. (تفسير البيضاوي - الجزء 4 - الصفحة 380).
كما ورد أن المراد ببنات عماتك أي قريباتك من نساء قريش، وببنات خالاتك أي قريباتك وأرحامك من نساء بني زهرة، وعلى أي حال فالآية بيّنت صنفا خامسا للنساء اللائي يجوز للنبي أن يجعلهن ضمن أزواجه و جعلت ذلك من اختصاصه، إذ تقول: «وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا»، وقد جرى هذا الحكم على خولة بنت حكيم السلمي، والتي سمّاها الله مؤمنة ولكن تطاولت عليها عائشة (لعنها الله) وقالت لها: ما أنهمكِ للرجال! (تفسير القمي - الجزء 2 - الصفحة 195)، وفي رواية أخرى أن حفصة (لعنها الله) أيضا قالت لها ذلك، فنهرهما النبي وقال لهما ما مضمونه: أنها أفضل منكما، ثم قال لتلك المرأة ما مضمونه: ارجعي رحمكِ الله وانتظر أمر ربي في هذا الشأن، فنزل قوله «وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا» أي إذا كان راغبا في نكاحها، «خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» أي هذا الحكم خاص بك تستنكحها بلا مهر وبلا عقد دون سائر المسلمين الذين لا يجوز لهم ذلك.”“«»
الرد على الاستحماق الثالث: قوله تعالى «قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ» المقصود منه أننا أحكم في هذا الأمر، أي أننا بفرضنا هذه الأحكام الخاصة (للنبي وللمسلمين) أعلم بالحكمة من ورائها، ولتوضيح المراد بمثال؛ لو أن رئيس دولة أصدر قانونا وتساءلت الناس عن وجه المصلحة فيه، فإنه إن أراد أن يقول: إني أنا الأدرى بالحكمة من وراء القرار وأنه لم يأتكم هكذا اعتباطا، يقول: أنا قد عَلِمت ما فعلت بسن هذا القانون، وليس معنى كلامه أنه كان جاهلا فأصبح عالما بما فعل، بل هذا مجاز يعرفه البلغاء ولا إشكال فيه حتى يقال هذا ”ضعف بلاغي“. وبعد بياننا بطلان هذه الإشكالات السخيفة لا بأس أن نتطرق إلى بعض الجوانب البلاغية في هذه الآية، إذ اتفق البلغاء أنها تحتوي على لمسة بيانية رائعة في إفراد العم وجمع العمات وإفراد الخال وجمع الخالات، وأن هذا يعتبر من الفن البلاغي في إيقاع الفضول لدى المخاطب، خصوصا إذا لاحظنا ورود لفظتي الأعمام والأخوال في موضع آخر من القرآن الكريم، وقد قدّم بعضاً من اللغويين تفسيرا لهذا الإفراد بأن بنات العم كلهن يرجعن بالأصل إلى أب واحد هو الجد وكذلك الحال مع بنات الخال، ولهذا جاء الإفراد للعم والخال وجمع العمات والخالات حيث أنهن يرجعن إلى عدّة آباء، بينما قدّم بعض الأدباء تفسيرا ثانٍ وهو أن هذا الإفراد جاء لتعظيم الذكر على الأنثى، وقدّم قسمٌ ثالث تفسيرا آخر هو أن النبي ما كان له سوى عم واحد ينطبق على بناته شرط الآية، وهو أبو طالب، لأن حمزة كان عمه وأخوه من الرضاعة، أما بنات عمّه العباس فلم يهاجرن معه (صلى الله عليه وآله)، أو كان له بنات عم أخريات لكنهن متزوجات وكذلك الحال مع الخال.
من جانب آخر، جاء في الآية جملة اعتراضية متمثلة في قوله تعالى: «قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ»، فهذه الجملة جاءت اعتراضا على جملة أكبر في سياق واحد، وهذا فن من فنون البلاغة يسمى أيضا بالمداورة في الكلام، أي أن يتحدث المتحدث بسياق متصل وفي وسط الكلام يومئ إلى معنى آخر ثم يعود مرة أخرى إلى سياق كلامه.
جانب بلاغي آخر في هذه الآية الكريمة يتمثل في عدول الخطاب الموجّه للنبي مباشرة إلى الحديث عنه بصفة الغائب عند قوله: «وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً» ثم عودة الخطاب المباشر إليه بقوله: «لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا، فهذا بحد ذاته فن بلاغي يقصد الله من ورائه أن تشريع حكم الواهبات أنفسهن للنبي وقبوله بهن لم يأت لغرض الشهوة عند النبي وإنما لبيان شرف النبوّة بقبول النبي من يأوين إليه إذ هنّ مشاريع إصلاحية للأمة، وبيان أن هذا الحكم خاص بالنبي فقط كي لا يقع التوهم في أذهان الناس، فهذه أيضا لمسة بلاغية تدل على الإعجاز البلاغي لهذه الآية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat