صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح189 سورة الاسراء الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم
وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً{11} 
تسلط الاية الكريمة الضوء على حالتين من حالات النفس البشرية ( الانسان ) : 
1-    ( وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ ) : يبين النص المبارك ان الانسان في حالة الغضب او الضجر يدعو بالسوء على نفسه او على اهله واصدقائه , ( دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ ) كدعائه بجلب الخير والنفع له او لهم في حالاته الطبيعية .   
2-    ( وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً ) : يبين النص المبارك حالة اجتماعية اخرى , ولها موردين : 
أ‌)    يتعجل بدعاء الشر ( السوء ) على نفسه واهله في حالات الغضب والضجر , ولا ينظر الى عواقب دعواته تلك . 
ب‌)    العجلة حالة فطرية في الانسان , وجدت مع وجوده , وختمت على طبعه .    

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً{12}
نستقرأ الاية الكريمة في ستة موارد : 
1-    ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ) : يبين النص المبارك ان من عجائب خلقه وبديع حكمته ودقة تدبيره عز وجل تعاقب الليل والنهار , ما يحفظ استدامة الحياة على المعمورة , فلو كان الليل دائما او النهار مستمرا لاختل التوازن وانهارت الحياة عليها .  
2-    ( فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ) : يبين النص المبارك بشكل لطيف ( فَمَحَوْنَا ) حيث يخيم الظلام في الليل , تنعدم الرؤية , فيحل السكون والهدوء .  
3-    ( وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ) : حيث ينقشع الظلام , وتعج المعمورة بالحياة . 
4-    ( لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ) : يساعد ضوء النهار على العمل والسعي في العمل وقضاء الحوائج . 
5-    ( وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) : يبين النص المبارك فائدة اخرى لتعاقب الليل والنهار الا وهي معرفة الزمن ( الوقت ) . 
6-    ( وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) : يبين النص المبارك ان الله تعالى بيّن كل شيء يحتاجه الانسان , بيانا واضحا لا لبس فيه . 

وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً{13}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 
1-    ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) : عمله وما قدر الله تعالى له .  
2-    ( وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً ) : صحيفة اعماله .        

اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً{14} 
تذكر الاية الكريمة مقطعا من منازل القيامة حيث يقال للانسان ( اقْرَأْ كَتَابَكَ ) , صحيفة اعمالك , ( كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) , يبين النص المبارك اسمى درجات العدل والانصاف , حيث يطلع الانسان على اعماله , فيكن الحاكم على نفسه والمحاسب لها , وذلك مصداق الاية الكريمة {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }الكهف49 .  

مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً{15}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 
1-    ( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) : يبين النص المبارك على سبيل القطع , ان المهتدي له هدايته , فينال بها الثواب الجزيل , والضال عليه ضلالته , فيستحق بها العذاب الاليم . 
2-    ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) : كل نفس تحمل اثمها واثقالها , ولا تحمله عنها نفس اخرى . 
3-    ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) : يبين النص المبارك مؤكدا ان الله تعالى لا يعذب احدا قبل اتمام الحجة عليه , وبيان الحجج والبراهين ببعثة الرسل (ع) .        

وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً{16} 
تبين الاية الكريمة ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً ) , اذا تعلقت ارادته جل وعلا بهلاك قوم او قرية , ( أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ) , المتنعمين فيها , وهم طبقة الحكام والكبراء , ( فَفَسَقُواْ فِيهَا ) , فخرجوا عن امره تعالى وتمادوا , الجدير بالذكر هنا ان الاية الكريمة خصّت المترفين لعدة اسباب نذكر منها :    
1-    لان المترفين متبوعين بالعبيد والمتملقين لهم والمنتفعين بهم . 
2-    كما وان المترف اقدر على ركوب المعاصي من غيره . 
3-    غالبا ما يعرف عن المترف سفاهة العقل . 
بذا يكون المترفين هم الباب الذي سيأتي منه العذاب الالهي في كل قرية او قوم , ( فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ) , استوجبت العذاب او الاستئصال بعد ان بلغت معاصيهم مبلغها في التعدي والتجاوز , ( فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) , اهلكت هلاكا شاملا , يشمل الانفس والاموال .        

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً{17} 
نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 
1-    ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ) : يبين النص المبارك كثرة الاقوام التي استحقت الهلاك بالجرم والجريرة . 
2-    ( وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً ) : يعلم باطنها وظاهرها فيعاقب عليها .     

مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً{18} 
تبين الاية الكريمة ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ ) , من كان يريد بعمله الحياة الدنيا , ( عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ) , يبين النص المبارك ان الله تعالى سيعجل له ما اراد وعمل له , لكن ذلك مشروطا بمشيئته جل وعلا , حيث ( ما كل ما يتمناه المرء ... يدركه ) , ذاك في الدنيا , اما في الاخرة ( ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ) , ليس جهنم فقط بل ( مَذْمُوماً مَّدْحُوراً ) مطرودا من رحمة الله تعالى .           

وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً{19}
تنعطف الاية الكريمة لتسلط الضوء على الجانب المعاكس لما ذكرته الاية الكريمة السابقة , جانب ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ) , من عمل طلبا لثواب الاخرة , واجتنابا لاهوالها وعذابها , (  وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ) , عمل العمل الموجب لنوال العواقب الحسنة فيها , ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) , بالله تعالى ورسله وفيها , ايمانا لا شك فيه ولا شبهة , ( فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً ) , مقبولا عند الله تعالى مثابين عليه , ويلاحظ ان النص لم يذكر الثواب المستحق لهم , بل اكتفى بـ ( مَّشْكُوراً ) , فهذا فيه الدليل الكافي والجواب الشافي , حيث من شكر الله تعالى لهم اعمالهم لا يمكن لاحد ان يتصور الثواب الذي سيعطيه  جل وعلا لهم .            

كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً{20}
تبين الاية الكريمة ( كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ ) , كلا الفريقين المؤمنين والعاصين ( الكفار ) يتفضل عليهم الباري عز وجل بالعطاء , ( وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً ) , لا يمنع عطاءه جل وعلا عن العاصي لعصيانه , بل عطاءه جل وعلا ميسر لهم في الدنيا فقط .    

انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً{21}
نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 
1-    ( انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) : يشير النص المبارك الى تفاضل الناس في الدنيا , من حيث الجاه والمنصب والرزق والعمل ... الخ . 
2-    ( وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) : يبين النص المبارك ان في الاخرة درجات وتفاضلات اكبر واكثر عن تفاضلات الدنيا , من حيث الثواب والديمومة وخلوها من المنغصات .     
الاية الكريمة بجملتها تترك الباب مفتوحا للتفكر والتأمل والتدبر في كلا الصورتين . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/03/07



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح189 سورة الاسراء الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net