صفحة الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني

بين كتابيّ طوارق الظلام وناظم كزار
رائد عبد الحسين السوداني

لم يكن بتخطيط مني أن أقتني في يوم واحد كتابين عن موضوع واحد وحقبة واحدة وعن دور شخص واحد بعينه وفي ذكرى  حدث كان هو أحد أبطاله وأعني به ناظم كزار مدير الأمن العام من 1968-1973والذي أعدم بعد محاولته قتل البكر وصدام في مطار بغداد الدولي عند عودة أحمد حسن البكر من زيارته لكل من بولونيا وبلغاريا والكتاب الأول كان طوارق الظلام لمؤلفيه توفيق جاني الناشي و إبتسام نعيم الرومي  عن شركة دار الرواد المزدهرة للطباعة والنشر والإعلان  وأما الكتاب الثاني كان بعنوان ناظم كزار سيرة أقوى مدير أمن عام في تاريخ العراق السياسي الحديث (1968- 1973) وأسرار انقلابه الفاشل عن مكتبة المجلة للأستاذ شامل عبد القادر،وفي حقيقة الأمر كنت قد أكبرت خطوته هذه في إماطة اللثام عن هذه الشخصية التي ظلت في طي النسيان على الرغم من إنها شغلت الرأي العام العراقي قبل محاولته الانقلابية في ملاحقته للقوى المعارضة للحكم البعثي الثاني لاسيما القوى الشيوعية بكل فروعها وجناح البعث الآخر المسمى بعث اليسار لكن إن أكبرت خطوة الأستاذ شامل عبد القادر هذا لا يعني إني أوافقه في كل ما ذهب إليه من استنتاجات حول هذه الشخصية والتي سأناقشها بعد إلقاء نظرة سريعة على كتاب طوارق الظلام وهو عبارة عن معاناة وعذابات وأهوال ما بعد انقلاب 8/2/1963في معتقلات البعث والحرس القومي بالتحديد والذي يبدأ  بإهداء هذا نصه "إلى أرواح الشهداء الذين سقطوا من أجل حرية وسعادة الشعب .

إلى روح أخي سميع جاني الناشي الذي أستشهد تحت التعذيب في أقبية الحرس القومي سنة 1963

ملاحظة :سنة 1965قدمت والدة الشهيد سميع دعوى ضد كل من المجرمين ناظم كزار وخالد طبرة وأيوب وهبي صبري بتهمة القيام بقتل إبنها تحت سياط التعذيب .وبعد ثلاثة أشهر أصدرت المحكمة إعلانا في الصحف الصادرة في ذلك الوقت وكذلك في الجريدة الرسمية للدولة بطلب المجرمين الثلاثة للحضور إلى المحاكمة بالتهمة المذكورة وفق المادة 214من قانون العقوبات البغدادي وفي حالة عدم الحضور سيتم محاكمتهم غيابيا .ومن مهازل القدر أن المحكمة كانت تتأجل باستمرار حتى عاد البعثيون مرة أخرى للسلطة في تموز 1968وقد أصبح ناظم كزار مديرا للأمن العامة ومسؤول الخط العسكري لحزب البعث" وفي صفحة 77يذكر المؤلفان لقد"انتشر صيت قصر النهاية وصار اسمه كافيا لبث الرعب في أشجع النفوس لكنهم لم يقصروا في المقرات الأخرى بل إن الأساليب التي استعملت في محكمة الشعب والنادي الأولمبي تجاوزت أساليب التعذيب في القرون الوسطى .

لقد مارس ناظم كزار وزمرته في محكمة الشعب أسلوبا جديدا ليس لأخذ الاعترافات بل للانتقام والتنفيس عن سادية رهيبة .كانوا يضعون الضحية في تابوت ويغطونها ثم يقطعون التابوت إلى نصفين بمنشار كبير للخشب ،منتشين بمنظر الدم المتسرب من بين شقوق التابوت طربين لسماع صراخ الضحية المنكودة ،ثم يندفعون لالتهام وجبة دسمة قبل أن يلقوا بالضحية في نهر دجلة طعاما للأسماك" هذا ما ورد في كتاب طوارق الظلام أما سطور الكتاب الذي ألفه الأستاذ شامل عبد القادر وجدت فيه تبريرا كثيرا ومتكررا لممارسات قام بها ناظم كزار ضد الشيوعيين عموما وجماعة عزيز الحاج بصورة خاصة مع ذكر إنه انتمى لحزب البعث وكان أحد أعضاء منظمة حنين التابعة للحزب المذكور وهي كما هو معروف لدى الجميع الذراع الطولى للحزب وجهازه القمعي حتى قبل استلامه السلطة في 1968وعندما نذكر حنين نذكر فضلا عن ناظم كزار كلا من صدام حسين وعبد الكريم الشيخلي وهذا يكفي لكيلا نزيد الشرح عن هذه المنظمة فمثلا إنه في صفحة 124وبعد أن يستعرض بعضا من ممارسات الشيوعيين ضد ناظم كزار وصلت حد الشروع في التصفية الجسدية والإعتداء على الأسرة في منزلها وكذلك التعرض لشقيقته من قبل أحد الشيوعيين في الشارع  يتساءل بما نصه"ألا تكفي هذه الجرائم بحق الشاب ناظم لتترك في قلبه ومشاعره أحقادا لا حدود لها وكراهية كبيرة للشيوعيين ؟! لا تلوموا ناظم إذا كره الشيوعيين" علما إن هذه الحوادث التي وقعت لناظم كزار من قبل الشيوعيين وحسبما يؤرخها الأستاذ شامل عبد القادر حدثت في المدة المحصورة بين 1958إلى 1963والتي تحول فيها بعد انقلاب البعثيين في 8/شباط إلى محقق مع صدام حسين والذي يؤكد في صفحة 140إنه قد "اتضحت مواهب ناظم الأمنية عندما عمل في الهيئة التحقيقية في النادي الأولمبي بعد حركة 8شباط 1963وتعرف إلى صدام حسين الذي كان عضوا في الهيئة نفسها وكان ناظم عضو قيادة فرقة آنذاك " ثم يواصل الأستاذ شامل فقرته دون فواصل ،قائلا "وقد تعرض للتعذيب على أيدي الشيوعيين إبان حكم الزعيم عبد الكريم قاسم " في خطوة تبريرية للمارسات في هذا النادي بالمشاركة مع صدام حسين الذي يذكر في كتاب طوارق الظلام وفي صفحة 89ما يأتي "استغلت إكرام الفرصة وسألت أم ماجدة عما حل بالسن الأمامي في فكها العلوي فهو يبدو مكسورا ومتورما ،أخبرتها أنهم ذهبوا بها في بداية اعتقالها إلى مديرية الأمن ،وهناك حقق معها شاب من الذين حوكموا غيابيا في محكمة الشعب بسبب اشتراكه في عملية اغتيال عبد الكريم قاسم واسمه صدام حسين وعندما لم تجب على أسئلته أحضر (بلايس) وحاول قلع ذلك السن الذي كسر نتيجة تلك المحاولة ،وقد أنقذتها الظروف من يديه بعدما تم نقلها إلى قصر النهاية". وفي الكتاب أيضا وجدت تبرئة من الأستاذ شامل عبد القادر لشخص ناظم كزار مما اتهم به من ممارسات في تعذيب مناهضي حزب البعث فينفي الأستاذ شامل عبد القادر مما لصق بناظم كزار من ممارسات مثل تبرئته في صفحة 166"من الاتهامات التي روجت بعد إعدام ناظم ومازالت تروج إنه المسؤول عن جلب أحواض الأسيد وتذويب ضحاياه فيه" ومصدر الكاتب في هذا النفي للكاتب الدكتور محمود كزار شقيق ناظم وهنا لا يلام الدكتور محمود في تبرئة شقيقه بقدر مطالبتنا الكاتب بوثيقة تنفي هذه القضية .وهنا لا أريد أن أقلل من جهد الأستاذ شامل عبد القادر والتي أعدها خطوة متقدمة في دراسة شخصيات أثرت بصورة وأخرى في الذهنية العراقية من خلال ممارستها العنف في التعامل السياسي وإذا كان أفراد من الحزب الشيوعي في وقت التصادم السياسي في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات قد مارسوا ممارسات غير مقبولة ولا مبررة ضد ناظم كزار كما يخبرنا المؤلف ،فذلك ليس من عمل الأجهزة الرسمية للسلطة الحاكمة وهي سلطة عبد الكريم قاسم كأعمال ناظم كزار النابعة من كره واضح للشيوعيين عندما تحول إلى محقق بعد 8/شباط أو مدير أمن عام بعد 17/تموز /1968فقد تحول الأمر إلى إرهاب رسمي يخضع له القانون والأجهزة الرسمية ،المدنية والعسكرية والأخطر في هذا الأمر تحول من يشعر إنه ضحية إلى حاكم وجلاد ،فهنا يكون الانتقام الأعمى هو سيد الموقف وناظم كزار ينتمي إلى حزب يؤمن بالعنف كعامل أساس في مسيرته السياسية ويؤمن إن المبادرة بالعنف أفضل من المبادرة بالتفاهم على أرض مشتركة فهذا عبد الخالق السامرائي أب ناظم كزار الروحي في حزب البعث والذي عدد الأستاذ شامل عبد القادر عدة مزايا له ،من التواضع ،والنسك،والثقافة والعلم،والعلاقات المنفتحة مع الآخرين ورفض التسلط الحزبي على الأجهزة الإدارية والمدنية في البلد وبالتالي سمي (درويش الحزب) وبأنه فيلسوف الحزب أيضا  لم يتورع ولم يتوان في قتل ضابط أمن في حكومة عبد السلام عارف إذ ينقل الكاتب في صفحة 144عن حسن العلوي ومن كتاب دولة المنظمة السرية بأن عبد الخالق السامرائي "قاد في عام 1965مجموعة مسلحة وانطلق ضد الذي تبدو حركته أثقل كالسهم يصلي ببندقية رشاشة ضابط أمن في جهاز الرئيس عبد السلام عارف كان معنيا بإيذاء البعثيين فأرداه قتيلا على باب داره" ويعرف الأستاذ شامل عبد القادر الضحية بأنه معاون الأمن عبد الرزاق لافي .إن مجرد الانتماء لحزب يقوده ميشيل عفلق يدل دلالة واضحة على إن هذا الشخص لا ينتمي إلا إلى مجموعة استئصالية في حقيقة أمرها وهذا الأمر مصداقه في حركة ناظم كزار ذاتها فهو عندما قام بحركته ليس انتفاضة ضد التهميش والقمع السياسي أو الانتقام السياسي والإعدامات والمضايقات بل قام بانتفاضته لشعوره إن البكر وصدام قربا أشخاصا من قريتهما إلى مراكز القرار وبالتالي (تكرتته) لو صح التعبير وقد يقول قائل ألا تستحق هذه الخطوة من قبل البكر وصدام حركة تصحيحية بمثلما  قام بها ناظم كزار وللجواب على ذلك نعم تستحق لو كانت من قبل أشخاص لا ينتمون لحزب البعث الذي يؤمن بالأحادية والفردانية والسادية فالبكر لا يختلف بتاتا عن صدام حسين وهذا لا يختلف عن عبد الكريم الشيخلي أو حازم جواد وطالب شبيب وأبو هاشم عبد المطلب وهاشم قدوري وعلي صالح السعدي وصالح مهدي عماش ولا يختلف حزب البعث جناح اليسار عن جناح اليمين ،فهل كان ناظم كزار لو نجحت حركته بالآخر وهل سيقبل بالشيوعي كشريك في الساحة الجماهيرية على أقل تقدير وليس الرسمية السياسية وهل سيقبل بالأكراد شركاء في الوطن ؟ إن شخصا تحركه نوازع حزبية ضيقة الأفق وتحركها أذرع خارجية وأيضا شخص تحركه النوازع الشخصية ولا يفصل بين مرحلة كان فيها شخصا اعتياديا ومرحلة استلم فيها السلطة ويجب عليه النظر للناس بعين الرعاية دون التوقف عند الأحقاد لا يمكن أن يكون موضع غض النظر عن انتمائه ونوازعه لاسيما إنه وكحال كل البعثيين في ذلك الوقت في مرحلة عدم النضوج العلمي والعمري والسياسي والثقافي وحتى الحزبي فمثلا حازم جواد وطالب شبيب وعلي صالح السعدي وهم قادة حركة 8/شباط كانوا في العشرينات من العمر وكذلك الحال مع الحقبة البعثية الثانية فباستثناء البكر وصالح مهدي عماش كان صدام حسين في الواحد والثلاثين من العمر وعزة الدوري في السابعة والعشرين من عمره وطه الجزرواي وطارق عزيز في بداية الثلاثينات من عمرهما ومحمد سعيد الصحاف الذي استلم أخطر مؤسسة وهي الإذاعة والتلفزيون في الثامنة والعشرين من عمره أما ناظم كزار فقد أعدم في 1973وهو في ال33من عمره وكان يشغل منصب مدير عام لأهم مؤسسة في العراق وأهم وأخطر مرفق عند البعثيين  وأعني بها الأمن العامة ..ومع ذلك يجب توجيه التحية مرة أخرى للأستاذ شامل عبد القادر في خطوته الشجاعة هذه لنفض الغبار عن ملفات يجب أن تظل ماثلة أمام أعين العراقيين وإن كان كتابه خاليا تقريبا من المصادر والمراجع والوثائق إلا من الشهادات الشخصية وكنت أتمنى لهذا الجهد أن يكون معززا بوثائق حية ليكون مرجعا للباحثين والدارسين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رائد عبد الحسين السوداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/12



كتابة تعليق لموضوع : بين كتابيّ طوارق الظلام وناظم كزار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net