صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

ماذا كان يُسمى ابو بكر في زمن النبي وبعده ؟ السقيفة هي الفيصل!دراسة تاريخية .ج1
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في حمى الصراع السياسي على السلطة في سقيفة بني ساعدة والجدل الذي دار هناك والتراشق بالألفاض تم ذكر المزايا والخصائص لكل من رشّح نفسه للجلوس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل نفسه خليفة له في أمته ....
لم نسمع أي واحد من هؤلاء المتصارعين ذكر لنا أن من مزايا ابي بكر ( الصديقية). لا من (عمر) الذي كان القائد والمنظّر الأساس لعملية الانقلاب ولا من (أبي عبيدة) الذي كان الذراع الأخرى لأبي بكر . فلا خصوم أبو بكر عند إذعانهم في نهاية المطاف بأن يكون منهم أمير ومن الطرف المقابل أمير فلا هؤلاء ذكروا بأن أبا بكر كان (صديقا) وأنه أول من آمن وصدق بالنبي ص.
المزايا التي ذكرها القوم عن (أبي بكر ابن ابي قحافة) (1) في حمى الصراع الدائر حيث غالبا ما يكون المرشح نفسه لمثل هذا المنصب الخطير ـ خصوصا وأن النبي ص لا يزال بعد مسجى لم يُدفن ولم يُغسّل وهذا عكس الأعراف التي كانت سائدة آنذاك ، حيث أن خليفة المتوفى عادة يُنصّب بعد أن يتم دفن الميت وفي مجلس الفاتحة يتم الإعلان عن وريث المتوفى في الحكم والسلطة أو رئاسة القبيلة أو القرية هذا في حال كون الميّت لم يوص ـ 
لم يكن أحد حتى تلك اللحظة الحرجة ينادي أبا بكر بغير: كنيته المعروف بها : (أبو بكر ابن أبي قحافة) . والذي كان يُعرف في الجاهلية (بعتيق) . وحتى عند مبايعة أبو بكر للخلافة في السقيفة فإن المزايا التي ذكرها صاحبه ووريثه (عمر بن الخطاب) لم يرد فيها أن أبا بكر كان صدّيقا. فعن عمر أنه قال: قلت: ((يا معشر المسلمين إن أولى الناس بأمر النبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأبو بكر السباق المسن فبايعوه)). ثم صفق على يد أبي بكر .
ولو راجعت قصة أبي بكر من أول إسلامه وحتى يوم جلوسه على منبر رسول الله ص فلم تر أحد يناديه بغير كنيته المعروفة (ابن ابي قحافة) . فكل مزايا الرجل أنه كان ثاني اثنين في الغار ـ وقد بينا موقفه هناك ـ والسبّاق المسن . فلم يذكر عمر أي فضيلة او منقبة أو لقبا أو سمة أخر لمرشح الخلافة المغتصبة ، وعمر هو رأس الانقلاب على الأعقاب. ثم ماذا تعني كلمة (مسن) كل الصحابة كانوا مسنين . 
 
فمن هو الصديق إذن؟ 
 
في سنن إبن ماجه - المقدمة - فضل علي (ع) رقم الحديث : 117 عن عباد بن عبد الله ، قال : قال علي : ((أنا : عبد الله ، وأخو رسوله (ص) ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدى إلاّ كذّاب ، صليت قبل الناس لسبع سنين)). الحديث رقم : 120.
وقد رووا من كتاب أحمد بن حنبل وكتاب ابن شيرويه وكتاب ابن المغازلي عن نبيهم أن الصديقين ثلاثة (حبيب النجار) مؤمن آل يس ، و (مؤمن آل فرعون) و(علي بن أبي طالب) عليه السلام وهو أفضلهم. ، والعجب أن يكون (علي بن أبي طالب) عليه السلام أفضل الصديقين (ولا يسمونه صديقا) ، ومع أن (عليا) كان أول من صدق نبيهم وآمن به كما تقدم في رواياتهم وأنه كان يقول على رؤس المنابر ومجمع الأشهاد كما رووا أنا الصديق الأكبر ، ولم يسموه مع ذلك الصديق وخصصوا هذه اللفظة بأبي بكر دون غيره مع أن هناك من هو اصدق منه من الصحابة وهو أبو ذر فيه حديث متواتر بأنه اصدق من على وجه الارض ومع ذلك لم يطلق عليه احد انه صديق . انظر الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف - السيد ابن طاووس - ص 405
 
هذه الأحاديث يعضد بعضها البعض ويقوي بعضها البعض الآخر ، ولكن لو تتبعت الأحاديث التي تزعم أن أبا بكر هو الصديق ، لما وجدت إلا الاضطراب والتشويش والتضارب في الروايات مما يدل على أن الكذابين الواضعين للرواية أصابهم الفزع من كثرة مصادر ورواة حديث (الصديقية لعلي) ، فاحتاروا في كيفية وضع الرواية وأماكن الرواية وزمن الرواية ومن هم رواة الرواية . ومن هنا فقد بان الاضطراب والتضارب واضحا جليا في تلك الروايات سندا ومتنا وغاية ما توصلنا إليه من أسباب تسمية أبو بكر بالصديق كما يعتقدها العامة وأشهرها هي : 
 
أن القوم ذكروا أن أبا بكر إنما سمي صديقا لأنه آمن بحادثة الإسراء والمعراج التي ارتد الكثير من المسلمين بعد ان سمعوا بأن رسول الله (ص) قد أسري به من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. 
ولكن بعد البحث والتدقيق وجدنا ان جميع المسلمين الذين كانوا بمكة لم يكذبوا بحادثة الإسراء والمعراج بل صدقوا بها فلماذا لم يُطلق على أي أحد منهم لقب الصديق ؟ ولماذا لم يذكر لنا المؤرخون ورواة الأحاديث أسماء هؤلاء الصحابة الذين ارتدوا عندما سمعوا بحادثة الإسراء والمعراج؟؟؟ أين هم ؟ ومن هم ؟ خصوصا وأن عدد المسلمين كان محدودا في مكة . 
ونحن في هذا الزمن أيضا من الناس الذين أمنوا بحادثة الإسراء والمعراج ولم نكن شاهدين لوقوعها ولم نكذبها فهل يصح أن نوصف بالصديقين؟ 
 
وكذلك يدّعون من أن تسمية أبا بكر بالصديق جاءت من قبل جبرائيل كما في تاريخ دمشق لابن عساكر الجزء : 30 الصفحة : 73. عن أبي البختري عن علي قال، (قال رسول الله لجبريل من يهاجر معي قال أبو بكر وهو الصديق). 
 
ورواية أخرى تقول لأنه كان يصدق رسول الله (ص) في بداية الدعوة . ولكن المشهور أيضا بين العامة أن من سمى ابو بكر بالصديق هم الناس وليس رسول الله ص . 
 
أن أبا بكر كان حتى ذلك الوقت يُعرف بأنه (عتيق) أو (ابن أبي قحافة) ، ولم يكن له اسما آخر أو كنية آخرى ، وفي مناشدة المهاجرين والأنصار عندما وقفت ـ أصدق الخلق بعد ابيها ـ فاطمة الزهراء سلام الله عليها وقفت بين حفدتها من نسوة المهاجرين والأنصار قالت الصديقة سيدة نساء العالمين مخاطبة أبا بكر ((يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئاً فريا، أفعلى عَمْدٍ تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهورِكم)) راجع خطبتها . 
الزهراء سلام الله عليها لم تكن تنبز أبا بكر لانها أكمل من ذلك ومن شهد لها الرسول ص بأنها بضعة منه تحمل كافة مزاياه وسجاياه ولكنها نادت أبا بكر بما كان يُعرف به في الجاهلية والاسلام حتى زمن المناشدة التي ناشدت المسلمين فيها في المسجد مطالبة بحقها ، فلم يكن أحد يناديه بغير(ابن ابي قُحافة) . 
 
وعلي ابن أبي طالب عليه السلام أيضا ممن كان يناديه بابن أبي قحافة حيث ورد في خطبته الشقشقية : (ولقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا) . 
وهذه الخطبة متأخرة جدا حيث أن الامام علي عليه السلام خطبها وهو على منبر الكوفة في خلافته وهذا يعني أن ابا بكر حتى هذا الزمن ما كان يُعرف بأي لقب غير ابن ابي قحافة . 
ولكن بعد تولي معاوية مقاليد السلطة وبدء عملية الوضع والاختلاق والتحريف والكذب انصبّ سيل الفضائل على الصحابة ممن لا كرامة له ، فأصبح ابن ابي قحافة ((صديقا)) وعمر ابن صهّاك ((فاروقا )) وأبو هريرة (( راوية الإسلام )) وبنة ابن أبي قحافة عائشة (( راوية الاسلام وام المؤمنين)) ومؤخرا أضيف لها لقب ((الصديقة بنت الصديق لعائشة)) وأبو عبيدة (أمين الامة) وكعب الاحبار (( راوية الإسلام )) ووهب ابن منبه (( محدث الاسلام )) ومعاوية (خال المؤمنين) وأبعد صلحاء الأمة وأخيارها من الساحة ، وحلت هذه البدائل محلها . 
ولعل اوضح رواية صحيحة نُقدمها نُثبت فيها ان لقب (الصديق) إنما اطلقه الناس على أبي بكر كما في الكثير من المصادر ومنها ما جاء عن ابن سيرين عن عبد الله بن عمر بن العاص قال: ((أبو بكر سميتموه الصديق وأصبتم اسمه ، وعمر الفاروق أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين اصبتم اسمه)) وسنده صحيح (1) . 
من كل ما تقدم يتضح بأن تسمية ابو بكر (بالصديق) وضعها الأمويون ، ويدلنا على ذلك أن الكثير من الصحابة والصلحاء وعلى رأسهم الصديقة الزهراء وبعلها الصديق الأكبر علي بن ابي طالب عليه السلام وحتى زمن متأخر كانوا لا يعرفون أبا بكر إلا بإسم (( ابن ابي قحافة)) أو عتيقا كما مرّ عليك في قسم من خطبهم وأقوالهم فيه . وقد تم اضفاء الصديقية على أبي بكر انطلاقا من قاعدة معاوية المشهورة : (( فلا تدعو خبراً يرويه أحد من الناس بأبي تراب أو بأهل بيته ، الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة )).(2) 
المراجع . 
1- مصادر ورد فيها ذكر أسباب تسمية ابي بكر بالصديق : تاريخ دمشق لابن عساكر الجزء : 65 الصفحة : 409. تاريخ الإسلام للذهبي . مصنف ابن أبي شيبة ج: 6 ص: 363 . فضائل الصحابة لابن حنبل ج: 1 ص: 103. المعجم الكبير ج: 1 ص: 89 . السنة لابن أبي عاصم ج: 2 ص: 548. سير أعلام النبلاء ج: 4 ص: 37. وهناك مصادر غيرها وكلها تجمع على أن من سمى أبو بكر بالصديق هم الناس ، ولذلك فقد تكرر القول في هذه الروايات : (( وقد أصبتم اسمه)).
2- راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج‍ 3 ص 595 تحقيق حسن تميم .
انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وهو بعنوان : الصديق والفاروق في الاديان والعقائد .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/05



كتابة تعليق لموضوع : ماذا كان يُسمى ابو بكر في زمن النبي وبعده ؟ السقيفة هي الفيصل!دراسة تاريخية .ج1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net