صفحة الكاتب : ابواحمد الكعبي

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
ابواحمد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


  لقد كان نوره أعظم الأنوار، وقد كشف الدجى بجماله كما قد أباد الظلام بالهدى الذي جاء به فبمجرد أن ولد أشرقت الأرض بنور ربها وطهر ترابها ببركة وطئه إيّاها، فأصبحت مسجداً وطهورا، وشعّ شعاع من محل ولادته في مكة إلى بطنان العرش ]وبطنان العرش أي وسط العرش[ وانقلبت كل عروش الطغاة وأصبحت منكوسة من ساعتها، وخمدت نار مجوس فارس ولم تكن قد خمدت مند ألف عام، ورجمت الشياطين ومنعت من الصعود إلى السماء لإستراق السمع؛ فاضطرب إبليس اللعين اضطراباً شديداً، وصاح في أبالسته، فاجتمعوا إليه وقالو: "ما أفزعك يا سيدنا؟!، فقال لهم: ويلكم لقد أنكرتُ السماء والأرض من هذه الليلة، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي حدث، فتفرقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا: ما وجدنا شيئاً، فقال إبليس (عليه اللعنة): أنا لهذا الأمر، فانغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم المكّي، فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة فذهب ليدخل، فصاحوا به ومنعوه فرجع، فقال له جبرئيل (عليه السلام): وراءك لعنك الله، فقال له: أسألك يا جرائيل ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض؟! فقال له: ولد محمد خاتم الأنبياء. عندما سمع إبليس اللعين بذلك سأل جبرئيل: هل لي فيه نصيب؟! ]بمعنى هل أستطيع أن أؤثر على هذا النبي أو أغويه -والعياذ بالله-[ فقال جبرئيل: لا، قال إبليس: ففي أمّته؟ ]ممكن أؤثر على أمته[ قال: نعم، فقال إبليس: رضيت ]هو هذا كافي[، ومنذ ذلك اليوم كان إبليس يعد العدّة للإنقضاض على هذه الأمة المحمدية وإضلالها وتحريف مسارها.
نموذج لرسول الرحمة (صلى الله عليه وآله) في التعامل مع الآخرين
سجل لنا التاريخ بأحرف وكلمات مضيئة كيفيّة تعامل رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله) مع مناوئيه ومحاربيه و كيف أنّه كان يقابل إسائتهم بالإحسان مع أنه قادر وبإشارة واحدة أن يبيدهم كلّهم، بما منحه الله تعالى من الولاية التكوينية حيث تكون تحت إمرته كل الخلائق، ويقول بأمر الله للشئ كن فيكون، لكن هذا النبي العظيم لم يكن ليعاقب بقدر ما كان يعفو ويصفح. كان (صلى الله عليه وآله) في بداية دعوته يتحمّل صنوف الأذى من المشركين وكفار قريش حتى قال بنفسه (روحي فداه): "ما أوذي نبي مثلما أوذيت". ذات مرة خرج إلى الكعبة المشرّفة للصلاة والعبادة، وما إن همّ بالصلاة حتى قام المشركون بأخد سلاجزور ]وهي لفافة قذرة ماعئة وسخة تكون كالمشيمة في بطن الناقة[ قام المشركون بأخد هذه الأوساخ، وبمجرد أن سجد رسول الله كبّوها على رأس وظهره وكتفيه وأخذوا يتضاحكون ويسخرون والنبي (صلى الله عليه وآله) ساجد لا يرفع رأسه. هنا جاءت الصديقة الطاهر فاطمة الزهراء (صلوت الله عليها) فرأت هذا المنظر المؤلم هذا المنظر الذي لا يحتمله قلب أي مؤمن بل أي إنسان عنده ذرة من احترام، ذرّة من ضمير، ذرّة من أخلاق. كيف يقدم المشركون على هذه الإهانة الكبرى لسيد الأنبياء والرسل؟! تألمّت الزهراء وبكت وأسرعت إلى أبيها رسول الله عند الكعبة فطرحت عنه هذه الأوساخ، وأخذت تمسح رأسه وجسده الشريف بأطراف ردائها وهي تشتم المشركين، وتقول ]ما معناه[: "تباً لكم يا أعداء الله، اشتدّ غضب الله على من آذى رسول الله" ما أروع هذا الصبر والتحمّل وممّن؟ من القادر على أن يمحوا كفار قريش كلهم في أقل من طرفة عين، وهنا تظهر العظمة أن يكون الإنسان قادراً على أن يعاقب لكنه يكظم غيضه ويحبس نقمته من أجل الله تعالى، ومن أجل المبادئ التي يعيش من أجلها. هكذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكم تحمل من الأذى وصنوف العذاب؟ ولم يكن يرد عليهم إلا بالخير، كانوا يرمونه بالحجارة الثقيلة في الطرقات حتى يسيل الدم من رأسه الشريف على لحيته وصدره ومع هذا يبقى صابراً على أذاهم، لم يصبر فحسب بل كان يحسن إليهم. فينقل التاريخ أنه في السنة الحادية عشرة من البعثة أصيبت قريش بفاقة ومجاعة شديدة حتى أصبحوا يأكلوا الكلاب الميتة ]إلى هذه الدرجة[ بل ويأكلون الجيف بل وينبشون القبور ليأكلوا أجساد من مضى من الناس ]تخيلّوا أكلوا لحوم البشر بسبب هذه المجاعة[ مجاعة لا مثيل لها في تاريخ مكّة، أدّت بهم إلى أن يأكلوا العلهز والقد ]والعلهز هو وبر الناقة الذي لايتطيّع أحد أن يتجرّعه، أمّا القد فهو الدم اليابس مجرد يابس كانوا يأكلونه إلى هذه الدرجة؛ لسد الجوع تخيلّوا إلى أين وصلت بهم المجاعة؟![ في ذلك العام الكئيب انشغل كفار قريش بالمجاعة عن أذى الرسول (صلى الله عليه وآله) فكفّوا عنه قليلا ولكنهم بعد فترة علموا بأنّه لا حل لهذه المصيبة إلا بالطلب من رسول الله أن يدعوا الله تعالى لكشف العذاب عنهم ونزول الخير عليهم، فتوجّهوا إليه معتذرين عما بدر منهم وسألوه بحق الرحم أن يدعوا لهم لكشف المجاعة، وتصورّوا أن على رأس المطالبين كان أبو سفيان بن حرب (لعنة الله عليه)! انظروا الآن إلى ما فعله رسول الله عندما جاءوه لم يشمت بهم، لم يستهزء بهم، لم يقل لهم هذا جزاء ما صنعتموه بي من قبل من الأذى، لم يتشفّى بهم أبداً بل على العكس من ذلك، بالفعل دعى لهم وإذا بالله تعالى ينزل الآية الكريمة: "إنّا كاشفوا العذاب قليلاً إنّكم عائدون" نعم كان يعلم رسول صلى الله عليه وآله أنه بدعائه هذا لهم سيتم كشف العذاب ولكن عتات قريش وطغاتها سيستمرون في غيهم كان يعلم ذلك كان يعلم أنه بمجرد ما يرتفع عنهم هذا العذاب فأنهم سيعودون إلى أذيته ومحاربته من جديد ولكن وعلى الرغم من هذا دعا لهم واستجاب لهم ونزل الخير عليهم لأنة الرحمة النبوية والرأفة المحمدية تأبيان إلا أن تشملان الكافر والمؤمن بل كل البشرية بل كل الخلائق، كانوا بالأمس هم الذين أدموه وهم الذين ألقوا القاذورات عليه وهم الذين حاربوه وسيكون في الغد كما كانوا في الأمس ولكن هذا النبي العظيم رغم أنه قادر على معاقبتهم يصبر بل ويدعوا لهم ويحسن إليهم حين تنزل بهم تلك النازلة والمصيبة الشديدة. أركزتم بهذا النمودج سيرة وأخلاق رسول الله؟!
كلمة الختام
هذه الليلة ليلة ميلاد أعظم العظماء العظيم رقم واحد بشهادة مفكرين العالم، وهذه الليلة أيضاً ليلة ميلاد شيخ الأئمة المعصومين الإمام جعفر الصادق (صلوت الله عليه) الذي أحيا دين جدّه وحافظ على خطه الأصيل، وهو الرجل الذي حار مفكروا العالم في ما نبع منه من علوم دينية ودنيوية. أقول إن هذه الليلة وهذه المناسبة العظيمة فرصة لأن نراجع أنفسنا ولأن نعود إلى الإسلام الحق إسلام النبي والإمام الصادق، ولأن نعرف العالم بهذا الإسلام بكل همّة ونشاط؛ فإن ذلك لو تحقق على أكمل وجه لرأيناهم يدخلون في دين الله أفواجا، ولوجدنا هذا البلد الذي نعيش فيه الآن دولة مسلمة -في القريب العاجل إن شاء الله- نسأل من الله تعالى أن يرينا اليوم الذي يظهر فيه دينه على الدين كلّه يوم يظهر بقيته على أرضه وحجّته على عباده مولانا الإمام صاحب العصر والزمان (صلوت الله وسلامه عليه) اللهم عجِّل فرجه وسهِّل مخرجه واجعلنا من أتباعه وأنصاره والمستشهدين بين يديه قريبا عاجلا إله الحق آمين وصلى الله على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابواحمد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/19



كتابة تعليق لموضوع : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net