صفحة الكاتب : مير ئاكره يي

العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية ... 1
مير ئاكره يي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

          [ بحث موجز في علم الاجتماع ] 
                   [ الجزء الأول  ] 
 المدخل  : 
_____ 
منذ القدم حتى عصرنا هذا والمجتمعات البشرية تحلم بالعدالة والمساواة الاجتماعية والقانونية فيما بينها وبين الحكام . وقلّما طبّقت العدالة والمساواة تطبيقا وصحيحا في التاريخ كله ، وذلك بسبب جشع الحكام وأنانيتهم وإستبدادهم وطغيانهم وتفرّدهم الدكتاتوري بالسلطة . وقد أرقت المجتمعات البشرية ، في أكثر حقب التاريخ ولا ترال أيّما إرهاق لأجل معضلة السلطة وقضاياها الإشكالية الخطيرة مثل ؛ العدالة والمساواة الاجتماعية والقانونية وتوزيع الثروات الوطنية للشعوب  ، وإنه أريقت في هذا السبيل أنهار من الدموع والدماء ، وإزهاق مالايحصى من الأرواح من بني الانسان . 
وقد يعلّل ذلك الى عوامل عديدة منها ، الفقر والجهل وتدنّي مستويات الحركة التوعوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والسياسية في المجتمعات ، ومن ثم عدم قيام المثقفين دورهم كما ينبغي في المجتمع ، أو المجتمعات بصورة عامة . إذ على عاتق المثقف تقع مسؤليات كبيرة ومهمات حساسة كإشاعة التنوير ونشر الوعي والتعليم والحقائق في مجتمعه  ، لأن المثقف يرى ويشعر قبل غيره بإنحراف الحاكم والحكومة نحو الاستبداد والطغيان والجور وكنز الثروات الوطنية ونهبها . وكذلك فهو قبل غيره بإمكانه تقييم السلطة ووضعها في الميزان ، ثم الخروج بنتيجة قطعية هي ؛ هل إن السلطة عادلة معتدلة ، أم أنها طالحة فاسدة مستبدة  ؟ وهل إن السلطة تحكم بموازين العدل الاجتماعي والمساواة القانونية  ، أم لا ؟ 
على هذا الأساس إنه بالعدل الاجتماعي  ، وبالمساواة القانونية تنتظم الحياة وتتوازن السلطة والحكم والمجتمع وتستقر الأمور ويعم الرخاء ، مع إنتشار الطمأنية والأمن والأمان والسلام والتكافل الاجتماعي ، ثم بها وعبرها تتقدم الأمم والشعوب والحكومات فتتطور وتزدهر وتسلك مدارج الرقي على المستويات كافة . لذا فالعدالة الاجتماعية والمساواة القانونية هما القاعدتان الضروريتان ، بل إنهما أساسيتان تنبني على صرحيهما المجتمعات والحكومات والنظم السياسية والحزبية   . وفي هذا الشأن لا إنفكاك الأولى عن الثانية في عملية تسيير وتسييس أمور المجتمعات والحكومات والأحزاب والثورات وحركات المقاومة . 
ذلك إن العدل الاجتماعي لا يتحقق بدون المساواة ، وبالمقابل فإن المساواة لاتأخذ مداها التطبيقي  - العملي بغياب العدل الاجتماعي ، ومن ثم فكلاهما يرتبطان معا إرتباطا عضويا وثيقا ومباشرا ، وبدون واسطة بالنظام الديمقراطي – الشوري الانتخابي . وعليه فإن العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية هما كالجناحين للطائر . إذ إنه من البديهي اذا أصيب أحد جناحي الطائر أيّ خلل ، أو جرح فإن الطائر – بدون شك – لايتمكن من الطيران والتحليق في الفضاء بحرية ، وقد يموت الطائر اذا لم يتم علاج وتضميد وإصلاح الجناح المكلوم له . 
هذا بالاضافة فإنهما لاينفعان شيئا – أي العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية – اذا كانتا مُجرّد حبرا على ورق ، أو إنها اذا كانت على شكل نظريات جامدة بعيدة عن التطبيق الفعلي والتجسيد العملي الحيّ على الحكام والمجتمعات سواء بسواء  . ان الكثير من الأحزاب والثورات في العالم المنعوت بالثالث ، ناهيك عن الحكومات وربما غالبيتها الساحقة هي غريبة عن المفاهيم العملية التطبيقية للعدالة الاجتماعية والمساواة القانونية ومباديء الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان . 
لهذا نراهم يستبدون بالأمر ويسلكون سبل الطغيان والدكتاتورية في الحكم ، أو إنهم يحكمون بحسب أهوائهم ومآربهم الشخصية – الذاتية والعائلية والعشائرية والحزبية ، مع خرقهم الواضح الفاضح لحقوق الانسان في مجتمعاتهم ، وذلك دون حسيب أو رقيب أو مساءلة من قضاء أو مؤسسة قانونية ، حتى إنهم – جدلا – اذا ما سُئلوا فإنهم يبررون خروقاتهم لحقوق الانسان تحت ذريعة ؛ إنهم في حالة الثورة والمقاومة . لكن الحقيقة إنهم يعتبرون أنفسهم فوق القانون والقضاء والمساءلة والعدالة والمساواة والشعوب ، أي إنهم يرون لذواتهم صفات مافوقية وإستثنائية جدا . وهنا نتساءل ؛ هل على الثورة والمقاومة أن تأكل أبناءها المختلفين معها !؟ وهل على الحزب والثورة أن تستبد وتصادر الحريات وتناقض حقوق الانسان سياسيا وثقافيا وإنسانيا !؟ . 
بالحقيقة إن هذا النمط من الحكام والرؤساء يخالفون حتى المباديء التي قامت عليها أحزابهم ومقاوماتهم وثوراتهم كالحرية والديمقراطية ومباديء حقوق الانسان والعدالة والمساواة  ، لأنه من البداهة إن المقاومة والثورة لاتقوم إلاّ من أجل حقوق الناس المهضومة والمسلوبة ، ولهدف تحقيق العدل والمساواة والكرامة المنتهكة لهم ، وهؤلاء الناس هم الشعب المعتدى عليه من قبل دولة أجنبية أقدمت على إحتلال بلاده والشروع في الظلم والاضطهاد والاستغلال لأصحاب الوطن الواقع تحت حراب الاحتلال وقبضته . وهذه بطبيعة الحال كلها خروقات صارخة لحقوق الانسان وكرامته وإنسانيته  ، لكن لماذا مدّعي الثورات يقومون بنفس الخروقات تجاه مواطنيهم !؟ 
تأسيسا لما جاء فإن تعرّض إنسان واحد ، في أيّ نظام ، أو ثورة ، أو حزب بسبب آرائه وإجتهاداته المعارضة للإضطهاد والقمع ، أو التصفية الجسدية يُعد خرقا كبيرا لحقوق الانسان . وكذلك فإنها تعتبر جريمة يحاسب عليها القانون . وفي هذا السياق فإنه من المتناقضات العجيبة هو كيف يسمح أناس لأنفسهم بإضطهاد آخرين وهم في الوقت ذاته كانوا – وربما مازالوا ! – ضحية الاضطهاد والظلم والقهر والقمع والعدوان والجور !؟ . لكن لمزيد من الأسى الشديد فإن الكثير من الناس المعارضين رجالا ونساء تعرّضوا – وما زالوا – للقمع والاضطهاد ، أو للاعتقال الطويل الأمد ، أو للاغتيال والتصفية الجسدية لمجرد إنهم لا يُفكّرون مثل تفكير السادة القادة ، أو لأنه لهم آراء مختلفة ومعارضة نقدية ! . 
وكما أشرنا فإن هؤلاء الرؤساء برّروا خروقاتهم البشعة السابقة ، وإنهم مازالوا يبررون خروقاتهم الرهيبة لحقوق الانسان ، وإنهم يُمررون إستبدادهم ومافوقيتهم إنهم مازالوا في حالة الثورة ، أو إنهم لم يصلوا للحكم والحكومة ، أو إنهم لم يحققوا الاستقلال بعد ، أو إن الظروف الكذائية والفلانية حرجة وحساسة . أما إن الحقيقة هي إن هذه الذرائع كلها واهية وباطلة من الأساس ، وإنها لاتصمد مطلقا أمام مباديء العدل والمساواة وحقوق الانسان وقيمها الواضحة . ذلك إن الحزب ، أو الثورة التي تصادر الحريات وتُكمّم الأفواه ةتناقض حقوق الانسان في مجتمعها ، مع عدم إهتمامها أصلا لكرامة الناس وإنسانيتهم وحقوقهم . علاوة عدم إلتزامها بالديمقراطية وتبادل الحكم والرئاسة وتوزيع ثروات المجتمع بشكل عادل ، وذلك بحجة إنهم مازالوا في حالة ثورة ، أو إن الظروف لاتسمح كما ورد آنفا ! . 
إن قضايا الديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الانسان ، وفي مقدمتها التبادل الصحيح والسلس والقانوني للحكم والرئاسة والفصل التام بين نظام الحكم من جهة ، وبين الحزبية والتحزب والشخصانية والعشائرية والعائلية من جهة ثانية لاتتحمّل التأجيل والإرجاء ، وإنها لا تقبل الأعاذير والمماطلة كذلك سواء كان المجتمع في حالة الثورة أو غيرها ، لأن المفاهيم المذكورة كالعدل والحرية والمساواة وحقوق الانسان وكرامته لاتتغير ولاتتبدل في جميع الحالات . لكن الحقيقة هي إنه من شبّ وترعرع على الاستبداد شاب عليه ، لأنه يصبح عنده كالعادة قد يصعب علاجها ، وبخاصة في مجتمع يفتقد الى مؤسسات توقف الحاكم الطاغية المستبد عند حده وحدوده . وفي هذا المعنى يقول الدكتور على الوردي :[ الانسان هو الانسان في كل زمان ومكان . وصديقك الذي تستعذب حديثه وتستطيب مظهره وأدبه ، قد يكون من أظلم الناس اذا تولى زمام الحكم . هو الآن طيب ، لأنه بعيد من مباهج الحكم . وأنت لاتدري ماذا سوف يفعل اذا جلس على الكرسي وحفّ به الجلاوزة من كل جانب ] (1) . 
إذن ، فإنه لايجوز أبدا لحركات المقاومة والاحزاب والثورات ، ولا تحت أيّ ذريعة أن تتشبث بالأعذار من تطبيق وتفعيل قضايا حقوق الانسان والعدل الاجتماعي والمساواة القانونية ، وفي المضي في طريق التغيير والاصلاح والتجديد ، لأن الحضارة والمدنية والحكم العادل الصالح لايقوم ولايُؤسس إلاّ على القيم والحقائق المذكورة ، ومثلما تقول الحكمة التاريخية :[ العدل هو أساس المُلك ] ! . 
لهذا كله جاء هذا البحث الموجز في علم الاجتماع ليتحدث حول المعاني البالغة والفلسفة العظيمة لقيمة العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية بين المواطنين بدون أيّ إستثناء . وذلك لما لها من أهمية أساسية وحيوية ومصيرية في حياة المجتمعات البشرية قديما وحديثا .لكن لأجل الأنانية المفرطة وعبادة الذات وعروش الرئاسة ونهب ثروات الناس الوطنية فإن كثيرا من الحكام والرؤساء لايحكمون بالعدل والاعتدال والمساواة والديمقراطية ، والآمثلة القريبة والبعيدة خير شواهدة على ذلك . وفي هذا الصدد يقول أبي العتاهية الشاعر : 
[ حب الرئاسة أطغى من على الأرض *** حتى بغى بعضهم على بعض ] (2) . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مير ئاكره يي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/17



كتابة تعليق لموضوع : العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية ... 1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net