صفحة الكاتب : ابواحمد الكعبي

لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتّبع المطامع
ابواحمد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 قال الله تبارك وتعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) الشورى، آية 13
هذه الآية الكريمة تبين لنا أنّ المهمة الأساسية والوظيفة الرئيسية لأنبياء الله العظام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولاسيما نبينا الخاتم صلى الله عليه وآله بدلالة قوله تعالى (والذي أوحينا إليك) ـ أي اليك يارسول الله ـ إنما هي هذه الوظيفة وهي إقامة الدين (أن أقيموا الدين)، ولاشك أنّ كل من يلجُ في سلك التبليغ الديني ويطلع بمهمة الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى، سواءاً كان عالما أو خطيبا أو كاتبا أو من أشبه، ل اشك أنه إنما يطلع بتلك المهمة لأجل هذا الهدف وهذه المهمة (إقامة الدين) . العلماء يعتبرون أنفسهم خلفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنّ هنالك أحاديث وردت في ذلك الشأن،وكذلك الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر يُعتبرون خلفاء أيضا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. ولاشك أنّ خليفة رسول الله في هذا الشأن يجب أن يكون هدفه هو هدف رسول الله المتمثل في (إقامة الدين). لو سُئل أي خطيب (لماذا تخطب؟) لقال: هدفي من الخطابة هو إقامة الدين. أخطب كي يتوعى الناس فيُقام دين الله تبارك وتعالى على أكمل وجه في الأرض..
هنا لابد من التركيز على نقطة وهي أنّ إقامة الدين أمر له شرائط أساسية. ليس لكل أحد أن يسعى لإقامة الدين، ولا يتأتى لكل أحد ذلك، هنالك شرائط وصفات إذا ما تحققت في هذا الساعي لإقامة الدين أو هذا المبلغ، هذا العالم ،هذا العامل، هذا الناشط الديني فإن هدفه يتحقق أو على الأقل يضمن تحقق الصدق وخلوص النية في مسعاه. أما إذا لم يلتزم بهذه الشروط فهو إما أنّه رجل يخدع نفسه فيتوهم ويظن في نفسه بأنه يقيم الدين ويدعو له، وإما أنه يخدع الناس ويُلبّس عليهم..
هذه مسألة يجب أن تكونوا جميعا مدركين لها تمام الإدراك. لماذا؟ حتى لا تقعوا ـ لا سمح الله ـ في هذا الفخ.
حتى لايتوهم أحدكم إذا ما تصدى لمهمة التبليغ أنه يقيم دين الله تعالى لكنه واقعا لايقيمه لأنه يفتقد الشرائط التي تجعل دعوته مصداقا لإقامة الدين، وحتى لاتُخدعوا بمن يزعم بأنه يسعى لإقامة الدين وما هو كذلك.
ماهي تلك الشرائط؟
(الشرائط) تجدونها في كلمة درية، متلألئة من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في حكمه القصار وكل كلماته مضيئة.. تلك الكلمة الدُريّة تجدونها في أواخرنهج البلاغة.
هناك يقول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتّبع المطامع)
هنا يبين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنّ من يقيم دين الله تعالى لابد أن تتوفر فيه ثلاث خلال وشرائط
الصفة الأولى: رجل لا (يصانع) أي لا يجامل، لا يداهن، لا يداري على حساب الحق ويجعله سلعة يساوم ويصانع عليها.
هذا الذي تجده يجامل ويزعم بأنه يسعى لإقامة دين الله فقل له أنت كاذب فالذي يسعى لإقامة دين الله لا يصانع ولا يجامل. هكذا يقول أمير المؤمنين سلام الله عليه.
الصفة الثانية: رجل (لا يضارع) فما معنى ذلك؟
الجذر اللغوي للمفردة هو ضرعَ يضرع ضراعةً أي ذلّ وخضع ، ومنه ضارعَ: أي شابه وماثل.
فنخلص الى أنّ الفعل ضارعَ ومنه المضارعة يعني الخضوع على نحو(المشاكلة والمشابهة) للاخرين والمحاكاة لباطلهم ومسايرتهم.
أنت حين تقول أنا أتضرع لله أي أتخضع و أذل نفسي لله..
فالمؤمن الحقيقي لا( يضرَعُ) ولا (يُضارع)
الرجل الذي لا يَضرع هو ذلك الذي لا يخضع لأحد، هو ذلك الذي يمد رقبته للسيف في سبيل الحق ، هو ذلك الذي حمل روحه على كفه ومضى داعيا الى سبيل ربه لا يخشى في الله لومة لائم.. فلا تصدق من يدّعي أنه يسعى لإقامة الدين إذا ما وجدته رجلا يضرع و يخضع لحاكم أو لسلطان أو لثري ، وما أكثر المعممين الذي يخضعون للأثرياء.
هذا الخضوع ليس لصاحب سيف حتى يُقال تقية مثلا بل للدينار والدرهم.
المؤمن ايضا (لا يضارع) فهو لا يخضع للاخرين فيركب موجة تياراتهم ويسعى لالغاء الفروق بينه وبينهم ليكون متجانسا ومنسجما معهم وغير مختلف عنهم فيكون بهذا مشابها ومشاكلا لهم! فتضيع هويته ويصبح هجينا..
بعض العمائم الانبطاحية المنهزمة تخضع للمزاج العام للتيار السائد و للطائفة المتسيدة لكي تحفظ مركزها ومصالحها ومكانتها الاجتماعية، فهذا الصنف ممن يدّعون السعي لإقامة الدين هم أيضا صنف كاذب بنص أمير المؤمنين عليه السلام.
الصفة الثالثة: رجل (لا يتّبع المطامع).
أي أنّه رجل لاطمع له بمال أو منصب أو جاه أو شيء من حطام الدنيا ولا يسعى وراء الشهرة كأن يطمع بالمرجعية سعيا لإرضاء الأنا والذات أو طلبا للشهرة.
في الآونة الاخيرة قد شهدتم في هذا الزمن البائس نموذجا حيا لشخص هو مصداق للرجل الطامع بالمرجعية حيث أنّ منطقه تفوح منه رائحة طغيان الأنا والذات..
أنا من أمتلك كاريزما لا يتمتع بها أحد غيري، أنا الأعلم، أنا المرجع الذي يستحق أن يرجع إليّ الناس لا تلك المرجعيات البائسة المقصورة على الفقه والاصول و التي تعلن مرجعيتها إذاعة البي بي سي و إذاعة المونت كارلو.
أنا وأنا وأنا ..
وفق المروي عن مولانا علي عليهم السلام : (حسبك من العلم أن تخشى الله، وحسبك من الجهل أن تُعجب
بعلمك).. فإذاً هذا طامع بالمرجعية، وقد قلنا سابقا أنّ المراجع العدول تأتيهم المرجعية لا هم من يسعون إليها ويركضون خلفها، وهذه سيرة العلماء الأبرارالعدول الاتقياء فهم لا يخططون لنيل المرجعية بل هي تأتيهم وتطلبهم وتُفرض عليهم فرضا، ولا تجد الواحد منهم هو من يخطط للوصول الى المرجعية وتبوّئها، فمن تجد في نبرته و سلوكه سلوك الطامع بهذا المقام فهو ليس صادقا في زعمه أنه يسعى لإقامة دين الله عز وجل حسب شرط أمير المؤمنين عليه السلام ( ولا يتّبع المطامع). أي لا يلهث وراء شيء من عرض الدنيا ..
هذه الكلمة العلوية المقدسة اجعلها نبراسا وميزانا لك أيها المؤمن و زِن بها كل المدعين.
إذا وجدت احدا ممن يتصدى للدعوة ويدعى السعي لإقامة دين الله كان على خلاف شرائط وموازين هذه الكلمة في سلوكه وعمله فاعزله وأسقطه عن الاعتبار. أما إذا انطبقت على رجل فاجعله على رأسك لأنه بالفعل صادق يسعى لإقامة دين الله.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابواحمد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/29



كتابة تعليق لموضوع : لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع، ولا يضارع، ولا يتّبع المطامع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : محمد ، في 2015/04/17 .

يضارع




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net