في العاشر من ديسمبر من كل عام يحيي العالم أجمع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حينما أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1950م ذلك، وفي هذا العام يأخذ يوم حقوق الإنسان لعام 2013 أهمية خاصة حينما يُحتفل فيه بالذكرى السنوية العشرين لإنشاء ولاية المفوض السامي لحقوق الإنسان.
وقد عملت الجمعية العامة للأمم المتحدة بناء على توصية من وفود المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عُقد في فيينا في 1993، وأنشأت الجمعية العامة ولاية المفوض السامي لتعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان في كانون الأول/ديسمبر 1993.
وقد سجل إعلان وبرنامج عمل فيينا اللذان اعتمدهما المؤتمر العالمي – بداية من الجهد المتجدد في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وتعتبر واحدة من الوثائق الأكثر أهمية في ربع القرن الماضي في مجال حقوق الإنسان.
ويدين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كل أشكال التمييز بين البشر وما قد ينشأ عن ذلك التمييز والتحيز في التعامل من أضرار بدنية أو نفسية أو أي شعور بالمهانة أو استنقاص للإنسان.
وتقوم فلسفة هذا الإعلان في الحرص على ضرورة القضاء على كل أشكال معاناة البشر في العالم المعاصر، الذي يوصف أحياناً بأنه عالم ما بعد الإنسانية Post-Human World، من أجل الكشف عن مظاهر وأسباب تلك المعاناة والتخفيف من وطأتها ومعالجتها.
ولعل خير من يصف كثيرا من التجاوزات في حقوق الإنسان، هو ما ذكره العالم في القانون أبندرا باكسي في كتابه:»مستقبل حقوق الإنسان»، حينما تحدث عن مفارقة عجيبة، قائلاً، ما مضمونه، أن ظاهرة حقوق الإنسان نجد أن الجميع يتفق على مبادئها ومحتواها، ويكتب ويمدح في إعلانها، ويجدها الجميع التزامات أخلاقية، إضافة إلى كونها مبادئ ونظم قانونية وإنسانية، ولكن من جهة أخرى تواجه هذه الحقوق بكثير من التعديات والتجاوزات أو الاستهانة والاستخفاف، لدرجة أن هناك من يسعى في طروحاته الفكرية إلى تمييع هذه المبادئ، وتسويق أفكار قد تعطلها أو تقف مقابلها.
وحين تبرز قضية حقوق الإنسان، فإنها تُعنَى بكل حقوق قد ترتبط بشكل أو بآخر في إطار العلاقات البشرية، وهذه الرسالة توسع من دائرة الاهتمام سواء على مستوى الدول أو على مستوى الشعوب بمبادئ حقوق الإنسان عالمياً.
إن اتساع قاعدة حقوق الإنسان خلال العقود الأخيرة يأتي نتيجة تعقد الحياة الاجتماعية وتفرع الروابط الثقافية، وتشابك العلاقات السياسية، وتعارض المصالح الاقتصادية على مستوى العالم، هذا من جهة، أما من جانب آخر فإن سقوط كثير من الحواجز الجغرافية نتيجة معطيات العولمة، جعلت من البلدان تقلق بخصوص هوياتها الثقافية والاجتماعية.
وفي هذا العصر، ومع عودة موجات العنف ضد الإنسان بكل تمثلاته وصوره، فإن قضية حقوق الإنسان باتت في وضع يتعرض لنزعات أكثر عنفاً.
وإزاء هذه الظروف المعقدة، والمشكلات الجديدة المرتبطة بها، ترتفع الأصوات من جميع المهتمين من مفكرين ومثقفين لتوفير ضمانات رصينة يتوفر من خلالها المحافظة على حقوق الإنسان، وبضرورة إعمال فكر التسامح والتعايش، الذي يذكرنا به دائماً أحد أشهر الشخصيات الداعية لحقوق الإنسان، وهو الراحل نيلسون مانديلا.
إن الدور الذي تضطلع به وسائل الإعلام التقليدي مهم، لكن الواقع بحاجة إلى مواكبة حديثة عبر تقنيات الإعلام الحديث، واستثمار كل ذلك لنشر مبادئ الحب والتسامح والسلام، من خلال تنمية مناطق الوعي الإنساني، وإثراء مشاعر احترام الذات عبر احترام الآخرين وقبولهم، والسعي على التعرف على المشتركات الثقافية معرفياً وإنسانياً.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٧٤٧) صفحة (١٤) بتاريخ (٢٠-١٢-٢٠١٣ )
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat