صفحة الكاتب : عادل الجبوري

انتفاضة اذار .. العبر والدروس
عادل الجبوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
  تعد انتفاضة اذار –شعبان قبل عشرين عاما بما حفلت به من احداث ووقائع مختلفة في ابعادها ومعطياتها ونتائجها واحدة من ابرز واهم نقاط التحول والمنعطفات التأريخية في مسيرة الصراع السياسي بين السلطة الحاكمة المتمثلة بنظام الحكم الصدامي العفلقي من جهة، والشعب العراقي من جهة ثانية.
   هذا من جانب، ومن جانب اخر كانت بحد ذاتها فرصة ومناسبة للكشف عن الوجه الاجرامي الدموي لنظام المقبور صدام، الذي نجح لسنين طويلة في التغطية على الكثير من ممارساته والحرص على عدم اطلاع الرأي العام العالمي والعربي والاسلامي والعراقي على أي منها.
   ونحن نعيش الذكرى السنوية العشرين لتلك الانتفاضة، فأنه لابد من الاشارة الى عوامل داخلية وخارجية اجتمعت وساهمت في اندلاعها، وكذلك في توجيه مساراتها، وصياغة نتائجها ومعطياتها.
   ويمكن القول في سياق تناول العوامل الداخلية التي ساهمت في اندلاع انتفاضة اذار- شعبان المباركة، ان الاخيرة شكلت في واقع الامر استمرارا وتواصلا مع حركات وانتفاضات اخرى سابقة لها مثل انتفاضة الامام محسن الحكيم في العاصمة بغداد بعد استحواذ العفالقة على السلطة في السابع عشر من شهر تموز-يوليو من عام 1968، وانتفاضة صفر في عام 1977، وانتفاضة رجب في عام 1979، ومجمل التحرك السياسي الجهادي الذي تبناه الشهيد السعيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر وكوادر جهادية خيرة من اوساط الحوزة العلمية والجامعات ومختلف شرائح المجتمع العراقي.
   مضافا الى ذلك فأن العمل السياسي والجهادي المعارض خارج العراق الذي انطلق في بداية عقد الثمانينات بقوة وزخم اكبر مما كان عليه قبل ذلك الوقت، وكانت له امتدادات واسعة في جنوب وشمال وحتى وسط العراق، ساهم ذلك العمل السياسي والجهادي الى حد كبير في تهيئة الارضيات المناسبة لتحرك شعبي وجماهيري شامل ضد نظام الحكم، واضطلع شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم بدور ريادي فاعل ومؤثر في تلك المرحلة برزت مصاديقه بوضوح اكبر في مراحل لاحقة.
   فالاساليب القمعية والاستبدادية التي انتهجها النظام البائد، القائمة على التنكيل بأبشع الصور بكل من يبدي ادنى معارضة او رفض لذلك النظام، وافتعال الحروب الداخلية والخارجية، وتبديد موارد البلاد وثرواتها، والتصفيات الجسدية للطاقات والكوادر والكفاءات العلمية المختلفة ، وانتهاك حرمة المقدسات الدينية، وغيرها من الممارسات والاساليب التي ربما لم يشهد تأريخ البشرية لها مثيلا من حيث مستوى دمويتها وطبيعتها الاجرامية. 
   وكل ذلك ادى الى تزايد مديات الرفض الجماهيري للنظام، وتضخم حالات الاحتقان لدى مختلف الاوساط الشعبية، وتحين الفرصة المناسبة للانقضاض على ذلك النظام، وكانت احداث ووقائع حرب تحرير الكويت ونتائجها العامل الخارجي المهم الذي ادى الى اندلاع الانتفاضة الشعبانية، ومثل عاملا مكملا ومتمما لجملة العوامل والظروف الداخلية المشار الى بعضها انفا.
  فغزو دولة الكويت من قبل النظام الصدامي البائد في صيف عام 1990 انطلاقا من حجج وذرائع واهية، ومن ثم حرب تحريرها في شتاء وربيع عام 1991، خلق ظروفا عالمية تجاوزت الجغرافية العراقية مهدت وهيأت الاجواء والمناخات الداخلية بدرجة اكبر لاي تحرك شعبي ضد نظام صدام، وهكذا كانت الانتفاضة التي انطلقت شرارتها الاولى مع اعلان صدام اذعانه وقبلوه واستسلامه للشروط المذلة والمهينة التي وضعتها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، حيث كانت خيمة صفوان شاهدا على ذلك الاذعان والخنوع والقبول والاستسلام المخزي والمهين والمذل بأوضح صوره.
   ومثلما يقال فأن انتفاضة اذار-شعبان لم تكن حدثا منفصلا وقائما بذاته وإنما كانت نتيجة طبيعية لمعاناة شعب امتدت سنيناً، لذا جاءت تعبيرا صادقاً قويا وسريعا عن الرفض الكامل لحالات الإحباط التي قادت إلى رغبة أكيدة في تمزيق القيود التي كبلت أبناء الشعب، فتاريخ شعبنا هو سلسلة من المواقف البطولية التي اتسمت بالتضحيات الجسام من أجل عزته وصون كرامته، وكانت الانتفاضة تعميدا بالدم لرفض أساليب الدكتاتورية وحكمها البغيض.
   واهم ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو التأكيد على حقيقة العوامل والمسببات التي هيأت وبلورت مناخا سياسيا وفكريا ونفسيا للانطلاق بقوة نحو التغيير وآفاقه، كذلك لا بد من القول إن قرار الانسحاب وما رافقه من تأثيرات سلبية مباشرة أسهمت في إمكانية إنضاج التهيؤ الثوري الحاسم لتحطيم حاجز الخوف والبدء بتصعيد الفعالية الجماهرية للشعب للوصول إلى تحقيق الهدف المرجو، وبهذا الصدد، يمكننا أن نشير إلى أن الوقائع والدروس المستخلصة من الأحداث الكبرى والحروب عبر العقود الماضية وما تؤكده أيضا مسيرة التاريخ بأن الهزائم والمآسي التي تلحق بالشعوب بسبب إستهتار الأنظمة الديكتاتورية تتمخض عن تغييرات جوهرية في كيانات تلك الأنظمة . وإذا كانت الهزيمة أمرا مرفوضا لا يليق بالرجال أن يستسلموا لها وان الفشل عيب يجب تلافي أسبابه قبل حدوثها، فإن صدام حسين يبقى المسؤول الأول عما لحق بالجيش العراقي من إنكسار وما ترتب عليه من تقييد لحرية العراق وسيادته الوطنية وجعله عرضة للتقسيم والتشرذم.
   ومثلما صورت الانتفاضة حقيقة موقف الشعب العراقي من النظام المفروض عليه، والشجاعة والجرأة والاقدام التي يتحلى بها هذا الشعب واستعداده الكبير للتضحية، فأنها صورت حقيقة وطبيعة ذلك النظام الذي لم يتورع عن اللجوء الى كل الوسائل والاساليب الارهابية ضد الشعب ليبقى رأس النظام متربعا على عرش السلطة الخاوي، ويبقى ذلك النظام بمؤسساته المختلفة قائما حتى وان على جبال من جماجم وجثث الملايين من ابناء هذا الشعب، او في خضم بحر من دمائهم الطاهرة، وهكذا كان بفعل مصالح وحسابات اقليمية ودولية بعيدة كل البعد عن المعايير والاعتبارات الانسانية، الا ان بقاء النظام وعدم سقوطه من خلال انتفاضة اذار-شعبان، لم يكن انتهاء الانتفاضة فشلا لها، ولا كان افلات النظام من ملاقاة مصيره الاسود نجاحا له، والوقائع والاحداث اللاحقة اثبتت واكدت ذلك.  
 
                                                      
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عادل الجبوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/13



كتابة تعليق لموضوع : انتفاضة اذار .. العبر والدروس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net