بصائر عاشورية 3 (حس المسؤولية بين الجبر والتفويض)
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
<<< بصائر عاشورية >>>
الحلقة الثالثة
( حس المسؤولية بين الجبر والتفويض )
الكثير عندما يسمع الوعد الالهيع والتقادير الإلهية بأمر يترقب من ذلك متى تقع ومتى تحصل.. كيف لا وقد قدر الله قدر حتم وقضى قضاء إبرام أن الأمر المعين واقع لا محالة. فليس منا إلا الإنتظار بمعنى التفرج والترقب.
وإليك نماذج من الوعد الالهي :
1- ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وإقامة دولة العدل والقسط.
2- ان الله سيظهر هذا الدين (على الدين كله ولو كره المشركون).
3- ان الشهادة محتومة على سيد الشهداء (عليه السلام)، فما بال هذه المكابدة منه في مواجهة بني أمية.
4 – ان الملك الظالم له أجل لا يتقدم ولا يتأخر كما ورد في الروايات ولو طاولته الجبال لطاولها.
وغير ذلك من الموارد…
والحال ان الأمور لم تقرر في سنة الله تعالى التكوينية على الجبر، كما ان المقادير لم تبنى في التقدير الإلهي على الإلجاء، بل هي أمر بين أمرين، كما انها لم تبنى على تفويضها بيد العباد بل على سنة الإختيار وهيمنة المشيئة الإلهية، وهذه الهيمنة لا تبيد الإختيار للإنسان.وهذه السنة في كل الامور فان اختيار الإنسان أيضاً هو من التقادير غير المنافية لنفس الاختيار.
ألا ترى كيف أن النبي يونس أنذر قومه بالعذاب ولما شارف عليهم فلم ييأسوا ولم يستسلموا لإنقطاع الأمل بل بادروا للأمل برحمة الله وتضرعوا بعد أن أرشدهم إلى ذلك علمائهم — كيف انجلى عنهم ماكان مبرما من القضاء وحتما من القدر؟!
ومن ثم كانت عقيدة البداء من أعظم الثوابت الإعتقادية في التوحيد؛ لأن عمق البداء ترسيخ لحقيقة الإختيار من الأمر بين الأمرين “لا جبر ولا تفويض” وهذه المعادلة بحر مواج ومحيط مترامي الآفاق، فليس قبل وقوع المحتوم المبرم سد لباب النشاط والفاعلية والحركة والأمل، وكذلك لاحظ ان سيد الانبياء (صلى الله عليه وآله) موعود بالنصر والتأييد، وصِف منذ نزول الكتب السابقة على الأنبياء “بالمنصور المؤيد” لكن ذلك لم يعني تأييده ونصره من الله تعالى كله بنحو الإعجاز والإلجاء من فعل السماء إذاً لبطلت سنة الامتحان، بل قام صلى الله عليه وآله بأعظم المثابرة والسعي وجاهد في الله حق الجهاد ومر بمكابدة زلازل عظيمة في مواجهة الأعداء والخصوم ولم يكن ماقدر له وقضي شرب ماء مستساغ سهل يسير، بل عناء تتفطر منه الجبال وتنشق من ثقله الأرض.
فمن ههنا وغيره من المشاهد للأنبياء والرسل القرآنية والروائية والتاريخية تتجلى الصورة واضحة ان قراءة الوعد الإلهي في الوحي بقراءة قدرية و بجبرية وقوع الأمور هي تفسير باطل، بل لسان الوحي في الآيات والروايات من الوعد الإلهي أو الإنباء بوقوع أمور هو لبيان جانب نفي التفويض وان الأمر والأمور ليست كلها بيد البشر والعباد والخلق بل جانب هيمني منها بيده تعالى، بل الأمر كله بيده تعالى لكن لا بمعنى إجبار العباد على المقادير بل تجري مقاديره من قنوات اختيار وأفعال البشر والخلق.
و على ذلك فتحمل المسؤولية هي لباب غاية عقيدة لا جبر ولا تفويض إنما هو أمر بين أمرين وهو الثمرة لعقيدة البداء، وان لا مبرر للتقاعس والتخاذل والتقهقر والجمود والهروب من عبأ المسؤولية وثقلها.
وعلى ضوء ذلك فأي قراءة لنص ديني أو لعقيدة راسخة بتفسير قدري ومسلك القدرية المتملص من المسؤولية فإنه مرفوض زيغ عن طريق الهدى.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
مكتب سماحة آية الله الشيخ محمد السند (دام ظله)

<<< بصائر عاشورية >>>
الحلقة الثالثة
( حس المسؤولية بين الجبر والتفويض )
الكثير عندما يسمع الوعد الالهيع والتقادير الإلهية بأمر يترقب من ذلك متى تقع ومتى تحصل.. كيف لا وقد قدر الله قدر حتم وقضى قضاء إبرام أن الأمر المعين واقع لا محالة. فليس منا إلا الإنتظار بمعنى التفرج والترقب.
وإليك نماذج من الوعد الالهي :
1- ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وإقامة دولة العدل والقسط.
2- ان الله سيظهر هذا الدين (على الدين كله ولو كره المشركون).
3- ان الشهادة محتومة على سيد الشهداء (عليه السلام)، فما بال هذه المكابدة منه في مواجهة بني أمية.
4 – ان الملك الظالم له أجل لا يتقدم ولا يتأخر كما ورد في الروايات ولو طاولته الجبال لطاولها.
وغير ذلك من الموارد…
والحال ان الأمور لم تقرر في سنة الله تعالى التكوينية على الجبر، كما ان المقادير لم تبنى في التقدير الإلهي على الإلجاء، بل هي أمر بين أمرين، كما انها لم تبنى على تفويضها بيد العباد بل على سنة الإختيار وهيمنة المشيئة الإلهية، وهذه الهيمنة لا تبيد الإختيار للإنسان.وهذه السنة في كل الامور فان اختيار الإنسان أيضاً هو من التقادير غير المنافية لنفس الاختيار.
ألا ترى كيف أن النبي يونس أنذر قومه بالعذاب ولما شارف عليهم فلم ييأسوا ولم يستسلموا لإنقطاع الأمل بل بادروا للأمل برحمة الله وتضرعوا بعد أن أرشدهم إلى ذلك علمائهم — كيف انجلى عنهم ماكان مبرما من القضاء وحتما من القدر؟!
ومن ثم كانت عقيدة البداء من أعظم الثوابت الإعتقادية في التوحيد؛ لأن عمق البداء ترسيخ لحقيقة الإختيار من الأمر بين الأمرين “لا جبر ولا تفويض” وهذه المعادلة بحر مواج ومحيط مترامي الآفاق، فليس قبل وقوع المحتوم المبرم سد لباب النشاط والفاعلية والحركة والأمل، وكذلك لاحظ ان سيد الانبياء (صلى الله عليه وآله) موعود بالنصر والتأييد، وصِف منذ نزول الكتب السابقة على الأنبياء “بالمنصور المؤيد” لكن ذلك لم يعني تأييده ونصره من الله تعالى كله بنحو الإعجاز والإلجاء من فعل السماء إذاً لبطلت سنة الامتحان، بل قام صلى الله عليه وآله بأعظم المثابرة والسعي وجاهد في الله حق الجهاد ومر بمكابدة زلازل عظيمة في مواجهة الأعداء والخصوم ولم يكن ماقدر له وقضي شرب ماء مستساغ سهل يسير، بل عناء تتفطر منه الجبال وتنشق من ثقله الأرض.
فمن ههنا وغيره من المشاهد للأنبياء والرسل القرآنية والروائية والتاريخية تتجلى الصورة واضحة ان قراءة الوعد الإلهي في الوحي بقراءة قدرية و بجبرية وقوع الأمور هي تفسير باطل، بل لسان الوحي في الآيات والروايات من الوعد الإلهي أو الإنباء بوقوع أمور هو لبيان جانب نفي التفويض وان الأمر والأمور ليست كلها بيد البشر والعباد والخلق بل جانب هيمني منها بيده تعالى، بل الأمر كله بيده تعالى لكن لا بمعنى إجبار العباد على المقادير بل تجري مقاديره من قنوات اختيار وأفعال البشر والخلق.
و على ذلك فتحمل المسؤولية هي لباب غاية عقيدة لا جبر ولا تفويض إنما هو أمر بين أمرين وهو الثمرة لعقيدة البداء، وان لا مبرر للتقاعس والتخاذل والتقهقر والجمود والهروب من عبأ المسؤولية وثقلها.
وعلى ضوء ذلك فأي قراءة لنص ديني أو لعقيدة راسخة بتفسير قدري ومسلك القدرية المتملص من المسؤولية فإنه مرفوض زيغ عن طريق الهدى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat