البحرين ضد البحرين ؟!
كاظم فنجان الحمامي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
للبحرين وقع خاص في قلبي, ولها منذ طفولتي ذكريات جميلة لا تنسى, وكانت آخر زياراتي لها قبل بضعة أعوام, ولا أغالي إذا قلت أنها الأقرب إلى الروح والقلب, ولا تغيب عن البال أبدا مهما تباعدت المسافات بيني وبينها.
أشعر حينما أتجول بين ربوعها أنني بين أهلي وأحبائي, فالبحرينيون يتصرفون مع ضيوفهم بعفوية مطلقة, ومن دون تكلف, ويغلب عليهم طابع السخاء والكرم والهدوء والبساطة, ويتميزون بالصدق والأمانة ودماثة الخلق الرفيع. يجمعهم الود والوئام في إطار العائلة البحرينية المنسجمة المتكاتفة المتحابة, وان من تسنح له فرصة التجوال في (المحرق) سيشعر انه يتجول في بساتين (أبي الخصيب), وكما لو كان يتنقل بين سواقيها الملتوية, ويعبر فوق قناطرها المبنية من جذوع الأشجار, وان من يتأمل غابات النخيل المزدانة بقاماتها السامقة حول ينابيع البحرين وعيونها المتدفقة بالماء الزلال, يحس انه ينظر إلى غابات (الفداغية) و(المعامر) و(المخراق) وكل البساتين المتناثرة على ضفاف شط العرب, فلا فرق عندي أبدا بين ضواحي المنامة وضواحي البصرة.
البحرين حديقة الخليج العربي, وبستانه الطبيعي, ونافذته التاريخية المطلة على مرافئ الحضارة السومرية العريقة, وهي على صغرها ورشاقتها وقلة مواردها, أجمل عندي من جزر القمر, بل هي أجمل من القمر نفسه.
لكنها للأسف الشديد لم تنج من الإصابة بفيروسات العنف والشحن والتحريض, وتأثرت مراسيها بزوابع الاستنفار الإعلامي, وسموم الفضائيات التي مارست تأجيجا مضرا باستقرار البلد, فتحولت الفضائيات المغرضة إلى منابر لبث الفتنة, حتى جاء اليوم المشئوم الذي شاهدنا فيه المواجهات, التي وقفت فيها البحرين ضد البحرين في دوار اللؤلؤة, وكيف تخندقت ضد نفسها, ثم وقع ما لم يكن بالحسبان, في ظل الفتنة, التي افتعلتها الفضائيات والصحف الخبيثة لتأجيج الأوضاع القلقة, ولخلق حالة من العداء الطائفي بين البحرين وأهلها, وإقحام الشعب المسالم في خنادق التوتر السياسي القائم بين إيران وأمريكا, فتسللت مخالب الشياطين عبر الحدود الملتهبة, وتسربت همساتهم الشريرة عبر الخطوط الهاتفية الساخنة لتصب النار على الزيت, وسعت لتقسيم سكان هذه الجزيرة الوادعة إلى طائفتين متشاحنتين متنافرتين, فتطوعت الفضائيات الموتورة للقيام بأبشع المهمات الإعلامية من خلال حملاتها الرامية لتوسيع فجوات الشكوك, التي كانت تساور عامة الناس في البلدان العربية الأخرى, عن طريق تلفيق الاتهامات, وإقناع الرأي العام بولاء الشيعة في البحرين للحكومة الإيرانية, وهذا ما دأبت عليه قناة (الجزيرة) في الترويج لفكرة الولاءات البحرينية الإيرانية, وبالاتجاه الذي يثير المخاوف العربية من قيام ثورة بحرينية بأجندة إيرانية, فحملت معولها لتهديم أسس البنيان البحريني الصلب, ووجد سكان البحرين أنفسهم أمام عصرين متناقضين, عصر ما قبل (الجزيرة), وعصر ما بعد (الجزيرة), فقد أحدثت (الجزيرة) خروقات اجتماعية وسياسية لا تعد ولا تحصى في سقوف الكيانات العربية كلها, واستعانت بكل الأساليب الطائفية الاستفزازية لإشعال نار الفتنة, وسخرت زمنها الفضائي كله في التحريض والتهويل والمزايدات المذهبية, فتحولت هي وأخواتها من وسائل إعلامية يفترض أن تكون محايدة إلى فيروسات خبيثة تسعى لبعثرة الشعب البحريني, بيد أن أبناء البحرين كانوا أكثر دهاءا وحكمة من تلك الفضائيات الرخيصة, عندما أعلنوا للعالم اجمع أنهم تجمعوا في (دوار اللؤلؤة) تأييدا وتضامنا وامتدادا للثورة التونسية والانتفاضة المصرية, ولا علاقة لهم بإيران البتة, وأنهم جاءوا لمطالبة الحكومة بإقامة نظام ديمقراطي عادل, ومطالبتها بتعديل الدستور, والمساواة بين عامة الناس, وإصلاح الأوضاع المعيشية, وتنظيم انتخابات دستورية حرة.
كانت احتجاجات الشعب البحريني احتجاجات نزيهة ونظيفة ومقبولة, وكان البحرينيون كما عرفناهم, أشداء في مواجهة الأزمات, أقوياء في التصدي للعقبات, من دون حاجة إلى تدخل الأطراف الحاقدة والحاسدة والفاسدة.
وكانت الحكومة البحرينية الواعية أكثر نضجا وتفهما من الحكومات العربية الأخرى, عندما اختارت الوقوف بحزم مع أبناء البحرين كافة, فأبدت رغبتها الصادقة للقيام بمراجعة جادة لكل القناعات السياسية, وبادرت بفتح نوافذ الحوار, تمهيدا لإنتاج واقع ديمقراطي جديد, يحمي البحرين من المؤامرات والدسائس الخارجية, ويؤسس إلى مشروع أصلاحي شامل, ويفتح الآفاق المستقبلية الحرة من اجل تحسين أوضاع البحرين, وتعزيز رفعتها وازدهارها. ولن تقف البحرين ضد البحرين مهما استطالت مخالب الباطل.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
كاظم فنجان الحمامي




قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat