عرض ونقد محطات من ذاكرة الحلة
محمود كريم الموسوي

          (يقال بأن المدن مثل النساء ، كائن مغلق يصعب الوصول إلـــــــــــــــى خفاياه  ويستحيل التعرف على أسراره الدفينة مهما أوتي المرء من الحكمة 0 

          تلك هي الحالة مع هذه الحلاّويه التي تسكن جنوبي بغداد بمسافة مائة كيلو متـر فهي تظهر غير ما تخفي ،وتلعب معك لعبة الحسان المدللات ، كلما دنوت منــــــــــــها وراودتك السعادة أن أصابعك باتت قاب قوسين أو أدنى من ضفائرها ، اكتشــــــفت أن نجوم السماء أقرب إليك ) 0

          هذا ماقاله الكاتب عبد الله العراقي و الكاتبة عذراء السامرائي عن مدينة الحــلة في مقدمة تحقيقهما المنشور في مجلة ألف باء ذي الرقم (1569) في 21/10/1998 

          أما الأستاذ محمد هادي الذي هو واحد من أبنائها البررة فقد نزل في الســـــاحة التراثية بجهد استثنائي ظهر واضحاّ من خلال خزينه ألمعلوماتي الذي حبّر به  (472)         صفحة من القطع الاعتيادي  ، تحت عنوان (محطات من ذاكرة الحـــلة /شذرات مستلة من سنوات الزمن الجميل) ليلتقط ما استطاع من حياة الحلة الاجتماعية  ، والاقتصـادية  والتراثية قبل أن تندرس معالمها بسبب تقادم الزمن مستعيناّ بالصـــــورة التي تنـــــطق بالحقيقة دون برهان 0

          وما أن يتصفح القارئ  الكتاب ، حتى يشعر بفخر لما أنجزه الكاتب وو ضعـــه بين يديه من معلومات و زّعها في ثمانية فصول ، وصورمنها ما  نشـر في متن الكتاب      ومنها ما زيّن الملحق الخاص بها 0

          جاء الفصل الأول تحت عنوان (أسواق حلّية) واصفاّ لنا سوق الصـــــــفّارين ، وسوق البزّازين ، وسوق الكوازين ، وأسواق (السمّاكة/القصابين/الهرج/الحداحدة/بيــع الإعشاب / الصاغة/الجللجية/ القطانة والصوافة ) ذاكراّ عشرات الأسماء مــن الــــذين صنعوا لهذه الأسواق تاريخاّ مشرقاّ 0

          ورصد لنا في الفصل الثاني  (أماكن حلّية ) منها ( الجسـر / ساعة البلدية /دور السينما / الحمّامات/ النواعير/المطابع / المكتبات ) وغيرها 0

          وصب الكاتب اهتمامه في الفصل الثالث على (مهن وحرف وصناعات حلّيـة ) فأوضح لنا صناعة الربلات ، وصناعات خوصية ، والمكيرجي ، والفحّامة ، والندافة ، وصناعة العقال ،و ألاوتجي ، وغيرها فكانت متابعته لهذه المهن والحرف والصناعات متابعة باحث حريص على أن لايفوته مايعاتب عليه ، برغم انه قدم اعتذاراّ في أكثـــــر من مكان في الكتاب لما غفل عنه من أسماء ومسميّات0

          وفيما جاء الفصل الرابع بباقة من (تراثيّات) حليّة مثل ( الجرخجي / الصيكل / أبو الفرارات /أبو العلوجه /الحفّافة / المسحرجي ) وغيرها 0

          جاء الفصل الخامس بما انتشر من( محال تصليح) للـــــراديو ، والتلـــفزيون ، والساعات ، و المفاتيح ، والهاتف0

          ولم يغفل الكاتب (هوايات )أبناء بلدته ففرش لنا في الفصل السادس هواية جمع الطوابع ، وسماع الأغاني ،والمسبحة ، والأركيلة التي عدّها من الهوايات 0

          وربما يعتب أهالي الحلة الفيحاء على الاستاذ محمد هادي لولم يفرد الفصــــــل السابع (لأكلاتهم الشعبية) ومنها البقلاوة والزلابية ، والقيمر ،والباقلاء  التـــــي تميزوا بزراعتها حتى لقّبوا (أهل الباكلّه ) 0

          أما الفصل الأخير فجعله لموضوعات لم يجد لها تصنيفاّ في فصوله السبعة مثل أعلام الحلّة ، ومتصرفوها ، وسيارات المسكوفيج التي رصد كثرتها في الحلــة الكاتب خالد العيساوي في موضوعه (ابن بطوطة في الحلة ) المنشور في مجلة الكـــــوثر ذي الرقم (36) في 24/7/2001 حيث قال : ( وابتســـم شيخنا الكبير عندما رأى تشـــــابه السيارات في الحلة وسأل عن السبب فقيل له إن هذه السيارات هي سيارات المسـكوفيج وهي منتشرة بنسبة كبيرة في هذه المدينة )0 

          وبرغم صعوبة لملمة معلومات الموضوعات التي أمسك بها الأســــتاذ الكاتـب لاعتماد معضمها على النقل ألشفاهي ،لابد أن نؤشرماكان بالإمكان تلافيه ،وإبعاده عن تخديش تلك اللوحة التي رسمها لنا الكاتب بريشته الفنيّة ، فنقول :

أولاّ   : تسللت بضع وسبعون صورة من الملحق المصور لتســتقر بين موضـــــوعات المتن أفقد توزيعها العشوائي وعدم توضيح محتويات البـــــعض منها قيمتها وأحــــدث خدوشاّ في لوحة الكتاب ، ومنها :

01 تكرار صور كالصورة التي وردت ص(135) تكررت ص(151)بلقطة ثانيــــة ،           والصورة ص(373) تكررت ص(438)، وأخريات0

02 هنالك صور بحاجة إلى تعريف أو تعليق منها مثلا ّصورة الكاتب يتوســـــط امرأة ورجل ص(269) 0

03 التوزيع العشوائي للصور أخلّ بجمالية الكتاب فجاءت صورة  ( العالم الديني السيد محسن الحكيم ) مع موضوع متاعب الجيّالين ص( 247)، و صورة ( رؤساء عشــائر الحلة) مع موضوع أماكن تواجد عمال البناء ص(252) ، وصورة (أحمد شعيشع وأبو العينين شعيشــــــع وعبد الباسط ) مع موضوع أشهر المطهرجية ص(283)، وغيرها 

             أما صور أصحاب المهن والحرف والصناعات فتوزيعها لم يكن أفضل مــن سابقه ، فصورة ناعور مع موضوع الجيرية ص(200) في حين موضوع النواعـــــير ينتهي ص(135)، وصورة كاتب العرائض وضـــعت مع موضوع الراديو الروســــي ص(338)، وأخرى مع موضوع الباقلاء بالدهن الحر ص(391) فـــي حين ختــــــــم موضوع كتّاب العرائض بصورة لأوتجي ص(278)، وغيرها كثير0

ثانيا   : النقل الحرفي لكلام المتحدث في المقابلات ، وعدم الإشارة إلى الفتــرة الزمنية  أفقدنا رأي الكاتب وبصمته ، كما أحدث حالات غير دقيقة منها مثلا حديث الصـــــــفّار سعدي مهدي  عن سعر الصفر ص (24) : (أصبح سعره يتجاوز العشرين ألـف دينار بعد إن كان في السابق لايتجاوز المائة دينار) وبعد سطرين يتحدث عن القـــــدر الكبير فيقول : ( إن سعرهذا القدراليوم تجاوز المليون دينار بينما كان سعره لايتجاوز الثلاثين دينارا فقط في السابق ) ، وللقارئ إن يقيس مدى التناقض في الحديث 0

ثالثا   : عدم الدقة في استخدام العناوين الفرعيـــة التي تميّزت بسمك الحرف وغمـــــق اللون فنجدها على سبيل المثال استخدمت في تسمية المكتبات فــــــي حين لم يستخدمها  لمكتبة الإمام الصادق الذي يقول عنها ص (159): (هي اليوم من أكـــــــــبرا لمكتبات وكذلك هي دار للنشر والطباعة أصدرت عشرات الكتب سواء داخل القطر وخارجـه ) وذكر أمثالا كأنها عناوين فرعية ص(131)ولم تكن كذلك ص(54)، وغيرها 0

رابعاّ   : ويبدو أن الأستاذ الكاتب أراد العمل بالمثل العامي ( ألحجي بالتفاطين ) فحدثنا عن أشـــهر الرياضيين في موضوع ( الجياييل) ص(246) ، وحــــدثنا عــــن صناعة الطائرات الورقية في موضوع أبو الفرارات ص(311 ) ، ومنها أخريات 0

رابعاّ   : أخطاء معلوماتية ، منها على سبيل المثال ص(45) خبزالطابك  وخبزالركاك  لايكون في التنور الذي أشار له الأستاذ الكاتب فخبز الطابك جاءت تسميته علـى أساس الطابك الذي يخبز عليه ، وخبز ركاك فارسياّ ويخبز على (الصاج) ، وقطعة القمـــاش التي يتزر بها القصاب تسمى (بشتمال) وهي كلمة فارسية وليست (بشتمار) كمـــا ورد في ص(59)، وما علاقة كصاص تمر الحلة بنضوج التمر في البصرة قبـل كـــــربلاء الذي ورد ص(136)، والرسول الكريم  صلى الله عليه وآله ، لم يشبّه النخلة بالإنســان كما ورد ص(197)عندما قال (أكرموا عمتكم النخلة) بضم عين (عمتكم) وليس بفتحها وتعني عند ابن منظور الطويلة ، وعن مهنة (المسحرجي) يقول :( ظهرت هذه المــهنة قبل مئات القرون ) س الأخير ص 324 وللقارئ العزيز تقدير ذلك ، فالمــــئة قـــــرن الواحدة تساوي عشرة آلاف سنة ، كما ان المسحرجي ليست مهنة، وغير ماذكرنا كثير

خامسا  : وردت أغلاط لغوية كثيرة منها مثلاّ ( تأسس ) س4ص23 صوابها ( أسسّ)، و(شهري محرم وعاشوراء) س6ص32 تصبح (شهر محرم ) لأن عاشوراء هو اليوم العاشر من محرم عند الشيعة ، و(محلات ) س14ص47 وفي أماكن أخرى من الكتاب صحيحها (محال) ، و(في العام1929 من القرن المنصرم) س19ص56 تقرأ (فـــــــي العام 29 من القرن المنصرم ) أو (في عام 1929 )، و(حتى غير أن) س17 ص329 تكون (حتى أن )، ومثل ماذكرنا كثير0

سادساّ  : أخطاء طباعية أعانت في تخديش اللوحة الفنية التي رسمها الأســـتاذ الكاتــب منها على سبيل المثال (676هج ــ 177 م) س4 ص5 والصحيح (177هح ــ 676م ) ، و(كـريم محمد عبود ) س21 ص14 ، هو (محمود كريم عبود) كاتب المقال هــــذا ، و(يتسحق) س10 ص116 تكون (يستحق)، و(وبيض القلق) هو(بيض اللقلق) ، وغير  ذلك مالا يسع المجال لذكره 0

          وبرغم كل ماذكرنا ، وأخفينا ، فالكتاب تحفة فنية وخصوصاّ الملحق الـــــــذي حوى على (156) صورة ، منها (119) ملونة ، متمنين أن يكون الجزء القادم أجمـــل وأبدع مما بين أيدينا 

 

 

 

نشر في جريدة الفيحاء ( 398)  الصادرة في الأربعاء 15/8/ 2012

الموضوع السابق تَنَفُّسْ

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat