عرفت المؤلف عامر جابر تاج الدين عندما قرأت بإمعان إصداره الأول ( تاريخ الأحزاب والجمعيات السياسية في الحلة 1908ــ 1958م ) الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد عام 2007م
وازداد إعجابي به عندما قرأت ( تاريخ مساجد الحلة ) الصادر عام 2012م ، ولم احظ بقراءة ما سبقه ( معالم مضيئة من تاريخ الحلة ) الصادر عن مركز بابل للدراسات الحضارية / جامعة بابل عام 2009 ، وأيقنت إن لهذا المؤرخ سيكون شأن بين مؤرخي مدينة الحلة 0
وأنا أطالع في جريدة المدى ذي الرقم (2783) الصادرة في 28 / 4 / 2013م ، وفي ملحقها أوراق ، اطلعت على مقال للشاعر شكر حاجم الصالحي يعرض فيه منجزا جديدا للمؤرخ المذكور (الحلة : لمحات اجتماعية وإدارية وفنية 1858ــ 1958م) ، وحيث الكتاب غير متوفر في مدينتي شددت الرحال إلى مصدر نشره (دار الشؤون الثقافية العامة) وطلبته من معرضها الدائم في 27 / 5 / 2013 م ، فاعتذرت أمينة المعرض كون الكتب التي صدرت ضمن مشروع ( بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013 ) لم تتم الموافقة على عرضها وقت مراجعتي للمعرض ، كما لم أجده في مكتبات الباب الشرقي 0
كان لا بد لي أن استعير الكتاب من الشاعر شكر حاجم الصالحي ، للاطلاع على ما فيه من معلومات عن الحلة ، وإذا بهاتفي النقال يرن وعلى شاشته رقم غريب ، وعند الاتصال ظهر أن المؤرخ عامر يعلمني أن لي نسخة مهداة من الكتاب 0
استطعت أن أصل داره بجهد جهيد لعدم معرفتي العنوان فوجدته باستقبالي وقد دفع لي نسخة من الكتاب ، عدت أتصفح بالكتاب وإذا بداخله ورقة ليست منه ، قرأتها فكانت رأي الخبير الذي انتدبته دار الشؤون الثقافية العامة لتقييم الكتاب وقد جاء بفقرته الأولى ( البحث قيّم بمحتواه ، غزير بمادته ، شيّق بسرده للحوادث ، غني بمصادره ، مما يدلل على جدارة كاتبه ، وسبره لغور الحوادث ــ دينية ، سياسية ، عسكرية ، أدبية ، تراثية ، بكل أمانة ويسر ، وتقصي حقائقها ووقائعها ، فهو كالمصور البارع ، الذي يضع أمام القارئ صورة مرئية لمنطقة الحلة خلال قرن من الزمن ) ، وقد دفعني ذلك والفقرات اللاحقة من التقييم أن أتعجل بقراءة الكتاب 0
قرأت الكتاب بفصوله الخمسة وملاحقه ، فوجدت إن المؤرخ تاج الدين قد تأثر باسلوب المؤرخ عبد الرزاق الحسني في اعتماد الوثائق الرسمية في تأرخته للأحداث ، وتأثر باسلوب الدكتور علي الوردي في طريقة عرض الحدث ، وملامسة عواطف القارئ باهتمام متتابع ، وكأني أراه يمشي مع القارئ الهوينا ليجعله في كبد الحدث ، الذي ما انفك يتلوه حدث ، حتى أصبحت على يقين أن العنوانين : المقترح ( متصرفو الحلة ) والمتابعة التاريخية المتسلسلة لمناصبهم ، والبديل (الحلة لمحات اجتماعية وإدارية وفنية) وسرد الأحداث بدقة ، يليقان بالمحتوى ، بل أحدهما يتدافع مع الأخر للثبات ، وقد ثبت البديل 0
إذا كان لابد من تعرفة لأبواب الكتاب ، فالفصل الأول وظّف لتعريف القارئ بتشكيل الإدارة العثمانية من عام 1858م إلى عام 1917م ، والفصل الثاني تعقب مدينة الحلة الفيحاء من عام 1914م إلى عام 1917 ، وخصص الفصل الثالث لما كانت عليه الفيحاء في عهد الإدارة البريطانية من آذار 1917م الى آب 1921م ، وتشكيل الإدارة الملكية من آب 1921م إلى سقوطها في تموز 1958م كانت في الفصل الرابع ، أما الفصل الخامس ( الأخير ) فشمل بواكير النهضة الحديثة في النصف الأول من القرن العشرين وقد خرج في أماكن فيها عن المدة التي حددها قائلا في هامش ص 401 : ( استدعت الضرورة الكتابة عن هذه الفترة استكمالا لوحدة الموضوع
واحترت فيما أعرض للقارئ من أحداث ، فالأحداث التي وردت أكثرها مهمة ، ويصعب التفضيل بينها ، وفكرت في (أوائل حلية) تكون أكثر حيادية في اختيار الحدث ، وعندما وجدتها كثيرة انتقيت منها ، ونظمتها على أساس وحدة الموضوع بالآتي :
أولا : في التطور الحضاري
• دخلت السيارة إلى الحلة بدخول الانكليز، ويعلمنا المؤرخ تاج الدين إن (أول سيارة أهلية
تدخل الحلة عام 1919 تعود إلى أحمد سوسة) ص 146 ، حيث استوردها من الهند وهي من صنع شركة فورد0
• الوظيفة الحكومية عند الحليين من المحرمات ، لأنها تعتبر معاونة للكفار الذين استعمروا البلاد ، وان ( أول شخص استجاب لدعوة التوظف في الحلة الحاج عبد الرزاق صالح الشريف حيث عيّن أول رئيس لبلدية الحلة بعد الاحتلال وكان ملبسه الزى العربي ) ص 161 0
• المواطن ( محمد علي شنطوط 1900 ــ 1991م ) أول مصور شمسي في الحلة ( وكان هذا بداية عهد جديد لتصوير من يرغب التصوير وذلك بسبب التطور الحضاري ) ص 214 0
• في آذار 1948 ( قام السادة الحاج نجم عبود تقي وإبراهيم علوان المطيري وكاظم أبو سراج وهادي الهندي بالاشتراك بجلب ماكنة نجارة حديثة من بغداد وهذه لأول مرة تدخل الحلة وهي جامعة لجميع عمليات النجارة ) ص 301 0
ثانبا : في التعداد السكاني
• عام 1920 نشرت سلطة الاحتلال البريطانية نتائج الإحصاء التخميني الذي قامت به عام 1919 وكان إحصاء الحلة (172) ألف نسمة وزع طائفيا بجدول أورده تاج الدين ص 140 0
• في عام 1921 فتحت دائرة النفوس بإيعاز من السلطات البريطانية إلى وزارة الداخلية كون ( تسجيل النفوس ومعرفة عدد أفراد الشعب من أهم وظائف الحكومة ) ص 148 0
ثالثا : في الحياة الاقتصادية
• أول مصرف في الحلة باشر أعماله اعتبارا من 6 / 7 / 1946م هو ( مصرف الرافدين فرع الحلة / 5 ) ص 296 0
• أول معمل للمشروبات الغازية عام 1925 ، فيقول تاج الدين : ( في عام 1925 كان محمد الناصر قد افتتح معملا بسيطا للمشروبات الغازية بواسطة احد الهنود القادمين مع الحملة الانكليزية ) ص 198 ، يسمى رسميا ( عصير الفيحاء ) وشعبيا ( عصير الناصر ) 0
• أول توفير بريدي في 1 / 8 / 1936م ، وهو ( فرع " صندوق التوفير" لدى مديرية البرق والبريد العامة ) ص 261 ، و تقرر إن يودع فيه من الدرهم إلى المائة دينار 0
رابعا : في الحياة الثقافية والتعليمية
• ( أذنت متصرفية لواء الحلة للسيد عبد الرزاق الحسني بإصدار جريدة الفيحاء وستصدر على اثر وصول مطبعة الفيحاء التي ابتاعها من ألمانيا ) ص 205 ، الخبر مصدره عند تاج الدين جريدة الفضيلة (43) في 6 / 6 / 1926 ، وتؤكد المصادر إن صدور العدد الأول للجريدة كان في 27 / 1 / 1927م
• أجمعت الكتب التي أرخت مكتبات الحلة إن ( مكتبة الفرات أول مكتبة في الحلة أسست عام 1925 في شارع المكتبات من قبل المرحوم عباس سعيد الخفاجي ) ص 265 ، ثم خلفه ابنه مهدي ، الذي خلفه أولاده بعد انتقاله إلى جوار ربه ، ولم تزل المكتبة بالاسم نفسه وقد تحولت خدماتها إلى تجارة القرطاسية بعد أحداث عام 1991م 0
• ( أول صالة عرض سينمائية هي سينما الحمراء الشتوي في الحلة في عام 1942) ص 280 ، ويذكر تاج الدين إن السينما كانت ( تعلن دعاية لها بتوزيع مناشير مصورة للفيلم الذي سوف يعرض وذلك باستخدام عربة تجرها الخيول تسمى " الربل "عصرا للتجوال في شوارع الحلة ورمي المناشير على قارعة الطريق ) ص 280 ، ولنا في ذلك موضوع (الإعلان في زفة ) ، نشرناه في جريدة الصباح ذي الرقم (1976) الصادرة في 1 / 6 / 2010م باسم مستعار ( ضحى عدي برتو ) 0
• أول مدرسة ليلية لتعليم الأميين افتتحتها بلدية الحلة حيث بدأت بجمع الإعانات منذ عام 1923م ، وجاء في تقرير مايس 1929 : ( إن بلدية الحلة تقوم بدفع رواتب المعلمين الذين يدرسون الأميين في الليل ) ص 428 0
خامسا : في الحياة الرياضية
• يقول المؤرخ تاج الدين عن الرياضة : ( البداية كانت عام 1928وبالذات كرة القدم ) ص289 ، وتوسعت على شكل مسابقات عام 1932 و( بمبادرة من السيد زكي راجي تأسس أول فريق شعبي لكرة القدم " النصر الذهبي " ) ص 289 0
سادسا : في الحياة العسكرية
• أول فوج عسكري تستقبله مدينة الحلة ويكون مقره فيها هو ( فوج موسى الكاظم ) الذي تم تشكيله في 28 / 7 / 1921م ، و(كان مقر هذا الفوج أول تشكيله " ثكنة الخيالة " ولما غصت بالمتطوعين استأجرت بناية " خان الكابولي " في الكاظمية حيث انتقل إليها الفوج في 17 آب 1921 ومنها نقل إلى مدينة الحلة بتاريخ 9 / 10 / 1921) ص 163 0
• في حزيران 1921 فتحت دائرة تجنيد الحلة ، كما فتحت في مدن أخرى ، أما راتب الجندي فجاء في الإعلان التالي : ( لقد تعطف جلالة ملكنا المعظم فاصدر أمره المطاع بان يكون راتب الجندي الشهري في الجيش العراقي أربعين ربية اعتبارا من ابتداء كانون الثاني / 1922 ، وذلك عدا التعيينات والتجهيزات العسكرية ) ص 164 0
سابعا : في الخدمات الاجتماعية
• ( كان أول شارع في الحلة ، الشارع الممتد بين الجسرين القديم والجديد الذي شقه الانكليز لمتطلبات عسكرية وهو في الواقع لم يكن شارعا لضيقه وعدم استقامته وكان مليئا بالحفر يعلوه التراب وتمتد النخيل على جانبيه وبموازاة شط الحلة ) ص 306 0
• يقول المؤرخ تاج الدين : ( أول ساعي بريد " كاظم مهدي كاظم من البو سلطان " تاريخ تعيينه عام 1928 ) ص 194 0
• ( أول فندق في الحلة ، تم افتتاحه منتصف عام 1926 من قبل متصرف الحلة عبد العزيز المظفر وقام بانشائه اسطه جابر ) ص 209 0
ثامنا : في الخدمات الصحية
• نقل المؤرخ تاج الدين من جريدة حمورابي ذي الرقم (40 ) الصادرة في 18 / 7 / 1936م الخبر التالي : (خصصت مديرية الصحة العامة سيارة إسعاف لمستشفى الحلة ووصلت ومارست أعمالها ) ص 273 0
• أول طبيب أسنان في مدينة الحلة هو (محمد حسين الخليلي " أبو فاروق " من مواليد النجف 1910 ) ص 387 0
• صيدلية الفرات ( أول صيدلية افتتحت في مدينة الحلة بعد الحكم الوطني وبقيت تزاول عملها حتى نهاية عام 1925) ص 401 0
وإذا ما علمنا من جريدة حمورابي (40) في 18 /7 /1936م التي اعتمدها المؤلف ضمن مصادر بحثه إن التبرعات التي جمعت لإغاثة منكوبي فلسطين من وجهاء الحلة ، ابتداءا من متصرف اللواء احمد زكي الخياط والبالغ عددهم ( 54) ، قد كان مجموعها (واحد وعشرون دينارا وثمانمائة وأربعون فلسا ) ص 359 ، عرفنا الفرق الهائل بين ما نعيشه اليوم من وضع اقتصادي ، وما كان يعيش فيه الآباء والأجداد 0
كتاب ( الحلة لمحات اجتماعية وإدارية وفنية ) لعامر جابر تاج الدين وثيقة مهمة لمن له رغبة واهتمام بتاريخ مدينة الحلة الفيحاء ، ولابد من الاطلاع عليه والتمتع بما ورد فيه 0
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat