صفحة الكاتب : محمود كريم الموسوي

الأدب الإسلامي
محمود كريم الموسوي
للأدب تعاريف كثيرة ، ومتنوعة ، منها ما يخص السلوك الإنساني ، والتصرف الحياتي ، فبقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله : ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) ، ومنها ما يخص الفعل الإبداعي في تطويع اللغة ، لإظهار عواطف ، وأفكار ، وخواطر ، بأطر جميلة ، وصيغ متعددة تريح النفس ، وتنعش الذاكرة ، فمنهم من يعرف الأدب بأنه الكلام البليغ الصادر عن تفكير وعاطفة إنسانية رفيعة المستوى ، ومنهم من يقول انه شكل من أشكال التعبير الإنساني تتجسد فيه عواطف جميلة وأفكار بديعة ، وآخرون يقولون إن الأدب هو فن أنساني يعمل على إسعاد الإنسان وراحته ، ونجمل ذلك بالقول : إن الأدب فعل إبداعي في توظيف اللغة لصالح سعادة الإنسان وراحته بأساليب متنوعة وطرق واضحة ، لذلك نجده ارتبط بالحضارة ارتباطا جدليا ، فما من حضارة بلا أدب ، وما من أدب بلا حضارة ، ويمكن القول إن الأدب هو الذي يعطي المعنى الحقيقي للحياة ، من خلال منافذه الجمالية ، التي تخلق للنفس أرفع المؤثرات الوجدانية للشعور بالراحة والطمأنينة 0
وافتخر العرب ، وتفاخروا ، بما لهم من منزلة أدبية ، وقدرة وقابلية في الإبداع الأدبي في ميادينه كافة ، وليس غريبا وقد جاء الإسلام أن نجد رجاله وعلمائه أكثر الناس اهتماما بالأدب المنظوم منه والمنثور ، ولنا في قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وأله للشاعر حسان بن ثابت : ( نافح عنا وروح القدس يؤيدك ) ، و ( اهجم وجبريل معك ) ، ما يبين مكانة الأدب في الإسلام ، وحيث رفض الإسلام أغراضا من الشعر ، شجع على أغراض أخرى تنسجم والمبادئ والقيم التي سادت فيه ، لذلك أصبحت هنالك خصوصية للأدب في الإسلام ، تلتقي مع ما سبقه من آداب العرب في نقاط  وتتنافر في أخرى ، وعلى هذا كان لا بد للأدب الإسلامي من تعريف يميزه  فيقول الدكتور نجيب الكيلاني في كتابه مدخل إلى الأدب الإسلامي  : ( انه تعبير فني جميل مؤثر ، نابع عن ذات مؤمنة ، يترجم عن الحياة والإنسان والكون وفق الأسس العقائدية للمسلم ، وباعث للمتعة والمنفعة ، ومحرك للوجدان والفكر ) 0
وفي ذلك الفن الراقي كان للأستاذ الدكتورصباح نوري المرزوك كتاب ( الأدب الإسلامي ) الصادر عن مؤسسة دار الصادق الثقافية في الحلة ، بالاشتراك مع دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع في عمان في 2012م ، بـ (192) صفحة من القطع الاعتيادي ( الوزيري ) ، بغلاف جميل وطباعة عالية الجودة 0
وأول موضوعات الكتاب هو موضوع (أثر الإسلام في حياة العرب )  فقد نقل الإسلام العرب من مرحلة التردي إلى مرحلة التطور والرقي ، ورسم  ( سبيل المعيشة والكسب وحارب الكسب بطريقة شن الغارات والاغتصاب وفتحت أبوابا جديدة للرزق الحلال ) ص12، كما حارب المؤثرات السلبية التي كانت سائدة في المجتمع ، منها العصبية القبلية ، والزنا ، وشرب الخمر ، ولعب القمار ، ورفض الأخلاق السيئة كالكذب ، والغش ، والنفاق ، والخيانة ، وحث على مكارمها في النبل ، والشهامة ، والشجاعة ، والكرم ، وعن تأثيره في حياتهم الدينية يقول الأستاذ المرزوك : (غير الإسلام حياة العرب الدينية تغييرا ضخما كبيرا لا يماثله تغيير آخر) ص  13 ، وعن أثره في الحياة الاجتماعية يقول : ( شرع كثيرا من الشرائع الاجتماعية التي تزيد في وحدة المجتمع الإسلامي وقوته ) ص14 ، ووضع أثر الإسـلام في حياة العرب السياسية في ثلاث فقر ، تضمنت تـوحيد العرب ، وتكوين دولة الاسلام ، وتوسع الفتوحات ، التي أمدتهم بالخبرة ، وأطلعتهم على ثقافات الشعوب الأخرى ، وكان للإسلام الأثر الكبير في تطوير العقلية من خلال التوحيد العقائدي ، وتشجيع العلم والمعرفة ، بل والحث عليهما 0 
وأوضح الدكتــور المرزوك في موضوع (أثر اللغة العربية) ، وحدتها ، وانتشارها وذيوعها ، واتساع أغراضها ، وارتقاء معانيها ، وتطور ألفاظها  من خلال تهذيبها ، وظهور ألفاظا إسلامية ، والتوسع في دلالة الألفاظ  ، وخنق السيئ منها ، والتفنن في صياغة الأساليب ، والإفادة من مفردات غير عـربية ، في تلاقح لغوي أحدثه الانفتاح على شعوب أخرى ، مما أدى  إلى حصول تغيير في آداب العرب فيقول الدكتور المرزوك : (غير الإسلام من مجرى الحياة الأدبية عند العرب تغييرا كثيرا) ص21 0    
وانتقل الأستاذ المرزوك إلى ( الشعر في رحاب الدعوة الإسلامية ) ، فأوضح موقف قريش من الدعوة الإسلامية ، والهجرة التي أمر بها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ، وموقف الشعراء من تلك الأحداث ، وقد ظهر ما يسمى بشعر الوفود الذين وفدوا لإشهار إسلامهم بعد أن قويت شوكة الإسلام ، وبعد بيان موقف اليهود من  الدعوة الإسلامية ، ينتقل إلى شعر الردة الذي ظهر بعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله 0 
يقول الدكتور المرزوك في أثر القرآن الكريم والحديث الشريف في الأدب الإسلامي  :  ( إن القرآن الكريم كان أول ظاهرة نثرية غنية عرفها العرب كتابة وان الأدب لم يتأثر بالقرآن فقط من حيث المعنى بل تعدى ذلك إلى المبنى وسلك الأسلوب نفسه من تعابير ومفردات ) ص 37 أما الحديث النبوي الشريف والرسول الكريم سيد البلغاء ( كان له تأثير واضح في متلقيه من المسلمين الأوائل واللاحقين بعدهم فقد احتفظوا به وحفظوه مشافهة من الرسول صلى الله عليه وآله وتناقله الصحابة ثم التابعين واقتفوا أثره في كلامهم واغترفوا من معانيه تضمينا واقتباسا ) ص 38 ، وعليه فان تأثير القرآن الكريم كان عظيما في حياة العرب وآدابهم فجمعهم على لغة واحدة ، وصانها من الانحراف والتبدل ، ووسع أغراضها ومعانيها ، وهذبها وأنشأ فيها النحو والصرف ( فاتخذه الأدباء إماما في طريقته البيانية ، ونهلوا من معانيه ، وحفظوا روائعه ، فكان لهم منه معين فياض فيما افتتنوا فيه من صور البيان ، والتمسوه من أسباب الجمال في رسائلهم وأشعارهم وقصصهم وأدبهم في جميع العصور ) ص41 ، هذا ما اقتبسه الأستاذ المرزوك من كتاب ( الأساس في تاريخ الأدب العربي) لمحمد بهجة الأثري ومصطفى جواد وكمال إبراهيم ، ثم أخذ أثر القرآن الكريم في الأساليب والألفاظ ، وفي معاني الأدب ، وفي فنونه النثرية والشعرية ، لينتقل إلى أثر الحديث الشريف في الموضوعات نفسها 0
ويبدأ موضوع (موقف الإسلام من الشعر) بالقول : ( قال أحدهم " سقط الشعر بظهور الإسلام " ، وقال شاعر الرسول حسان بن ثابت الأنصاري عندما سئل عن رأيه في الشعر : " الشعر يزينه الكذب والإسلام حرم الكذب " ) ص49 ، وحيث أورد ما ذكر بالقرآن الكريم عن الشعر والشعراء وبيان مواقف الشعراء التي تصل حد التناقض ، والتقاطع ، يذكر قول الرسول الكريم صلى الله عليه وأله الذي في موقف الإسلام من الشعر  : ( إنما الشعر كلام مؤلف  فما وافق الحق منه فهو حسن ، وما لم يوافق الحق منه فلا خير   فيه ) ص 50 0
وأسهب المرزوك ، وأورد الشواهد ، في بيان موقف الرسول الكريم صلى الله عليه وآله من الشعر ، ثم يخلص إلى القول : ( كان يقف موقفين من الشعر الصادر عن الشعراء المسلمين خاصة وكلاهما مبني على أساس إصلاح حال المسلمين في المجتمع الإسلامي الكبير ، والموقف الأول كان يحرص فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله على إرشاد الشعراء المسلمين وتوجيههم الوجهة الإسلامية الصحيحة في إنشاء الشعر 000 أما الموقف الثاني لرسول الله صلى الله عليه وآله من الشعر الصادر عن الشعراء المسلمين فيبدو واضحا جليا فيما كان يفعله صلى الله عليه وآله مع شعراء الدعوة الإسلامية إذا ما    بدر منهم ، أو لوحظ عليهم خروج عن المنهج الإسلامي في تقصيد القصيد) ص 63 0
وأظهر الدكتور المرزوك إعجاب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله بالشعر ، وأورد نصوصا شعرية سمعها النبي الكريم ، وأعجب بها ، وبارك قائليها ، ومنهم عمرو بن سالم الخزاعي ، وضرار بن الازور 0
وفي ( موقف القرآن الكريم من الشعر ) أورد الآيات البينات ، التي ذكر فيها الشعر والشعراء ، مبديا رأيه في ( أن القرآن الكريم قد وقف من الشعر والشعراء موقفين متميزين رئيسين ) 74 ، فكان الموقف الأول مهاجمة الشعر والشعراء في بداية الدعوة حيث وقفوا الموقف المضاد من نشر الاسلام والموقف الثاني ( عندما كان القرآن يشجع الشعراء المسلمين في سبيل نصرة الحق والدين ومؤازرة المسلمين في كفاحهم ضد الوثنية والكفر والشرك ) 75 ،
وبعد أن ناقش المرزوك تهمة الشاعرية لرسولنا الكريم ، وأبطلها بالشواهد القرآنية ، والعقلية ، والموضوعية ، انتقل إلى ألأسلوب القرآني ،  فأخذ فيه مسحته اللفظية ، وجودة سبكه ، واحكام سرده ، وطرق الانتقال من صيغة إلى أخرى ، والإكثار من التمثيل ، وضرب الامثال وقوة البلاغة ،   وفن الكلام ، فينتهي إلى القول : ( وأخيرا الإيجاز العجيب في الكلام ، حيث عبر بأقل عدد من الكلمات عن أفكار كبيرة يصعب التعبير عنها في العادة     إلا بجمل مطولة نسبيا ) ص 89 0 
وفي خصائص البلاغة النبوية ، اقتبس رأي الأستاذ أحمد حسن الزيات من كتابه (وحي الرسالة) ، الذي يقول فيه : ( إن بلاغة الرسول من صنع الله ، وما كان من صنع الله تضيق موازين الإنسان عن وزنه وتقصر مقاييسه عن قياسه ، فنحن لا ندرك كنهه ، وإنما ندرك أثره ، ونحن لا نعلم إنشاءه وإنما نعلم خبره ) ص 91 0
وقد أخذ موضوع (ضعف الشعر ) من الدكتور صباح مساحة واسعة من الاهتمام ، فقد أورد آراء فيه ، وناقشها ، واتفق مع بعضها ، واختلف مع بعضها الأخر ، باديا بقول عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت 215هـ ) ، الذي أعتبره أول من أثار قضية ضعف الشعر في الإسلام بقوله : ( الشعر نكد فإذا دخل في الخير ضعف ، هذا حسان بن ثابت فحل من فحول الجاهلية فلما جاء الاسلام سقط شعره ) ص 93 ، لينتهي بالقول : ( مجمل ما انتهينا إليه في هذه القضية وهو إن الشعر في هذا الطور من الإسلام لم يتوقف ، ) ص 115 0
وقد تعرض الشعر الإسلامي ، إلى الضياع والطمس ، بسبب الإحداث الكبيرة التي تعرض لها الاسلام ، وخصوصا في بدايات نشر الرسالة   المحمدية 0
وانتقل المرزوك  الى الشعراء المخضرمين فعرفهم بالقول : (الشاعر المخضرم هو الشاعر الذي عاش في عصر ما قبل الإسلام واستمر بالحياة في عصر صدر الإسلام ، ومنهم من دخل الإسلام ، ومنهم من بقي على دينه ) ص122،  وعندما جعلهم في اتجاهين ناقش  الاتجاهين وأورد الشواهد على  ما يثبت صحة الرأي ، لينتقل إلى ( موضوعات الشعر) الذي وضعها في   أربع فقر ( شعر يتابع الغزوات ، شعر الاهاجي الذي يرد كيد المشركين ، شعر الرثاء في شهداء الإسلام ، شعرالاشادة ببطولات وأبطال المسلمين ) 0
ويرى في أشعار الفتوحات الإسلامية إنها : ( طبعت بطابع الآداب الشعبية سواء من حيث نسيجها العام أو من حيث قائلوها ومن نسبت إليهم ) ص164 0
ثم ينتقل إلى الخطابة فيقول : ( لقد ازدهرت الخطابة ازدهارا ملموسا بعدما اختطت لنفسها طريقا جديدا أزالت الخطابة القبلية المتعصبة وابتعدت عن استخدام السجع وظهرت الخطابة الدينية والسياسية والحربية وازدهرت الخطب المحفلية وخطب الوفود المهنئة أو المعزية ) ص171 ، وحيث أراد الاستشهاد بنصوص خطابية عرض خطبة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله في حجة الوداع 
وفي الكتابة والرسائل يقول : ( عرف عصر صدر الإسلام نوعا من الكتابة هو الكتابة الديوانية وعرف أدب الرسائل الذي تميز بميزات الخطابة الإسلامية معنى ومبنى ) ص189، ويستشهد برسالة الخليفة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ، لينتهي في تحليلها إلى القول : (ان هذه الرسالة  نص أدبي نثري راق من نصوص عصر صدر الإسلام ) ص 192

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمود كريم الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/07



كتابة تعليق لموضوع : الأدب الإسلامي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net