الاستحسان: بين المشروعية وعدمها
السيد يوسف البيومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد يوسف البيومي

إن الاستحسان هو من الأمور المدرجة تحت علوم أصول الفقه حيث ذهب البعض إلى عدم حجيته في الشرع بينما ذهب آخرون إلى اعتباره أصل من أصول الفقه وأداة للوصول إلى الحكم الشرعي. وقد أخذ الكثير من الأخذ والرد فيما بين العلماء، فمنهم من كان مدافعاً والآخر مهاجماً..
من هنا فإنني أحببت أن ألقي الضوء على هذا النوع من الأبحاث من باب الفائدة والتعريف به، ومن ثم أبين ما هو الاستحسان في نظر كل من الفريقين لكي ننتهي إلى فائدة معينة..
الاستحسان في اللغة: من الحسن وهو عَدٌ الشيء واعتقاده حسناً.
أما في الاصطلاح فله العديد من التعريفات نعرض لها:
1 ـ الاستحسان: ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس.
2 ـ الاستحسان: طلب السهولة في الأحكام فيما يبتلى به الخاص والعام.
3 ـ الاستحسان: الأخذ بالسعة وابتغاء الدعة.
4 ـ الاستحسان: الأخذ بالسماحة وانتقاء ما فيه الراحة(1).
قال السيّد محمّد تقي الحكيم في كتابه "الأُصول العامّة للفقه المقارن" عن هذه التعاريف:
"ومثل هذه التعاريف لا تستحقّ أن يُطال فيها الكلام؛ لعدم انتهائها إلى أُمور محدّدة يمكن إخضاعها للحديث عن الحجّية وعدمها. والذي يقتضي الوقوف عنده من تعاريفها، التي تكاد تكون من حيث كونها ذات مفاهيم محدّدة، ما ذكره كلّ من:
1 ـ البزدوي من الأحناف من أنّه - أي الاستحسان - : "العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه، أو هو: تخصيص قياس بدليل أقوى منه".
2 ـ الشاطبي: "أنّه العمل بأقوى الدليلين"(2).
أما بالنسبة لحجية الاستحسان:
هو حجة شرعية عند كل من: الحنفية والمالكية والحنابلة والإباضية.
ومن ينظر في كتب هؤلاء فإنه يجد هذه العبارة كثيرة التكرار: "الحكم في هذه المسألة قياساً كذا، واستحساناً كذا". وقد اعتبروا الاستحسان دليلاً خامساً في الشرع يترك به مقتضى القياس، لأنه أحد نوعي القياس، فهو قياس خفي في مقابل القياس الجلي، ويسمى كذلك إشارة إلى أنّه أولى بالعمل به.
ولم يقبل بحجيته كل من: الشافعية والظاهرية والمعتزلة والشيعة فإنه ليس عندهم بدليل يعتد به.
والحجة عند هؤلاء لعدم قبولهم بالاستحسان: أنه ليس لأي فقيه الإحاطة بمصالح أفعال الله عز وجل وأحكامه، فإن الله سبحانه وتعالى هو وحده فقط المحيط بالمصالح والمفاسد غير المتناهية، والعقول الناقصة لأفراد البشر يمتنع عليها الإحاطة بالمصالح والمفاسد غير المتناهية، فلا يمكن لها استكشاف حكم الله بمجرد ملاحظة مصلحة أو مفسدة في مورده. ولكن لو ورد في نص مأثور تعليل لأي حكم وكانت العلة عامة شاملة لغير مورد النص، كان دليلاً على عدم اختصاص الحكم بمورد النص، وشموله لما وجدت فيه علته.
ومن هنا نصل إلى النتيجة التالية:
في حال كان المراد بالاستحسان هو خصوص الاخذ بأقوى الدليلين فهو حسن ولا مانع من الاخذ به، إلا أن اعتباره أصلاً ودليلاً في مقابل الكتاب والسنة، وكذلك دليل العقل لا وجه له. "وان كان ـ كما يقول ابن القفال ـ ما يقع في الوهم من استقباح الشيء واستحسانه من غير حجة دلت عليه من أصل ونظير فهو محظور والقول به غير سائغ"(3).
_______________________
(1) المبسوط ج10 ص145 كتاب (الاستحسان).
(2) راجع لهذا الغرض: كتاب "الأُصول العامّة للفقه المقارن": ص361 القسم السادس "الاستحسان".
(3) ارشاد الفحول : ص241.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat