صفحة الكاتب : سيد صباح بهباني

في رحاب رمضان المبارك وذكرى النساء الخالدات الحلقة التاسعة...!
سيد صباح بهباني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ترجمة الموضوع لعدة للغات  
بطلة كربلاء زينب رضوان الله عليها وسلامه نشأة فريدة لابد وأن العائلة قد استبشرت وابتهجت بولادة السيدة زينب ( عليها السلام ) ، لأنها أول طفلة يحتفي بها بيت علي وفاطمة ( عليهم السلام ) فقد سبق وان ازدان البيت الطاهر بوليدين صبيين هما الحسن عليه السلام الذي ولد منتصف شهر رمضان في السنة الثالثة للهجرة ، والحسين عليه السلام الذي ولد في الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة ، وتأتي الآن زينب عليه السلام في السنة الخامسة كما يرجح ذلك المحققون ،
وبعد عام أو أكثر أنجبت السيدة الزهراء عليه السلام بنتاً أخرى هي أم كلثوم لتكون شقيقة لأختها زينب عليه السلام وخلافاً لما كان منتشراً عند بعض العرب في الجاهلية من التشاؤم والاستياء عند ولادة البنت واعتبارها مولوداً ناقص القيمة والشأن ، بل قد تسبب لهم العار والفضيحة ، كما أنها لا تنفعهم في المعارك والحروب ، ولذلك كان بعضهم يئدها عند ولادتها بقتلها أو بدفنها حية كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله : << وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به اُيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون >> . خلافاً لذلك فقد أرسى الإسلام ثقافة سلوكية جديدة في المجتمع الإسلامي تدين تلك النظرة الأحتقارية للبنت وتجعلها مساوية في الشأن والقيمة للولد ، وأكثر من ذلك فان الرسول صلى الله عليه وآله كان يتحدث عن البنات بإيجابية أكبر ، ويربي المسلمين على أن يكونوا أكثر احتفاءً وسرواً بقدوم البنت. وننقل هنا بعض الأحاديث والنصوص الواردة عن النبي : صلى الله عليه وآله ، وعن الأئمة الطاهرين عليهم السلام بشر رسول الله صلى الله عليه وآله بابنة فنظر إلى وجوه أصحابه فرأى الكراهة فيهم ، فقال : ما لكم ؟ ! ريحانة أشمها ورزقها على الله عز وجل. وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا بنات . عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : خير أولادكم البنات  عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : نعم الولد البنات المخدرات من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النار ، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة ، ومن يكن له ثلاث أومثلهن من الاخوات وضع عنه الجهاد والصدقة  . عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من عال ابنتين أو ثلاثاً كان معي في الجنة. وعنه صلى الله عليه وآله : من كانت له ابنة واحدة كانت خيراً له من ألف جنة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضيافة  عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ومن يمن المرأة أن يكون بكرها جارية  يعني أول ولدها . عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج وليبدأ بالإناث قبل الذكور ، فانه من فرّح أنثى فكأنما أعتق رقبة من ولد اسماعيل. افتقدت أمها الزهراء بعد حوالي ( 75 يوماً ) عاشتها فاطمة الزهراء في وضع مأساوي يصعب تصويره ، وكانت زينب هي الأقرب لأمها ، والمشاركة لها في آلامها وأحزانها ، خاصة وأنها تلحظ تدهور صحة أمها الزهراء وازدياد توجعها... الحوراء في بيت والدها إمام المتقين.. طبيعي أن تنشد البنت لأبيها وتتعلق به ، وخاصة إذا ما فقدت البنت أمها فسيصبح أبوها حينئذٍ هو المنبع الوحيد للعاطفة والحنان والرعاية تجاهها. وفي علاقة السيدة زينب بأبيها علي بن أبي طالب هناك عامل إضافي يتمثل في الصفات والسمات النفسية والأخلاقية التي يتمتع بها الإمام علي والتي تفرض حبّه وعشقه وإكباره على كل من التقى به أو عاشره أو سمع عنه. بل إن أي واحدة من سوابقه ومناقبه لحرية بإخضاع النفوس والقلوب لمكانته وجلالته كما يقول أبو الطفيل : قال بعض أصحاب النبي : لقد كان لعلي من السوابق ما لو أن سابقه منها بين الخلائق لو سعتهم خيراً ومن عرف علياً أو تعرف عليه فلم يهيمن حب علي على قلبه فذلك دلالة على انحراف في طبعه وخلل في ذاته. وهل يكره الخير عاقل ؟ ! أو هل يبغض النور سويّ ؟ لذلك قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للإمام علي : لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك ألا منافق , وقال أبو سعيد الخدري : كنا نعرف المنافقين ـ نحن معاشر الأنصار ـ ببغضهم علي بن أبي طالب وحتى ألدّ خصومه وأعدائه معاوية بن أبي سفيان لم يستطع كتمان إعجابه بشخصيته ( عليه السلام ) حيث قال لما بلغه قتله: . ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب . فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام ؟ فقال له : دعني عنك وحينما وصف ضرار بن ضمرة شخصية الإمام علي بمحضر معاوية بعد وفاة الإمام بكى معاوية و وكفت دموعه على لحيته ما يملكها ، وجعل ينشفها بكمّه ، وقد اختنق القوم بالبكاء ، وقال معاوية: رحم الله أبا الحسن والله كذلك ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها وإذا كانت شخصية علي تأسر حتى قلوب أعدائه فضلاً عن أصحابه وأتباعه فما هو مدى تأثير شخصيته على ابنته القريبة منه والمتعلقة به ؟. نحاول في السطور التالية أن نقتطف من ذاكرة التاريخ ما سجلته من صور ولقطات عن تلك العلاقة الإيمانية الإنسانية الحميمة بين السيدة زينب وأبيها الإمام عليهما السلام ، لنرى كيف عاشت السيدة زينب في ظل أبيها. في بيت الزوجية وتجاوزت زينب مرحلة الصبا ، واكتمل نضجها الجسدي والنفسي ، ومع شديد رغبتها في البقاء قرب أبيها ، وفي توفير الرعاية والعناية لأخويها الحسنين ، إلا أنه كان لابد لها من الزواج ، لما يعنيه الزواج من تكامل في الشخصية ، واستجابة للسنة الإلهية التي جعلها الله تعالى في بني البشر بل في كافة المخلوقات كما يقول تعالى : ومن كل شيء خلقنا زوجين الذاريات/49 ، ولأن تعاليم الإسلام تحث على الزواج وتحبذه ، وتذم العزوبة وتنفر منها. فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني  . والعناية الإلهية التي أحاطت بالسيدة زينب  عليها السلام ووجهت مسارات حياتها كان لابد وأن تتدخل في شأن هذا الأمر الخطير من حياة السيدة زينب ، وهو اختيار القرين والزوج المناسب الكفوء لهذه المرأة العظيمة . . وهذا ما حصل بالفعل فقد شاء الله تعالى أن تقترن العقيلة زينب بواحد من أعظم وأنبل شباب الهاشميين وهو ابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. واختيار الإمام علي لعبد الله بن جعفر ليكون زوجاً لابنته زينب اختيار أكثر من موفق ، فعلي يعرف مكانة أخيه جعفر ، وعبد الله ربيب للإمام علي حيث أصبح في رعايته بعد شهادة أبيه جعفر ، وأمه أسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء أم العقيلة زينب ، ثم هي قد أصبحت زوجاً للإمام علي ، إضافة لكل ذلك المؤهلات الشخصية التي كان يجدها الإمام في ابن أخيه عبد الله . السيدة زينب في عهد والدها أمير المؤمنين بعد أن وصل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من البصرة إلى الكوفة ، واستقر به المكان ، التحقت به العوائل من المدينة إلى الكوفة. ومن جملة السيدات اللواتي هاجرن من المدينة إلى الكوفة هي السيدة زينب عليها السلام وقد سبقها زوجها عبد الله بن جعفر ، حيث كان في جيش الإمام لدى وصوله إلى البصرة . والمستفاد من مطاوي التواريخ والأحاديث أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ـ بعد انقضاء مدة من وصوله إلى الكوفة ـ نزل في دار الأمارة ، وهو المكان المعد لحاكم البلدة ، ومع تواجد الإمام في الكوفة لم يكن هناك حاكم أو أمير غيره ، فلماذا لا ينزل في دار الإمارة ؟ ويتبادر إلى الذهن أن دار الأمارة كانت مشتملة على حجرات وغرف عديدة واسعة ، وكان كل من البنات والأولاد (المتزوجين) يسكنون في حجرة من تلك الحجرات ، والسيدة زينب كانت تسكن مع زوجها في حجرة أو غرفة من غرف دار الإمارة . كتاب (الخصائص الزينبية) للسيد الجزائري المتوفى عام 1384 هـ ، ص 68 ، وكتاب (رياحين الشريعة) للمحلاتي ج 3 ص 57) . ومكثت السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة سنوات وعاصرت الأحداث والاضطرابات الداخلية التي حدثت : من واقعة صفين إلى النهروان ، إلى الغارات التي شنها عملاء معاوية على بلاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. انقضت تلك السنوات المريرة ، المليئة بالآلام والمآسي ، وانتهت تلك الصفحات المؤلمة بالفاجعة التي اهتزت منها السماوات والأرضون ، وهي حادثة استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام. عاشت مع أخيها الإمام الحسن عليه السلام إن الاحترام اللائق ، والتقدير الرفيع كان متبادلاً بين السيدة زينب الكبرى وبين أخيها الأكبر ، وهو السبط الأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الإمام الزكي ، الحسن المجتبى عليه السلام : إن السيدة زينب كانت تنظر إلى أخيها الإمام الحسن من مناظرين 1 ـ منظار الأخوة ـ منظار الإمامة 2 فمن ناحية : يعتبر الإمام الحسن الأخ الأكبر للسيدة زينب (عليها السلام) ومن المعلوم أن الأخ الأكبر له مكانة خاصة عند الأخوة والأخوات ، وقد ورد في الحديث الشريف : الأخ الأكبر بمنزلة الأب  ومن ناحية أخرى : يعتبر الإمام الحسن عليه السلام إمام زمان السيدة زينب بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ولهذا فإن احترامها لأخيها كان ينبعث من هذين المنطلقين. وتجدر الإشارة إلى أن كل ما سنذكره ـ من الروابط القلبية بين السيدة زينب والإمام الحسين ـ فهي ثابتةً بينها وبين أخيها الإمام الحسن أيضاً . . وإذا كان التاريخ قد سكت عن التفاصيل فإن أصل الموضوع ثابت ونكتفي ـ هنا ـ بما ذكر في بعض الكتب من موقف السيدة زينب حينما حضرت عند أخيها الإمام الحسن ساعة الوفاة : . . . وصاحت زينب : وا أخاه ! وا حسناه ! وا قلة ناصراه ! يا أخي من الوذ به بعدك ؟! وحزني عليك لا ينقطع طول عمري ! ثم إنها بكت على أخيها وهي تلثم خديه وتتمرغ عليه ، وتبكي طويلاً. السيدة زينب وأخيها الإمام الحسين إن روابط المحبة ، والعلاقات الودية بين الأخوة والأخوات كانت من قديم الزمان ، حتى صارت يضرب بها المثل في المحبة والمودة بين اثنين ، فيقال : كأنهما أخوان ، أو كأنهما أخ وأخت. ولكن العلاقات الودية وروابط المحبة بين الإمام الحسين وبين أخته السيدة زينب (عليهما السلام) كانت في القمة وكانت تمتاز بمزايا ، ولا أبالغ إذا قلت : لا يوجد ولم يوجد في العالم أخ وأخت تربطهما روابط المحبة والوداد مثل الإمام الحسين وأخته السيدة زينب . فإن كلاً منهما كان قد ضرب الرقم القياسي في مجال المحبة الخالصة ، والعلاقات القلبية. وكيف لا يكونان كذلك وقد تربيا في حجر واحد وتفرعا من شجرة واحدة ؟! ولم تكن تلك العلاقات منبعثة عن عاطفة القرابة فحسب ، بل عرف كل واحد منهما ما للآخر من الكرامة ، وجلالة القدر وعظم الشأن. : فالسيدة زينب تعرف أخاها بأنه سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتعلم بأن الله تعالى قد أثنى على أخيها في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، كآية المباهلة ، وآية المودة ، وآية التطهير ، وسورة {هل أتى } ، وغيرها من الآيات والسور بالإضافة إلى أنها عاشت سنوات مع أخيها في بيت واحد ، وشاهدت ما كان يتمتع به أخوها من مكارم الأخلاق والعبادة والروحانية ، وعرفت ما لأخيها من علو المنزلة وسمو الدرجة عند الله عز وجل. وتعلم انه إمام منصوب من عند الله تعالى ، منصوص عليه بالإمامة العظمى والولاية الكبرى من الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم. مع توفر شروط الإمامة ولوازمها فيه ، كالعصمة ، والعلم بجميع أنواع العلوم ، وغير ذلك. وهكذا يعرف الإمام الحسين عليه السلام أخته السيدة زينب حق المعرفة ، ويعلم فصائلها وفواضلها وخصائصها. ومن هنا يمكن لنا أن نطلع على شيء من مدى الروابط القوية بين هذا الأخ العظيم وأخته العظيمة . وقد جاء في التاريخ : أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يقرأ القرآن الكريم ـ ذات يوم ـ فدخلت عليه السيدة زينب ، فقام من مكانه وهو يحمل القرآن بيده ، كل ذلك احتراماً لها . السيدة زينب وفاجعة كربلاء لا بد مِن أن نبدأ من أوائل الواقعة ، مع رعاية الاختصار ، ليكون القارئ على بصيرة أكثر من الأمر : مات معاوية بن أبي سفيان في النصف من شهر رجب ، سنة 60 من الهجرة ، وجلس ابنه يزيد على منصّة الحكم ، وكتب إلى الولاة في البلاد الإسلامية يُخبرهم بموت معاوية ، ويطلب منهم أخذ البيعة له من الناس. وكتب إلى والي المدينة كتاباً يأمره بأخذ البيعة له من أهل المدينة بصورة عامّة ، ومن الإمام الحسين عليه السلام بصورة خاصّة ، وإن امتنع الإمام عن البيعة يلزم قتله ، وعلى الوالي تنفيذ الحُكم. واستطاع الإمام الحسين أن يتخلّص
مِن شرّ تلك البيعة ، وخرج إلى مكة في أواخر شهر رجب ، وانتشر الخبر في المدينة المنوّرة أن الإمام امتنع عن البيعة ليزيد . وانتشر الخبر ـ أيضاً ـ في مكة ، ووصل الخبر إلى الكوفة والبصرة . وكانت رحلة الإمام الحسين إلى مكة بداية نهضته (عليه السلام) ، وإعلاناً وأعلاما صريحاً بعدم اعترافه بشرعيّة خلافة يزيد ، واغتصاب ذلك المنصب الخطير. وهكذا استنكف المسلمون أن يدخلوا تحت قيادة رجل فاسد فاسق ، مُستهتر مفتضح ، متجاهر بالمنكرات. فجعل أهل العراق يكاتبون الإمام الحسين  عليه السلام ويطلبون منه التوجّه إلى العراق ليُنقذهم من ذلك النظام الفاسد ، الذي غيّر سيماء الخلافة الإسلامية بأبشع صورة وأقبح كيفيّة! كانت الرسل والمراسلات متواصلة بين الكوفة ومكة ، ويزداد الناس إصراراً وإلحاحاً على الإمام الحسين أن يُلبّي طلبهم ، لأنه الخليفة الشرعي لرسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  المنصوص عليه بالخلافة من جدّه الرسول الكريم . فأرسل الإمام الحسين  عليه السلام  إبنَ عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، والتفّ الناس حول مسلم ، وبايعوه لأنّه سفير الإمام ومبعوثه ، وبلغ عدد الذين بايعوه ثمانية عشر ألفاً ، وقيل : أكثر مِن ذلك . فكتب مسلم إلى الإمام يُخبره باستعداد الناس للتجاوب معه ، والترحيب به ونصرته ـ كما فهمه مسلم مِن ظواهر الأمور ـ وقرّر الإمام أن يخرج من مكة نحو العراق مع عائلته المصونة وأخوته وأخواته ، وأولاده وأبناء عمّه وجماعة مِن أصحابه وغيرهم . وخاصّة بعدما عَلِم بأنّ يزيد قد بعث عصابة مسلّحة ، مؤلّفة من ثلاثين رجل ، وأمرهم بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في مكّة ، أينما وجدوه .. حتى لو كان مُتعلّقاً بأستار الكعبة !  يوم عاشوراء  أصبح الصباح من يوم عاشوراء ، واشتعلت نار الحرب وتوالت المصائب ، الواحدة تلو الأخرى ، وبدأت الفجائع تترى! فالأصحاب والأنصار يبرزون إلى ساحة الجهاد ، ويستشهدون زرافات ووحدانا ، وشيوخاً وشباناً. ووصلت النوبة إلى أغصان الشجرة النبوية ، ورجالات البيت العلوي ، الذين ورثوا الشجاعة والشهامة ، وحازوا عزة النفس ، وشرف الضمير ، وثبات العقيدة ، وجمال الاستقامة . ومن ابرز أحداث هذا اليوم غير قتل الإمام الحسين عليه السلام : هي مقتل سيدنا علي الأكبر عليه السلام مقتل أولاد السيدة زينب عليها السلام مقتل سيدنا أبي الفضل العباس عليه السلام مقتل الطفل الرضيع عليه السلام السيدة زينب تجمع العيال والأطفال لقد أوصى الإمام الحسين أخته السيدة زينب بالمحافظة على العيال والأطفال بعد استشهاده  عليه السلام  ، ويعلم الله كم كان تنفيذ هذه الوصية أمراً صعباً ، وخاصةً بعد الهجوم الوحشي على مخيمات الإمام الحسين  عليه السلام  وعبد إحراق الخيام وتبعثر النساء والأطفال في الصحراء! ففي ساعة الهجوم على الخيام كانت النساء تلجأ إلى السيدة زينب ، وتخفي أنفسهن خلفها ، وكان الأطفال ـ أيضاً ـ يفزعون إليها ويتسترون وراءها خوفاً من الضرب بالسياط والعصي ، فكانت السيدة زينب عليها السلام  تحافظ عليهم ـ كما يحافظ الطير على فراخه حين هجوم الصقور على عشه ـ فتجعل جسمها مانعاً من ضرب النساء والأطفال ، وقد أسود ظهرها ـ في مدة زمنية قصيرة ـ بسبب الضرب المتوالي على جسمها! وبعد الهجوم والإحراق بدأت السيدة زينب تتفقد النساء والأطفال ، وتنادي كل واحدة منهن باسمها ، وتعدهم واحدةً واحدة ، وتبحث عمن لا تجده مع النساء والأطفال !. خطبة السيدة زينب في الكوفة تعتبر خطبة السيدة زينب ـ في الكوفة وفي مجلس يزيد في الشام ـ في ذروة الفصاحة ، وقمة البلاغة ، وآيةً في قوة البيان ، ومعجزة في قوة القلب والأعصاب ، وعدم الوهن والانكسار أمام طاغية بني أمية ومن كان يحيط به من الحرس المسلحين ، والجلاوزة والجلادين الذين كانوا على أهبة الاستعداد ينتظرون الأوامر كي ينفذوها بأسرع ما يمكن من الوقت . : وهنا سؤال قد يتبادر إلى الذهن وهو إن السيدة زينب كانت سيدة المحجبات المخدرات ، ولم يسبق لها أن خطبت في مجلس رجال أو معجم عام ، وليس من السهل عليها أن ترفع صوتها وتخطب في تلك الاجتماعات ، فلماذا قامت السيدة بإلقاء الخطب على مسامع الجماهير مع تواجد الإمام زين العابدين  عليه السلام  ؟ ومع العلم أن الإمام زين العابدين كان أقوى وأقدر منها على فنون الخطابة ، وأولى من التحدث في جموع الرجال ؟ لعل الجواب هو : أن الضرورة أو الحكمة اقتضت أن يسكت الإمام زين العابدين طيلة هذه المسيرة كي لا يجلب انتباه الناس إلى قدرته على الكلام ، وحتى يستطيع أن يصب جام غضبه كله على يزيد ، في الجامع الأموي ، بمرأى ومسمع من آلاف المصلين الذين حضروا يومذاك لأداء صلاة الجمعة خلف يزيد . فلو كان الإمام زين العابدين  عليه السلام  يخطب في أثناء هذه الرحلة . . في الكوفة وغيرها ، فلعله لم وين يكن يسمح له بالخطابة في أي مكان آخر ، فكانت تفوته الفرصة الثمينة القيمة ، وهي فرصة التحدث في تلك الجماهير المتجمهرة في الجامع الأموي ، علماً بأنه لم يبق من آل الرسول في تلك العائلة رجل سوى الإمام زين العابدين . ولهذا السبب كانت السيدة زينب تتولى الخطابة في المواطن والأماكن التي تراها مناسبة . وليس معنى ذلك أنها فتحت الطريق أمام النساء ليخطبن في جموع الرجال ، أو المجتمعات العامة كالأسواق والساحات وغيرها ، بل إن الضروري القصوى كانت وراء خطبتها عليها السلام. هذا أولاً. ثانياً : لقد كانت حياة الإمام زين العابدين  عليه السلام  مهددة بالخطر طوال هذه الرحلة ـ وخاصة في الكوفة ـ فكم من مرة حكموا على الإمام بالقتل والإعدام ، لولا أن دفع الله تعالى عنه شرهم ؟ فما ظنك لو كان الإمام  عليه السلام  يخطب في شارع الكوفة أو في مجلس الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد ، والحال هذه ؟! هل كان يسلم من القتل ؟ . طبعاً : لا إنهم أرادوا أن يقتلوه وهو ـ بعد ـ لم يخطب شيئاً ، فكيف لو كان يخطب في الناس ويكشف لهم عن مساوئ بني أمية ومخازيهم ويبين لهم أبعاد ومضاعفات جريمة مقتل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته ؟ ! إلى الرفيق الأعلى إذا كان الموت شبحاً مرعباً لكل إنسان . وإذا كانت مفارقة الحياة أقسى وأشد ما يزعج الإنسان فإن الأمر كان مختلفاً لدى السيدة زينب فالموت بالنسبة لها كان يعني لقاء الله والاقتراب أكثر من رحمته . والموت عند السيدة زينب قنطرة ومعبر إلى جنة الله العريضة الواسعة ونعيمه السرمدي الخالد . وكانت ترى في الموت وسيلة نقل سريعة توصلها إلى رحاب أحبتها السابقين حيث تلقى جدها النبي وأمها الزهراء وأباها المرتضى وأخويها العزيزين . لقد طال فراقها لجدها المصطفى وأمها البتول ، فامتلأت نفسها شوقاً إلى لقائهما لكن ستار الحياة يفصل بينها وبينهما ، فمتى يماط هذا الستار ليكتحل ناظرها برويتهما ؟. والموت بعد ذلك أصبح الوسيلة الوحيدة المتاحة للسيدة زينب للإعلان عن احتجاجها ورفضها وسخطها على واقع الألم والضيم والعناء . لكن الأمر بيد الله فهو وحده يقرر الآجال وبيده الموت والحياة . . وحينما قدر الله  تعالى  لها الرحيل عن دار الدنيا ، استقبلت قضاءه بصدر رحب ، فذلك ينسجم مع ما يجري في أعماق نفسها من مشاعر وخلجات . وأسلمت الروح لله . . ورجعت نفسها المطمئنة إلى الحق راضية مرضية لتدخل جنة الله بسعادة وهناء ولتلاقي صفوة عباده الأعزاء محمد وفاطمة وعلي والحسن والحسين . إنه لا يمكننا تصوير مدى سعادة السيدة زينب بعروج روحها إلى الملكوت الأعلى . هل نشبه تلك اللحظات بوصول المسابق إلى نهاية شوط السباق ناجحاً منتصراً ؟ فهو وإن كان حين الوصول في غاية التعب والمشقة لما بذله من جهد ، لكنه فور وصوله سينقلب إلى حالة أخرى هي ذروة السعادة ومنتهى الراحة . نعم . . لقد أكملت السيدة زينب امتحانها بنجاج ، وقطعت شوط الحياة الصعب بإخلاص ويقين ، وطوت ستة عقود من سنيّ الدنيا في جهاد رسائلي متواصل واختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها ، والأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت سنة ( 62 هـ ) الموافق ( 683 م ) بينما ذهب آخرون إلى أن وفاتها سنة 65 هـ. ويتفق المؤرخون على أن وفاتها كانت في الخامس عشر من شهر رجب . وهكذا انتقلت العقيلة زينب إلى الرفيق الأعلى . . وبقي ذكرها خالداً ينير للبشرية طريق الكرامة والمجد.ولنتحد ونقف وقفة واحدة للتعاون والتآخي لنصرة شعبنا وأنفسنا ونقضي على الطائفية البغيضة المصطنعة من جهلة علماء السوء لعنهم الله ولكن أخوة في دين الله والإنسانية ونعم ما قال خير الثقليين كلنا من آدم وآدم من تراب .ومرة أخرى يداً بيد للتعاون والتآخي وبمناسبة شهر رمضان المبارك نهدي لجميع الشهداء والمؤمنين ولروح أمي وأبي ثواب سورة المباركة الفاتحة مقرونة بالصلوات على محمد وآل محمد وأتقدم بالعزاء لجميع عوائل الشهداء وخصوص الشهيد حسن شحاته والإيرانيين والعراقيين والكويتيين والسوريين والمصريين واللبنانيين والباكستانيين كلهم ضحايا فتاوى علماء السوء  الله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
behbahani@t-online.de 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سيد صباح بهباني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/22



كتابة تعليق لموضوع : في رحاب رمضان المبارك وذكرى النساء الخالدات الحلقة التاسعة...!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net