سر كتاكومب المخيف.الدياميس شواهد على عدم رحمة الانسان بأخيه .
إيزابيل بنيامين ماما اشوري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إيزابيل بنيامين ماما اشوري

((كَتاكومب)) (1) أو ما يُعرف لاتينيا : (الدياميس) هذه الكلمة التي طالما اقضّت مضاجع الناس وأرعبتهم . لا أحد يعرف بالضبط هل هي سجون او مقابر جماعية أو ذاكرة حزينة تم خزن كل جرائم التاريخ فيها . إنها خزانة الاسرار المروّعة التي تحكي قصة ظلم الإنسان لأخيه نتيجة للصراعات المذهبية والدينية ولربما القبلية ، لأن السياسة لم تنبثق بصورتها الحالية بعد.
كانت الدياميس التي يعرفها الناس هي قبور حول الكنائس يدفنون فيها مواتهم ولا يعرفون مكانا آخر لدفن الموتى . إلى أن قذفت الأرض مئات الألوف من الجثث او العظام النخرة في بيوت الناس فهرعوا مرعوبين إلى الشوارع ولا يعرفون هل قامت القيامة وقذفت القبور احشائها ؟
وعلى ضوء ذلك اكتشفوا تلك الممرات المخيفة تحت المدن والتي تبدأ عادة من تحت الكنائس او قصور الأمراء . ولنأخذ باريس مثالا على ذلك مدينة الحرية والديمقراطية والتسامح التي طالما تشدق الناس بإنصافها وتغزلوا بثورتها الكبرى.
فقد اكتشف المحققون وجود أكثر من مليونين جثة مكدسة في بعض الاماكن في ممرات تحت الأرض قد يصل ارتفاع اكداس هذه الجثث احيانا أكثر من عشر أمتار. وهنا تبين سر شكوى الناس من تلك الروائح الغريبة الكريهة التي تنبعث من تحت بيوتهم حتى قيل أن هذه الروائح تجعل الحليب محمّضا لشدتها. فطالب الناس من الدولة ان تغلق هذه الممرات وانقاذهم من الرعب الذي يعيشون فيه . وهنا ظهر الجاني الحقيقي . لقد اعترض رجال الدين على قرار اغلاق هذه الدياميس من دون تقديم اي عذر او سبب لاعتراضهم.
ولكن في سنة (1780) تصدّعت الأرض تحت اقدام الناس وقذفت الجثث إلى البيوت والشوارع نتيجة لاحتباس غازات تفسخ الجثث، وعلى ضوء ذلك اغلقت فتحات هذه الدياميس .وقررت الدولة نقل الجثث والعظام إلى مقالع (تومب إبسوار المهجورة ) وعلى مدى (15) شهرا كانت قوافل مخيفة تنقل العظام كل ليلة وحتى الصباح . وكانت العظام والجثث تُلقى عبر فتحة (مهوى) ارتفاعه (17) مترا .
في سنة (1787) كان اول من نزل لمشاهدة هذه الدياميس السرية هم الأمراء ونساء البلاط الملكي فقد نزلوا ما يقارب (91) درجة حتى وصلوا إلى اول النفق وعلى ضوء المشاعل شاهد الجميع ما تقشعر له الجلود اكداس من الجثث والعظام تم رصفها على شكل علامة الصليب وبناء اغلب الجدران من هذه العظام.
وفي سنة (1774) انهار (1000) قدم من شارع (رود دنيفر) والذي اطلق عليه فيما بعد شارع الجحيم وهو الان بإسم (دنفير روشرو) خًسف هذا الشارع وانهار تحت اقدام الناس والبيوت في حفرة عمقها (30) متر فصارت باريس مهددة بالانهيار .
وفي سنة (1782) اقتحم رجل صحفي شجاع اسمه (فيليبير أسبير) احد هذه الانفاق لكي يعرف اسرارها فقد حاول هذا الصحفي ان يشق طريقه عبر مئات الكيلومترات من الدهاليز . فضاع في هذه المتاهة وفي سنة (1793) أي بعد احد عشر عاما ، وجدوا هيكله العظمي وقد تم التعرف عليه من خلال مفاتيحه وثيابه ومصباحه.
لو يدخل الزائر من أحسن المداخل المؤدية للسراديب السرية واجملها انارة هذه الايام لرأيت باب برونزي صدئ ثقيل ووراء الباب يمتد رواق بُنيت جدرانه بالجماجم وعظام الفخذ والعظام الكبرى للكتف وهي مرتبة في صفوف هائلة وقسم منها على شكل صلبان مما يجعل المنظر مرعبا جدا حيث صنعت كل ثريات الشمع من عظام الاطفال الرقيقة.
على مساحة تساوي ثلثي مساحة باريس كانت الانفاق مليئة بالعظام والجرذان الكبيرة تعشعش في اجواف الهياكل العظمية. يقول الخبراء : لو تم توزيع الجرذان على سكان باريس لكان نصيب كل فرد ثلاث جرذان كبيرة الحجم لها قدرة كبيرة على هضم اقوى السموم وهذه الجرذان لا تعاني نقصا في الاغذية فهي تشن غاراتها الليلية على البيوت والمطاعم ومكبات النفايات اضافة إلى التهامها كل يوم 100 طن من الفضلات ، وهذا يُساوي ثلث مزابل باريس .
زعم البعض ان هذه الجثث هي بقايا ضحايا الطاعون الاسود الذي ضرب باريس سنة (1418) والذي قتل مئات الألوف . ولكن تبين فيما بعد من خلال الوثائق التي تم العثور عليها في سراديب (كاتاكومبا) ووثائق أنفاق مدفن (سان زينوسان) أن مليونين جثة على أقل التقادير هم ضحايا مذبحة عيد القديس (برثولماوس) . (2) وهي المذبحة التي جرت في باريس على خلفيات مذهبية طائفية على يد الكاثوليك ضد البروتستانت في فرنسا. حيث كان اتباع مذهب برثولماوس يحتلفون بعيد لهم فهجهم عليهم الكاثوليك وامعنوا فيهم ذبحا ثم رموا جثثهم في مجاري باريس القديمة والممتدة مئآت الكيلومترات تحت الأرض فتكومت عظام اكثر من مليونين انسان بينهم شيوخ واطفال ونساء كلهم من اتباع هذا القديس.(3)
وبرثولماوس اعتمد عليه يسوع في تبليغ رسالته إلى اليهود كما يذكر إنجيل مرقس 3: 18 ((ثُمَّ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَدَعَا الَّذِينَ أَرَادَهُمْ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَأَقَامَ اثْنَيْ عَشَرَ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَلِيُرْسِلَهُمْ لِيَكْرِزُوا ))وكان من بينهم برثولماوس . وكان برثولماوس منصفا حيث انكر مسألة ربوبية يسوع وصلبه وتكاثر اتباعه ، ولكن اليهود امسكوه وسلموه للقيصر الذي صلبه منكس الرأس بعد أن سلخ جلده حيا. وقد ذكر المؤرخ (يوسابيوس القيصر) بأن القديس برثولماوس ترك نسخة من انجيله وهو الإنجيل الذي لا تعترف به الكنيسة وتعتبره من الأناجيل المنحولة ، وقد ورد اسم هذا الإنجيل في قائمة الكتب الممنوعة للبابا (جلاسيوس) وقد وصلت من هذا الانجيل اجزاء لا تزال في مكتبة الفاتيكان ضمن الوثائق الاكثر سرية.
هذا سرٌ من أسرار المجازر الطائفية كشفت عنه المقابر الجماعية الدياميس ولم يكتب عنه أحد بهذا الوضوح .
إيزو .
المصادر والتوضيحات ـــــــــــــــــــــ
1- انظر Parisin katakombaları— əyri-üyrü yeraltı tunellərin və Parisin altında süni tipli mağaralarının . وقد بنى هارون الرشيد على يد خبراء يهود ورومان سجنه المشهور في مدينة البصرة واطلق عليه إسم الديماس.
2- القديس (برثولماوس) له اتباع كثيرون وهو من حواريي السيد المسيح الذين ورد اسمه ضمن الاثنا عشر حواري كما في ((وَأَقَامَ اثْنَيْ عَشَرَ لِيَكُونُوا مَعَهُ، بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ، وَأَنْدَرَاوُسَ، وَفِيلُبُّسَ، وَبَرْثُولَمَاوُسَ، وَمَتَّى، وَتُومَا، وَيَعْقُوبَ بْنَ حَلْفَى، وَتَدَّاوُسَ وَسِمْعَانَ الْقَانَوِيَّ وَيَهُوذَا)). وقد ورد اسمه أيضا في ( إنجيل متى 10/3 - إنجيل مرقص 3/18 - إنجيل لوقا 6/14)
3- المطران بطرس المرياتي (1997) دليلك الي قراءة تاريخ الكنيسة المجلد الثاني ص 19، دار المشرق - بيروت
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat