وإذا حييتم بتحية: فحيوا بأحسن منها
السيد يوسف البيومي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حضرة "الأب حنا اسكندر" دمتم بخير..
إذ أنني أشكر لكم قراءتكم لما قد قدمته على رد للبحث الذي نشرتموه كبداية لحسن نية، فإنني ما زلت عند رأيي بكم وحسن الظن، من خلال ما قدمتم من خلال هذا البحث، وإنني بعدما قرأت ردكم على ما قمت بتفنيده بالأدلة، فإن هناك ملاحظات لا بد لي أن أشير لها، وهي من خلال توضيح الأمور التي قد تكون قد التبست عليكم..
فمن هنا فإنني سوف أقوم بعرض ردكم ومن ثم تعليق على ما يلزم وذلك لكي أزيل الملابسات.
لقد قلتم في معرض الرد:
(وإن ردي ليس هو وضع نقاط على الحروف، ليبدو أي منا منتصرا أو مهزوما لا سمح الله، ولكن بداية حوار عقلاني مبني على الاحترام المتبادل، وأؤكد لكم أني أكن لشخصكم الكريم، ولكل شخص من إخوتنا المسلمين كل محبة وتقدير واحترام).
إن أساس كل حاور هو الوصول إلى نتيجة ولا يمكن لأي حوار أن يكون عبثياً من هنا فإن هذه قيمة أقدرها في شخصكم الكريم وهو الوقوف على الدليل واحترام الآخر، وأنني انحني أمام تواضعكم، وأنني أذ أريد أن أعلمكم أن علاقتي وأصدقائي من الأخوة المسيحيين وخاصة من بين الآباء ورجال الإكليروس هم كثر، فقد وصلت منذ فترة إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية حين زيارته للبنان، وكذلك فإن البطاركة الكاثوليك والأرثوذكس في لبنان هم أصدقاء لي وبشكل شخصي، ومن هنا فإن اختلاطي مع رجال الدين المسيحيين هو على شكل واسع وكبير. فمن هنا، فأنا لي هدف من هذا الرد وهو وصول لنتيجة مرضية يقبلها العقل والدليل.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(ونحن كذلك يا سماحة السيد والحمد لله بداية التقينا وهذا من المشتركات الهامة للبحث العلمي).
قيل: "من جعَل الحمد خاتمةَ النعمه جعلھا الله فاتحة المزيد". من هنا فإن الأديان التي وصفت بالسماوية لا بد أن تلتقي بمشتركات وأكيد بخلفات، لقد عمدتم من خلال بحثكم أن تجدوا المشترك، ولكن لا يمكن أن ننسى أنه هناك خلاف من منطلقات، فإنه لا يمكن تحميل النصوص ما تحتمل أو نخرجها عن حقيقتها من خلال مشتركات لفظية أو تاريخية. وإنني بصدد بيان بعض ما قد وقعتم فيه من خطأ في تفسير المشتركات.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(أخي بالرب، كل ما أبغي، ليس نشر المسيحية بل البحث عن المشتركات فيما بيننا لأن اختصاصي التاريخ والإسلاميات وما تبين لي أن جذورنا مشتركة والكثير الكثير يجمعنا والقليل القليل يفرقنا وما غايتي إلا البحث عن الذي يجمعنا).
إن مسألة المقارنة فيما بين الأديان هو شيء مشروع ولا يرفضه أحد، ولكن هذه المشتركات لا تكون من خلال تحميل الأمور ما لا تحتمل، فكما يعلم جنابكم أن "عقيدة الصلب" وكذلك "الفداء" قد رفضها الإسلام رفضاً، قاطعاً، وهذا من المعلوم ليس من المشتركات بل هو من الخلافات، ولا يمكن لأي أحد أن يأتي لحرف المعتقدات من خلال كلمة من هنا فسرت حسب الظاهر، أو لأن نفس اللفظ قد تم ذكره فهذا لا يعني بالضرورة فرض عقيدة الآخرين على ما تم نفيه بشكل قاطع في عقيدة المسلمين. فإن عقيدة الصلب هي من القليل والقليل الذي يفرقنا.
أضف إلى ذلك من الناحية المنطقية كيف تريد أن تثبت ما هو في معرض النفي ولا دليل عليه بشكل قاطع، وهما من الضدين اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
لقد قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(جيد أيضا، الدين كله حلقة مترابطة يكمل بعضها البعض، فلماذا إذا لا نساهم في إكمال بعضنا البعض وإغناء بعضنا البعض وخاصة نحن رجال الدين المسؤولين المباشرين عن العناية بالمؤمنين).
صحيح، أن هناك أوجه شبه فيما بين الأديان، ولكن هناك أوجه خلاف وذلك يعود لعدة أمور منها:
1 ـ المنطلقات التي ينطلق كل دين، فصحيح أننا نؤمن بالتوحيد على سبيل المثال، ولكن نظرتنا كمسلمين تختلف عن الأخوة المسيحيين في التوحيد فإننا نؤمن أن الله واحد أحد فرد صمد، ليس له أبن، ولا شريك، وهو يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار. أما عن أخوننا المسيحيين فإنهم يعتقدون أن المسيح هو ابن الله، وأن الله هو مكون من ثلاثة أقانيم، وهذا مما لا يمكن أن نتوافق عليه.
2 ـ ومن باب المسؤولية كما طرحت جنابكم كرجال دين فإننا مسؤولين عن رعاية المؤمنين، فإن ما طرحته في بحثكم يعتبر بالنسبة لنا شبهة، ويجب علينا أن نرفع هذه الشبهة عن المؤمنين وإلا اختلى الإيمان وانخرم.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(يا جناب السيد، ويا أخي في الرب، أنا كل ما أبغيه البحث عن المشتركات وأكرر الكثير الكثير يجمعنا والقليل القليل يفرِّقنا).
أشكر لكم أنك اعتبرتني أخ لك في الله، وهذا لا يخرج عن صفاء نيتك وحسن خلقك، وإنني كذلك في التعاطي معكم أطبق ما أمرنا به ديننا الإسلامي الحنيف، حيث قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "الناس صنفان: أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".
وإنني ومن حيث موقع الأخوة ومن باب النصيحة لأخ عزيز كجنابكم، لا بد لي أن أبين أن ما نختلف عليه هو شيء جوهري يمس صميم العقيدة الإسلامية ولا يمكن القبول به، لذلك فإنني أعمل على تفنيد الشبهات التي طرحتها كي نزيل اللبس عن جماعة المؤمنين.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(صراحة لم يعد أمامي سوى هذا السبيل لوضع نقطة انطلاق لحوار مع إخوتي المسلمين الذين أكنُّ لهم كل التقدير، لأن إن حاججتهم بالإنجيل يجيبوا إنجيلكم محرَّف. وإن حتى استندنا الى مصادر أخرى غير مسيحية يعتبرها المسلمون غير موثوق بها.
وإن استندنا بالطبع إلى كتابات الشراح والمؤرخين المسيحيين في القرون المسيحية الأولى فهي أيضا مشكوك فيها...
لذلك لم يعد أمامي إلا البحث في القرآن الكريم والمصادر الإسلامية، لوضع نقطة انطلاق للبدء بالحوار. وأنا لا أبغي إثبات عقيدتي بقدر ما أبغي بدء لقاء وحوار مبني على المنطق والاحترام المتبادل، ولأقول لأخي المسلم، يا أخي تعال أنت إنسان عزيز وكريم ومحترم بالنسبة لي وأنت أخي في الإنسانية، واسمح لي، وفي الدين أيضا، فلنبدأ الحوار).
عزيزي إن المنطلق أثبات شيء أو نفيه هو الدليل الذي يقبله العقل والوجدان، ونحن من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، والذين نعتمد على أثبات عقيدتنا ليس فقط من النص الشرعي المتمثل بالقرآن والحديث، ولكن نحن نثبت عقيدتنا من خلال العقل، ويجب أن تعلم أخي الكريم، أن الروايات التي تخالف العقل نحن لا نقبل بها، والقرآن عندنا له أوجه في التأويل فلا يمكن لنا أن نأخذ الآيات على ظهارها وإلا أصبح هناك خلل في فهم مقاصد الشريعة والعقيدة.
أما بالنسبة إلى الأناجيل فإننا لسنا من ناقش بها وقال في الاختلاف الواقع فيها بل علماء مسيحييون هم أنفسهم من قالوا هذا، وسوف أعرض لكم لبعض أقوالهم:
ويصرحون: بأنها كتبت بعد عشرات السنين:
وبأن تسميتها بالأناجيل قد جاءت في بداية القرن الثالث، وأن الكنيسة هي التي أطلقت عليها هذه التسمية.. وكان بعضهم يقول عنها قبل ذلك: «مذكرات الرسل». وإليك بعض كلماتهم حول ذلك وسواه.. فقد قالوا:
1 ـ "إن النظرية السائدة بين العلماء في الوقت الحاضر: أن إنجيل مرقس كان أقدم إنجيل كتب. وأن متّى ولوقا أسّسا كتابيهما جزئياً على مرقس.. وجزئياً على مصادر أخرى غير معروفة حصلا عليها"(1).
2 ـ إن مرقس هو المرجع الأكبر لمتّى ولوقا، لأن إنجيل مرقس هو على العموم الكرازة الشفوية، التي أراد الكرازة البشريون كتابتها(2).
3 ـ حسب التقليد المبكر جداً، المسلم للكنيسة، فإن القديس يوحنا كتب إنجيله تحت إلحاح شديد ومتواصل من رجال الكنيسة.. وبهذا يقول التقليد: إنهم اضطروا يوحنا لكتابة إنجيله بعد أن تعهدوا بالصوم والصلاة. إذن.. فسرُّ الإلحاح على القديس يوحنا لكتابة إنجيله واضح، لأن بلبلة الأفكار بسبب مهاجمة الهراطقة للإيمان المسيحي الخ..(3).
4 ـ ويذكر هو ـ أي لوقا ـ: أنه كتب هذا الإنجيل بعد بحث دقيق، إذ كانت ظروف طيبة، ولا بد أن موارده كانت جيدة(4).
5 ـ أسفار الكتاب المقدس هي عمل مؤلفين عرفوا بأنهم لسان حال الله في وسط شعبهم، ظل عدد كبير منهم مجهولاً(5). وهذا تصريح لافت للنظر جداً، ومثير لعشرات الأسئلة القوية والصريحة!!.
6 ـ قال لوقا في أول إنجيله: "إذ كان الكثيرون ـ قد أخذوا في إنشاء رواية للأحداث التي جرت فيما بينّاه، على حسب ما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء شهود عيان، ثم صاروا خداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً ـ بعد إذ تحققت بدقة جميع الأشياء من البدء، أن أكتبها إليك بحسب ترتيبها أيها الشريف، ثاوفليس، ولكي تعرف جيداً قوة التعليم الذي وعظت به"(6).
7 ـ قال موريس بوكاي:
إن مارسيون لم يعترف بإنجيل لوقا، لأنه في رأيه يتحدث باسم بولس، ومنذ حكمت الكنيسة على مارسيون بالهرطقة في أواخر القرن الثاني. وضعت القائمة الرسمية التي وضعت الأناجيل الأربعة، ورسائل بولس، ثم ألحقت بها رسالة أعمال الرسل.
ومع ذلك، تنوعت هذه القائمة مع الزمن فيما بعد، رفعاً ووضعاً، حتى استقرت على وضعها الذي عرض في مجمعي هيبون 393 وقرطاجة 397 (7).
8 ـ جاء في التعليقات على الترجمة المسكونية للعهد الجديد المنشورة عام 1972م: "إنه ـ على أي حال ـ لا توجد أي شهادة تقول: يوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية قبل سنة 140م. ولكن (أـ تريكوـ) يقول في ترجمته للتعليقات ذاتها: منذ بداية القرن الثالث: استقر العرف على استخدام كلمة «إنجيل» للإشارة إلى الكتب التي كان القديس جوستين في نحو 150 ميلادية يسميها مذكرات الرسل"(8).
9 ـ "أما ديونيسي الإسكندري فيعرب عن شكه بنسبة "الرؤيا" إلى الرسول يوحنا في بدء العصر الرابع. وحسب شهادة أوسابيوس القيصري كانت لا تزال تحت الجدل.
وكذلك رسالتا يوحنا الثانية والثالثة.
ورسالة يعقوب الجامعة.
ورسالة يهوذا.
ورسالة بطرس الثلاثية.
لكن في العصر الرابع اعترفت الكنيسة بهذه الكتب إلخ"..(9).
10 ـ وقالوا: فمن المتفق عليه: "أن الكنيسة وضعت قانون الكتب المقدسة، الكتب الرسولية، في القرن الرابع، وبعد ذلك تم الإعتراف بها، واعتمادها مرجعاً وحيداً"(10).
11 ـ وقال بعض المؤرخين:
إن أول من ذكر الأناجيل الأربعة هو أرينيوس ـ 209. ثم جاء بعد كليمنس إسكنديانوس 216 ثم اختارت الكنيسة هذه الأناجيل بعد أن أظهر كليمنس وجوب التسليم بها. ولم تكتف بالاختيار. بل أرادت الناس على قبولها، والإعتقاد بها، ورفض غيرها، فصارت هي المعتبرة دون سواها"(11).
12 ـ قال الشماس اسپيرو جبور: "ليس في المسيحية تنزيل. مقدمة إنجيل لوقا تدل على أن كثيرين أخذوا في تأليف قصة حياة المسيح، فتتبع هو كل شيء، واتصل هو بمعايني يسوع، والمبشرين به، في النهاية تبلورت الأمور في أربعة روايات سمتها الكنيسة ـ لا الكُتَّاب ـ أناجيل"(12).
13 ـ وقد كتب أقدم إنجيل بعد ثلاثة عقود من الصلب، ولم يذكر أي منها أنه إنجيل المسيح. أو أن المسيح «عليه السلام» أملى واحداً من هذه الأناجيل، أو أشار إلى القبول به.
14 ـ قال في كتاب معجم اللاهوت الكتابي: "كان بعد السيد المسيح إنجيل شفاهي ينقل على الألسن، وبعد مدة طويلة دونت الأناجيل"(13).
15 ـ قال تولستوي: "إن أصل التعليم المسيحي مقدس، إلا أن هذه الكتابات الرائجة ليست من تعاليم المسيح"(14).
16 ـ وقال موريس بوكاي: الشهادات المتعلقة بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية تظهر فقط في منتصف القرن الثاني. وبالتحديد بعد عام 140م.
وقال: إن الأناجيل التي أصبحت رسمية فيما بعد ـ أي كنسيّة ـ لم تعرف إلا في عصر متأخر، على الرغم من أن تحريرها كان قد تم في بداية القرن الثاني. ويكاد يكون من العسير التقرير بما إذا كانت الإستشهادات تمت بعد الرجوع إلى النصوص المكتوبة، أم أنهم اكتفوا بذكر أجزاء من التراث الشفوي، اعتماداً على الذاكرة.
كما أنه لا توجد على أية حال شهادة تقول بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية قبل عام 140م(15).
17 ـ وقال في كتاب العهد الجديد لـ: أ ـ كولمان: "قد بقي الإنجيل ثلاثين أو أربعين سنة في شكله الشفوي فقط".
18 ـ وقال الدكتور بوست عن إنجيل متى: يظن أنه كتب ما بين سنة 60 ـ 65 م(16).
19 ـ أما هورن فيقول: قد يكون تم تأليف هذا الإنجيل في سنة 36 أو 37 أو 41 أو 43 أو 48 أو 61 أو 62 أو 64 للميلاد(17).
20 ـ يقول جرجي زوين: إنه كتبه في أرشليم سنة 39م(18).
21 ـ يقول ابن البطريق: "في عصر نارون قيصر كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس في مدينة رومية، ونسبه إلى مرقس، وذلك بعام 61 ميلادية"(19).
22 ـ أما آرينيوس فيقول: إن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس. أما لوقا فكان من تلاميذ بولس، وقد كتب إنجيله بفلسطين خلال أسر بولس ما بين 58 ـ 60م (20).
23 ـ إن مما يزيد الطين بلة، والخرق اتساعاً قول أحد كهنة الكنائس القبطية: "إن النسخ الأصلية للتوراة والإنجيل قد فقدت، ولكن بعد مرور عدة أجيال. وكانت قد انتشرت في أنحاء العالم عن طريق النسخ.
وبعد ذلك يتساءل ـ متحيراً أو محيراً ـ قائلاً: والذي يحار له الإنسان هو: لماذا لا يحفظها القدير من التلاشي"؟!(21).
ويجب أن نلفت النظر:
أولاً: أن الكنيسة إنما قررت اعتماد الأناجيل الأربعة في مجمع نيقيا بمباركة الملك قسطنطين الوثني!!.
وقبل ذلك كانت الأناجيل قد كثرت كثرة هائلة، حتى إن الأناجيل التي جاء بها الأساقفة وعرضوها في مجمع نيقيا قد بلغت الأربع مئة كما تقدم. فما الذي رجح هذه الأربعة على ما عداها.
ثانياً: حتى لو صح ما قالوه، فلا شيء يضمن أن تكون هذه النسخ التي وجدوها، والمحفوظة في المتحف قد سلمت من التلاعب والتغيير، والتبديل، والإضافة، والحذف والإثبات عبر العصور..
ثالثاً: لماذا بقيت مخفية إلى أن ظهرت واشتريت في هذا العصر؟!.
رابعاً: إنها ليست هي إنجيل المسيح.
خامساً: إن الفاصل بينها وبين عيسى «عليه السلام» هو ثلاثة قرون. والله أعلم ما الذي حدث في هذه القرون الثلاثة؟!.
وكيف نشأت هذه النصوص؟! ولماذا دونت، ومن الذي دونها؟! خصوصاً وأنها لم تكن قد اختيرت في مجمع نيقيا، الذي عقد بعد قرن من تاريخ هذه النسخ المزعومة. وما الذي جمعها دون سائر الأناجيل الأربع مئة التي كانت في أيدي الناس؟!.
سادساً: إن ثبوت كون تاريخها يرجع إلى تلك السنين لا إلى القرن العاشر مثلاً، أو السادس أو الرابع أو غيره لا مستند له إلا الحدس، والتخمين والإحتمال والإدعاء.. وكم رأينا من لوحات مزورة يبذل العلماء جهوداً جبارة لتمييز نسخة الأصل من المزور، ولمعرفة الأصيل من الدخيل، ثم تكون النتيجة مجرد حدسيات، واحتمالات، وتخمينات.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(يا أخي العزيز في الرب، أنا أحترم كل الاحترام الاسلام وكتبه المقدسة، وأكرر ما قلته سابقا الكثير الكثير يجمعنا، فلماذا نُصرّ على البدء بنقاط الخلاف، أنا حسب رأيي نبدأ بالمقاربات وسنجد حلا للخلافات، فحسب رأيي المتواضع لا خلاف قطعا بين الاسلام والمسيحية، وفعلا أنا مذهول مما اكتشفته ولا أزال اكتشفه من مشتركات بين الاسلام والمسيحية، وأقولها لكم الآن، أني من وقت قريب اكتفشت أن الرسول مارس الحياة النسكية، وصلَّى صلوات الرهبان، ورتَّل تراتيلهم، وحدَّث بأخبارهم، وأيضا عاش فقرهم واهتمَّ باليتيم والبائس والفقير، وعاش طاعتهم، وحتى لا تفاجأ: مارس عفتهم، وإن ما نسب زورا إلى الرسول عن تعدد النساء، (باستثناء خديجة وبعد وفاتها، ماريا القبطية) وجعلت منه بعض الأحاديث زير نساء، ليست إلا أحاديث غير صحيحة، كتبها، حسب اعتقادي، من تولَّى على المسلمين، وخاصة من بدايات عهد بني أميّة، إلى العصر العباسي، الذين لم يكن يهمهم الا المال والنساء فلكي يبرروا شذوذهم، نسبوا تلك الأحاديث الى الرسول، وهو بالطبع منها براء. وإلا ولو كان صحيحا، أنه تزوج هذا الكم من النساء، فلماذا لم ينجب منهن أطفالا، وهذا أعتقد أن دليل كاف على طهارة الرسول).
أقول:
أنا سعيد أيضاً لأنك تبحث عن ما هو مشترك ولكن عليك أن تأتي إلى المصدر الإسلامي الصحيح فنحن كشيعة أثنا عشرية نرفض بعض المرويات التي نسبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنها ما نقلته أن النبي كان يرتل تراتيل الرهبان، فلا بد أن نصحح لك هذه النظرة إن النبي عندنا هو معصوم وهو يعمل بأعمال الديانة الحنيفية أي ديانة إبراهيم (عليه السلام) وقد ثبت عندنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) حاله كحال الأنبياء جميعاً لم يكن ينظر إلى بهارج الدنيا وما فيها، فهذا ليس بجديد فكل الرسل والأنبياء هذه هي حالهم.
وأنا أيضاً أقدر لكم أنكم تحاولون التعرف على شخص النبي (صلى الله عليه وآله)، وتفرقة اخلاقه عن غيره من الحكام الذين حكموا بأسم الإسلام والدين وهو منهم براء.
عزيزي حضرة الأب المحترم، إن الخلاف هو جوهري في بعض الأمور ولا يمكن لنا أن ننطلق إلى غيها من الأفكار والأمور حتى نصل بهذه الأمور إلى نتيجة. ولأن المسيحية تقوم على الإيمان بهذه الأمور من صلب المسيح وعقيدة الفداء وغيرها من هذه المعتقدات التي ينفيها الإسلام نفياً قاطعاً. ولكن هذا لا يمنع أن نتحاور بما هو مشترك مع احترام المتبادل لعقيدة كل منا لعقيدة الآخر، فهذا الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(ما تبين لي إلا الآن أن المفسرين المسلمين يعتمدون على أساسين في التفسير، الأول والمهم وهو من خلال الاحاديث والروايات، والثانية من خلال اللغة، ولكنهم يعتمدون فقط على اللغة العربية وخاصة على الشعر الجاهلي، دون التطرق الى اللغات الاخوات كالسريانية والارامية، والعبرية وغيرها. أما الثالثة وهي تفسير الكلمات من خلال ورودها في كل القرآن الكريم فهذه الطريقة لم تتبع إلى الآن حسب معلوماتي، أقله بشكل واسع، وقد بدأ بهذا الطريق المفكر الليبي وعذرا نسيت اسمه، وقد لاقى معارضة شديدة على طروحاته، ولكن هذا الامر جيد جدا وهو التفسير من خلال ورود الكلمة في كل القرآن الكريم.
أما ما اقصد به التفسير التقليدي هو ما أجمع عليه المسلمون إلى اليوم، لان هناك قواسم مشتركة عند الجميع مع اختلاف المفسرين والمدارس. وبالتفسير المسيحي، أقصد بالعودة إلى مراجع مسيحية، وهذا لا يعني أنها ليست علمية، أو هي ضعيفة وغير ثابتة، لأن ما ذكرته كله إن من التوراة أو الانجيل أو كتب الشراح المسيحيين هي جميعها، حسب الدراسات العلمية الحديثة، تسبق نصوص القرآن الكريم، وبالتالي إن هناك تشابه مع نصوص القرآن الكريم، يحق لي، وهذا من سعة صدركم ومحبتكم، أن أعطيها تفسيرا انطلاقا من هذه النصوص، وهذا حسب رأيي بداية دعوة مهمة لاخوتنا المسلمين الى التعرف الى المصادر المسيحية وهذا ما يزيد الود والتقارب كما انا تعلمت الإسلام وأحببته).
عزيزي حضرة الأب حنا اسكندر، إن معلوماتك تحتاج إلى تحديث بالنسبة لموضوع التفسير إلا أن التفاسير عند المسلمين ليس مما قد أجمعوا عليه، لذلك فإنك تجد أن المفسرون ما زالوا يكتبون كتباً في تفسير القرآن الكريم، وإن مدارس التفسير هي عديدة وهذا شخص الليبي هو من المنبوذين لأنه خرج ببعض الأمور التي خالف بها المسلمون، فإنه أراد أن يعتمد على القرآن فقط دون غيره من مصادر التشريع وهذا ما قد يشوه الشريعة كما أوردنا سابقاً.
ولكن بالنسبة لمنهج تفسير القرآن بالقرآن هو منهج متبع من قبل أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولكي أضيف لمعلوماتك فإن مدارس التفسير هي خمسة عشر مدرسة المشهور منها سبعة مدارس، لذلك فلا يمكن أن تقول أنها تفاسير تقليدية لأن التفاسير دائمة التجدد لذلك نأمل أن تراجع في ذلك.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(يا جناب السيد لا أدَّعي امتلاك الحقيقة، إن كل ما قمت به هو محاولة فهم النص بطريقة مختلفة مما يزيد من التقارب والودّ بيننا).
الأخ الكريم حضرة الأب الأحاطة بكل الأمور هو أمر غير ممكن لأحد، ولكن الحقيقة تحتاج فقط لمجهود بسيط حتى نصل إلى الحقيقة المرجاة، إننا نشكر لكم هذه المحاولة ولكن عزيزي لا يمكن أن تزيد التقارب والود من خلال محاولة نقض عقيدة المسلمين المتعارف عليها، وإن جنابكم من خلال هذه المحاولة قد استعملت طرق غير علمية بحتة فإن قص من هنا وهناك وإخراج الكلمات عن أصلها ومعانيها لا يكون شيء محموداً ولا بد من منطلقات العلم هو القراءة الصحيحة.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(ويا ليت تقوم مدرسة من المدارس الاسلامية بالبدء في تحقيق نصوص مخطوطات المصادر باختلاف انواعها ونقدها وتمحيصها).
إن المدارس الإسلامية هي من أول المدارس التي قامت على التمحيص وهذا معروف لدى القريب والبعيد، وإلا فإن الكتب الإسلامية كثيرة والمخطوطات كثيرة وعلماؤنا هم من يمحصون هذه المخطوطات والكتب وإن المتاحف ذاخرة بهذه المخطوطات التي يحققها المسلمون ويمكن لك أن تراجع في هذه الأمور.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(اكرر الكلام نفسه ما حيلتي هذا ما هو موجود وهذا يقرّ به قسم كبير من المسلمين).
أعود وأكرر أنك قد أخذت حكماً مبرماً عن ما يقر به المسلمون وهذا غير صحيح، فلا يمكن أن تأخذ النصوص هكذا فكل يجب التدقيق فيه، وهذا ما كنت تدعونا له في المقطع السابق، ومن خلال التمحيص والتدقيق فإن بعض المرويات ليست صحيحة، وبالتالي فليس كل ما ورد في كتب الأحاديث يمكن القبول به، واقتضى التوضيح حتى لا نكرر.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(الترانيم التي استشهدت بها تعود الى الجيل الرابع والخامس والسادس كأبعد حد. وقد أثبتت هذه المقولة المدراس العلمية الغربية من خلال دراسة المخطوطات والمقارنة بينها للوصول الى نص ثابت وأيضا من خلال تبيان كلمات الكاتب ونوعيتها إن هي له أم لا...).
إن هذه النصوص لا يمكن أن تكون ثابتة إذ أن نفس الإنجيل ليس محتوم الصدور عن السيد المسيح (عليه السلام) وقد تتبدل هذه الترانيم كما هو واضح لدى الجميع.
ومن ثم قال:
(أنا لم أذكر العلاقة بين محبة الله واثبات الصلب من خلال الترانيم، لكن ذكرت الترانيم لأعطي تفسيرا لآيات قرآنية لما رأيت من تشابه بينها).
حين استشهدت في ترنيمة (اليوم علق على الخشبة) هذه لم تصدر في أي أنجيل، وعلى فرض فأنها تقوي أن المسيح لم يصلب على الشكل الذي تريده فكلمة علق يعني هو شد وثاق اليدين والرجلين، وأما هل تستعمل في محبة الله، فإن هذه الترنيمة ينشدوها في يوم الصلب وهذا لخلق علاقة مع السيد المسيح (عليه السلام) الذي تعتبرونه أنه ابن الله كما تقولون.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(وهذا يفرحني ان يطول الحوار، وأنا زرت العراق مرتين وقد سحرت بكرم أهله ومحبتهم، ولا أنسى احترامهم ولطفهم، وان شاء الله، وبركة لي أيضا أن أتمتع بالحوار معكم، وأغتني بفكركم، وهذا ما ينمي شخصي أيضا فشكرا لكم. أما بالنسبة إلى وجود كلمة صليب في القرآن ومعناها، فإني قمت بمحاولة لشرحها بالاستناد الى التوراة والانجيل، وليس بالطبع أن يكون دائما الحق الى جانبي ولكنها محاولة).
عزيزي وأخي الكريم أنا في شدة الفرح أن أتناقش معكم وهذا من دواعي سروري بكم، ونحن أيضاً بغاية السرور بكم، ونشكر الله عز وجل أنك أتيت إلينا لعرض محاولتكم التي أفرحتنا لكي نبين ما هو الصواب، فإن أجمل شيء في هذه الحياة هي احتكاك الأفكار للوصول إلى ما هو خير لنا ولكم بإذن الله تعالى.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(يا سيدي الكريم الحق الى جانبكم، إن طرق الصلب مختلفة وأشكاله مختلفة، ولكن المتفق عليه أنه حالة من حالات الاعدام التي مارسها الحكام وخاصة الرومان، والارجح تثبيت المصلوب بالمساير لا بالحبال لانهم يريدون تعذيب المصلوب امام المارة وإعدامه ليرهبوا الباقين، لأن الحبل لا يسبب ألما ولا يؤدي الى الموت، لكن المسامير تسبب ألما حادا مصحوبا بنزيق من الدم يؤدي الى الوفاة).
صحيح أن الرومان كانوا قد اشتهروا بهذه الطريقة ولكن هذا لا ينفع مع باقي الحضارات فإن ما نقله القرآن الكريم هو عن حضارات أخرى لم تتبع نفس الطريقة والتي حاولت أن تستشهد بها، وقد بينا لكم ذلك من خلال الرد.
أضف إلى ذلك عزيزي وأخي الكريم، إن ذكر طرق التعذيب والإعدام وطرق الصلب ليس بالضرورة وقوع الصلب على السيد المسيح (عليه السلام) والذي نفاه القرآن الكريم جملة وتفصيلاً، ويجب عليك مراجعة هذه الآيات التي لا تحتمل التأويل.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(إن المسيحية انتشرت في الغرب والشرق، وإذا استندنا الى مرجع غربي لا يعني أنه يفهم كلمة الصليب بشكل مختلف عن الشرقيين، وما استندت اليه هو كتاب علماني لا علاقة له بأي دين، يستند على أسس علمية حسب مدارس الغرب).
إن أصول المسيحية هو شرقي والسيد المسيح (عليه السلام) هو من هذه الأرض المباركة، ولا ينفع المرجع الغربي وخاصة العلمانيون منهم أن نستدل بأقوالهم لنثبت أمور دينية.
والمدارس الغربية قد لا تفهم الأمور على حقيقتها لاختلاف المشارب والمئارب، وإضافة أنه يمكن أن نستأنس بباقي اللغات والقواميس ولكن هذا قد لا يوصلنا لنفس المعنى فإن اللغات حمالة أوجه، وأعطيك على سبيل المثال لا حصر:
إن أصل كلمة (صليب) في اليونانية هي: كسولن أو كسيلن، والإثنان يعطيان معنى شجرة أو وتد، يعني عمود ذو عارضة واحدة .. وليس عمود ذو عارضيتين كما في الشكل الحالي للصليب.
وأخيراً، أتوجه من جنابكم بجزيل الشكر لأن صدركم أتسع لي لكي أبين بعض الأمور، وأرجو أن يكون هذا بداية لصداقة شخصية مع حبي واحترامي لكم.
أخوكم في الله..
العبد الفقير إلى الله..
السيد يوسف البيومي
_____________________
(1) تفسير الكتاب المقدس ج5 ص10 تأليف جماعة من اللاهوتيين.
(2) المصدر السابق ج1 ص118.
(3) مدخل لشرح إنجيل يوحنا، للأب متّى المسكين ص52 و 53.
(4) تفسير العهد الجديد لوليم باركلي، إنجيل لوقا ص11.
(5) مدخل إلى الكتاب المقدس، للآباء اليسوعيين ص: خ.
(6) العهد الجديد (مطبعة البولسية سنة 1980 ـ جونية ـ لبنان) ص107.
(7) دراسة الكتب المقدسة على ضوء المعارف الحديثة ـ لبوكاي ـ ص99 و 100.
(8) تاريخ الكنيسة ص77.
(9) تاريخ الكنيسة ص77.
(10) تاريخ الكنيسة ص77.
(11) محاضرات في النصرانية لمحمد أبي زهرة ص42.
(12) العلاقة الجدلية بين التاريخ والطقوس المسيحية ص46 و 47.
(13) معجم اللاهوت الكتابي ص872.
(14) المقارنات بين الكتب السماوية ص60.
(15) دراسة في الكتب المقدسة لبوكاي ص57.
(16) وقال الدكتور بوست عن إنجيل متى: يظن أنه كتب ما بين سنة 60 ـ 65 م.
(17) العلاقة الجدلية بين التاريخ والطقوس المسيحية ص111.
(18) العلاقة الجدلية بين التاريخ والطقوس المسيحية ص111.
(19) تاريخ ابن البطريق ج1 ص44.
(20) محاضرات في النصرانية لأبي زهرة ص49.
(21) هذا هو الحق ص50 نقلاً عن كتاب الحق للكاهن القبطي ص62.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
السيد يوسف البيومي

حضرة "الأب حنا اسكندر" دمتم بخير..
إذ أنني أشكر لكم قراءتكم لما قد قدمته على رد للبحث الذي نشرتموه كبداية لحسن نية، فإنني ما زلت عند رأيي بكم وحسن الظن، من خلال ما قدمتم من خلال هذا البحث، وإنني بعدما قرأت ردكم على ما قمت بتفنيده بالأدلة، فإن هناك ملاحظات لا بد لي أن أشير لها، وهي من خلال توضيح الأمور التي قد تكون قد التبست عليكم..
فمن هنا فإنني سوف أقوم بعرض ردكم ومن ثم تعليق على ما يلزم وذلك لكي أزيل الملابسات.
لقد قلتم في معرض الرد:
(وإن ردي ليس هو وضع نقاط على الحروف، ليبدو أي منا منتصرا أو مهزوما لا سمح الله، ولكن بداية حوار عقلاني مبني على الاحترام المتبادل، وأؤكد لكم أني أكن لشخصكم الكريم، ولكل شخص من إخوتنا المسلمين كل محبة وتقدير واحترام).
إن أساس كل حاور هو الوصول إلى نتيجة ولا يمكن لأي حوار أن يكون عبثياً من هنا فإن هذه قيمة أقدرها في شخصكم الكريم وهو الوقوف على الدليل واحترام الآخر، وأنني انحني أمام تواضعكم، وأنني أذ أريد أن أعلمكم أن علاقتي وأصدقائي من الأخوة المسيحيين وخاصة من بين الآباء ورجال الإكليروس هم كثر، فقد وصلت منذ فترة إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية حين زيارته للبنان، وكذلك فإن البطاركة الكاثوليك والأرثوذكس في لبنان هم أصدقاء لي وبشكل شخصي، ومن هنا فإن اختلاطي مع رجال الدين المسيحيين هو على شكل واسع وكبير. فمن هنا، فأنا لي هدف من هذا الرد وهو وصول لنتيجة مرضية يقبلها العقل والدليل.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(ونحن كذلك يا سماحة السيد والحمد لله بداية التقينا وهذا من المشتركات الهامة للبحث العلمي).
قيل: "من جعَل الحمد خاتمةَ النعمه جعلھا الله فاتحة المزيد". من هنا فإن الأديان التي وصفت بالسماوية لا بد أن تلتقي بمشتركات وأكيد بخلفات، لقد عمدتم من خلال بحثكم أن تجدوا المشترك، ولكن لا يمكن أن ننسى أنه هناك خلاف من منطلقات، فإنه لا يمكن تحميل النصوص ما تحتمل أو نخرجها عن حقيقتها من خلال مشتركات لفظية أو تاريخية. وإنني بصدد بيان بعض ما قد وقعتم فيه من خطأ في تفسير المشتركات.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(أخي بالرب، كل ما أبغي، ليس نشر المسيحية بل البحث عن المشتركات فيما بيننا لأن اختصاصي التاريخ والإسلاميات وما تبين لي أن جذورنا مشتركة والكثير الكثير يجمعنا والقليل القليل يفرقنا وما غايتي إلا البحث عن الذي يجمعنا).
إن مسألة المقارنة فيما بين الأديان هو شيء مشروع ولا يرفضه أحد، ولكن هذه المشتركات لا تكون من خلال تحميل الأمور ما لا تحتمل، فكما يعلم جنابكم أن "عقيدة الصلب" وكذلك "الفداء" قد رفضها الإسلام رفضاً، قاطعاً، وهذا من المعلوم ليس من المشتركات بل هو من الخلافات، ولا يمكن لأي أحد أن يأتي لحرف المعتقدات من خلال كلمة من هنا فسرت حسب الظاهر، أو لأن نفس اللفظ قد تم ذكره فهذا لا يعني بالضرورة فرض عقيدة الآخرين على ما تم نفيه بشكل قاطع في عقيدة المسلمين. فإن عقيدة الصلب هي من القليل والقليل الذي يفرقنا.
أضف إلى ذلك من الناحية المنطقية كيف تريد أن تثبت ما هو في معرض النفي ولا دليل عليه بشكل قاطع، وهما من الضدين اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان.
لقد قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(جيد أيضا، الدين كله حلقة مترابطة يكمل بعضها البعض، فلماذا إذا لا نساهم في إكمال بعضنا البعض وإغناء بعضنا البعض وخاصة نحن رجال الدين المسؤولين المباشرين عن العناية بالمؤمنين).
صحيح، أن هناك أوجه شبه فيما بين الأديان، ولكن هناك أوجه خلاف وذلك يعود لعدة أمور منها:
1 ـ المنطلقات التي ينطلق كل دين، فصحيح أننا نؤمن بالتوحيد على سبيل المثال، ولكن نظرتنا كمسلمين تختلف عن الأخوة المسيحيين في التوحيد فإننا نؤمن أن الله واحد أحد فرد صمد، ليس له أبن، ولا شريك، وهو يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار. أما عن أخوننا المسيحيين فإنهم يعتقدون أن المسيح هو ابن الله، وأن الله هو مكون من ثلاثة أقانيم، وهذا مما لا يمكن أن نتوافق عليه.
2 ـ ومن باب المسؤولية كما طرحت جنابكم كرجال دين فإننا مسؤولين عن رعاية المؤمنين، فإن ما طرحته في بحثكم يعتبر بالنسبة لنا شبهة، ويجب علينا أن نرفع هذه الشبهة عن المؤمنين وإلا اختلى الإيمان وانخرم.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(يا جناب السيد، ويا أخي في الرب، أنا كل ما أبغيه البحث عن المشتركات وأكرر الكثير الكثير يجمعنا والقليل القليل يفرِّقنا).
أشكر لكم أنك اعتبرتني أخ لك في الله، وهذا لا يخرج عن صفاء نيتك وحسن خلقك، وإنني كذلك في التعاطي معكم أطبق ما أمرنا به ديننا الإسلامي الحنيف، حيث قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "الناس صنفان: أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".
وإنني ومن حيث موقع الأخوة ومن باب النصيحة لأخ عزيز كجنابكم، لا بد لي أن أبين أن ما نختلف عليه هو شيء جوهري يمس صميم العقيدة الإسلامية ولا يمكن القبول به، لذلك فإنني أعمل على تفنيد الشبهات التي طرحتها كي نزيل اللبس عن جماعة المؤمنين.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(صراحة لم يعد أمامي سوى هذا السبيل لوضع نقطة انطلاق لحوار مع إخوتي المسلمين الذين أكنُّ لهم كل التقدير، لأن إن حاججتهم بالإنجيل يجيبوا إنجيلكم محرَّف. وإن حتى استندنا الى مصادر أخرى غير مسيحية يعتبرها المسلمون غير موثوق بها.
وإن استندنا بالطبع إلى كتابات الشراح والمؤرخين المسيحيين في القرون المسيحية الأولى فهي أيضا مشكوك فيها...
لذلك لم يعد أمامي إلا البحث في القرآن الكريم والمصادر الإسلامية، لوضع نقطة انطلاق للبدء بالحوار. وأنا لا أبغي إثبات عقيدتي بقدر ما أبغي بدء لقاء وحوار مبني على المنطق والاحترام المتبادل، ولأقول لأخي المسلم، يا أخي تعال أنت إنسان عزيز وكريم ومحترم بالنسبة لي وأنت أخي في الإنسانية، واسمح لي، وفي الدين أيضا، فلنبدأ الحوار).
عزيزي إن المنطلق أثبات شيء أو نفيه هو الدليل الذي يقبله العقل والوجدان، ونحن من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، والذين نعتمد على أثبات عقيدتنا ليس فقط من النص الشرعي المتمثل بالقرآن والحديث، ولكن نحن نثبت عقيدتنا من خلال العقل، ويجب أن تعلم أخي الكريم، أن الروايات التي تخالف العقل نحن لا نقبل بها، والقرآن عندنا له أوجه في التأويل فلا يمكن لنا أن نأخذ الآيات على ظهارها وإلا أصبح هناك خلل في فهم مقاصد الشريعة والعقيدة.
أما بالنسبة إلى الأناجيل فإننا لسنا من ناقش بها وقال في الاختلاف الواقع فيها بل علماء مسيحييون هم أنفسهم من قالوا هذا، وسوف أعرض لكم لبعض أقوالهم:
ويصرحون: بأنها كتبت بعد عشرات السنين:
وبأن تسميتها بالأناجيل قد جاءت في بداية القرن الثالث، وأن الكنيسة هي التي أطلقت عليها هذه التسمية.. وكان بعضهم يقول عنها قبل ذلك: «مذكرات الرسل». وإليك بعض كلماتهم حول ذلك وسواه.. فقد قالوا:
1 ـ "إن النظرية السائدة بين العلماء في الوقت الحاضر: أن إنجيل مرقس كان أقدم إنجيل كتب. وأن متّى ولوقا أسّسا كتابيهما جزئياً على مرقس.. وجزئياً على مصادر أخرى غير معروفة حصلا عليها"(1).
2 ـ إن مرقس هو المرجع الأكبر لمتّى ولوقا، لأن إنجيل مرقس هو على العموم الكرازة الشفوية، التي أراد الكرازة البشريون كتابتها(2).
3 ـ حسب التقليد المبكر جداً، المسلم للكنيسة، فإن القديس يوحنا كتب إنجيله تحت إلحاح شديد ومتواصل من رجال الكنيسة.. وبهذا يقول التقليد: إنهم اضطروا يوحنا لكتابة إنجيله بعد أن تعهدوا بالصوم والصلاة. إذن.. فسرُّ الإلحاح على القديس يوحنا لكتابة إنجيله واضح، لأن بلبلة الأفكار بسبب مهاجمة الهراطقة للإيمان المسيحي الخ..(3).
4 ـ ويذكر هو ـ أي لوقا ـ: أنه كتب هذا الإنجيل بعد بحث دقيق، إذ كانت ظروف طيبة، ولا بد أن موارده كانت جيدة(4).
5 ـ أسفار الكتاب المقدس هي عمل مؤلفين عرفوا بأنهم لسان حال الله في وسط شعبهم، ظل عدد كبير منهم مجهولاً(5). وهذا تصريح لافت للنظر جداً، ومثير لعشرات الأسئلة القوية والصريحة!!.
6 ـ قال لوقا في أول إنجيله: "إذ كان الكثيرون ـ قد أخذوا في إنشاء رواية للأحداث التي جرت فيما بينّاه، على حسب ما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء شهود عيان، ثم صاروا خداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً ـ بعد إذ تحققت بدقة جميع الأشياء من البدء، أن أكتبها إليك بحسب ترتيبها أيها الشريف، ثاوفليس، ولكي تعرف جيداً قوة التعليم الذي وعظت به"(6).
7 ـ قال موريس بوكاي:
إن مارسيون لم يعترف بإنجيل لوقا، لأنه في رأيه يتحدث باسم بولس، ومنذ حكمت الكنيسة على مارسيون بالهرطقة في أواخر القرن الثاني. وضعت القائمة الرسمية التي وضعت الأناجيل الأربعة، ورسائل بولس، ثم ألحقت بها رسالة أعمال الرسل.
ومع ذلك، تنوعت هذه القائمة مع الزمن فيما بعد، رفعاً ووضعاً، حتى استقرت على وضعها الذي عرض في مجمعي هيبون 393 وقرطاجة 397 (7).
8 ـ جاء في التعليقات على الترجمة المسكونية للعهد الجديد المنشورة عام 1972م: "إنه ـ على أي حال ـ لا توجد أي شهادة تقول: يوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية قبل سنة 140م. ولكن (أـ تريكوـ) يقول في ترجمته للتعليقات ذاتها: منذ بداية القرن الثالث: استقر العرف على استخدام كلمة «إنجيل» للإشارة إلى الكتب التي كان القديس جوستين في نحو 150 ميلادية يسميها مذكرات الرسل"(8).
9 ـ "أما ديونيسي الإسكندري فيعرب عن شكه بنسبة "الرؤيا" إلى الرسول يوحنا في بدء العصر الرابع. وحسب شهادة أوسابيوس القيصري كانت لا تزال تحت الجدل.
وكذلك رسالتا يوحنا الثانية والثالثة.
ورسالة يعقوب الجامعة.
ورسالة يهوذا.
ورسالة بطرس الثلاثية.
لكن في العصر الرابع اعترفت الكنيسة بهذه الكتب إلخ"..(9).
10 ـ وقالوا: فمن المتفق عليه: "أن الكنيسة وضعت قانون الكتب المقدسة، الكتب الرسولية، في القرن الرابع، وبعد ذلك تم الإعتراف بها، واعتمادها مرجعاً وحيداً"(10).
11 ـ وقال بعض المؤرخين:
إن أول من ذكر الأناجيل الأربعة هو أرينيوس ـ 209. ثم جاء بعد كليمنس إسكنديانوس 216 ثم اختارت الكنيسة هذه الأناجيل بعد أن أظهر كليمنس وجوب التسليم بها. ولم تكتف بالاختيار. بل أرادت الناس على قبولها، والإعتقاد بها، ورفض غيرها، فصارت هي المعتبرة دون سواها"(11).
12 ـ قال الشماس اسپيرو جبور: "ليس في المسيحية تنزيل. مقدمة إنجيل لوقا تدل على أن كثيرين أخذوا في تأليف قصة حياة المسيح، فتتبع هو كل شيء، واتصل هو بمعايني يسوع، والمبشرين به، في النهاية تبلورت الأمور في أربعة روايات سمتها الكنيسة ـ لا الكُتَّاب ـ أناجيل"(12).
13 ـ وقد كتب أقدم إنجيل بعد ثلاثة عقود من الصلب، ولم يذكر أي منها أنه إنجيل المسيح. أو أن المسيح «عليه السلام» أملى واحداً من هذه الأناجيل، أو أشار إلى القبول به.
14 ـ قال في كتاب معجم اللاهوت الكتابي: "كان بعد السيد المسيح إنجيل شفاهي ينقل على الألسن، وبعد مدة طويلة دونت الأناجيل"(13).
15 ـ قال تولستوي: "إن أصل التعليم المسيحي مقدس، إلا أن هذه الكتابات الرائجة ليست من تعاليم المسيح"(14).
16 ـ وقال موريس بوكاي: الشهادات المتعلقة بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية تظهر فقط في منتصف القرن الثاني. وبالتحديد بعد عام 140م.
وقال: إن الأناجيل التي أصبحت رسمية فيما بعد ـ أي كنسيّة ـ لم تعرف إلا في عصر متأخر، على الرغم من أن تحريرها كان قد تم في بداية القرن الثاني. ويكاد يكون من العسير التقرير بما إذا كانت الإستشهادات تمت بعد الرجوع إلى النصوص المكتوبة، أم أنهم اكتفوا بذكر أجزاء من التراث الشفوي، اعتماداً على الذاكرة.
كما أنه لا توجد على أية حال شهادة تقول بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية قبل عام 140م(15).
17 ـ وقال في كتاب العهد الجديد لـ: أ ـ كولمان: "قد بقي الإنجيل ثلاثين أو أربعين سنة في شكله الشفوي فقط".
18 ـ وقال الدكتور بوست عن إنجيل متى: يظن أنه كتب ما بين سنة 60 ـ 65 م(16).
19 ـ أما هورن فيقول: قد يكون تم تأليف هذا الإنجيل في سنة 36 أو 37 أو 41 أو 43 أو 48 أو 61 أو 62 أو 64 للميلاد(17).
20 ـ يقول جرجي زوين: إنه كتبه في أرشليم سنة 39م(18).
21 ـ يقول ابن البطريق: "في عصر نارون قيصر كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس في مدينة رومية، ونسبه إلى مرقس، وذلك بعام 61 ميلادية"(19).
22 ـ أما آرينيوس فيقول: إن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس. أما لوقا فكان من تلاميذ بولس، وقد كتب إنجيله بفلسطين خلال أسر بولس ما بين 58 ـ 60م (20).
23 ـ إن مما يزيد الطين بلة، والخرق اتساعاً قول أحد كهنة الكنائس القبطية: "إن النسخ الأصلية للتوراة والإنجيل قد فقدت، ولكن بعد مرور عدة أجيال. وكانت قد انتشرت في أنحاء العالم عن طريق النسخ.
وبعد ذلك يتساءل ـ متحيراً أو محيراً ـ قائلاً: والذي يحار له الإنسان هو: لماذا لا يحفظها القدير من التلاشي"؟!(21).
ويجب أن نلفت النظر:
أولاً: أن الكنيسة إنما قررت اعتماد الأناجيل الأربعة في مجمع نيقيا بمباركة الملك قسطنطين الوثني!!.
وقبل ذلك كانت الأناجيل قد كثرت كثرة هائلة، حتى إن الأناجيل التي جاء بها الأساقفة وعرضوها في مجمع نيقيا قد بلغت الأربع مئة كما تقدم. فما الذي رجح هذه الأربعة على ما عداها.
ثانياً: حتى لو صح ما قالوه، فلا شيء يضمن أن تكون هذه النسخ التي وجدوها، والمحفوظة في المتحف قد سلمت من التلاعب والتغيير، والتبديل، والإضافة، والحذف والإثبات عبر العصور..
ثالثاً: لماذا بقيت مخفية إلى أن ظهرت واشتريت في هذا العصر؟!.
رابعاً: إنها ليست هي إنجيل المسيح.
خامساً: إن الفاصل بينها وبين عيسى «عليه السلام» هو ثلاثة قرون. والله أعلم ما الذي حدث في هذه القرون الثلاثة؟!.
وكيف نشأت هذه النصوص؟! ولماذا دونت، ومن الذي دونها؟! خصوصاً وأنها لم تكن قد اختيرت في مجمع نيقيا، الذي عقد بعد قرن من تاريخ هذه النسخ المزعومة. وما الذي جمعها دون سائر الأناجيل الأربع مئة التي كانت في أيدي الناس؟!.
سادساً: إن ثبوت كون تاريخها يرجع إلى تلك السنين لا إلى القرن العاشر مثلاً، أو السادس أو الرابع أو غيره لا مستند له إلا الحدس، والتخمين والإحتمال والإدعاء.. وكم رأينا من لوحات مزورة يبذل العلماء جهوداً جبارة لتمييز نسخة الأصل من المزور، ولمعرفة الأصيل من الدخيل، ثم تكون النتيجة مجرد حدسيات، واحتمالات، وتخمينات.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(يا أخي العزيز في الرب، أنا أحترم كل الاحترام الاسلام وكتبه المقدسة، وأكرر ما قلته سابقا الكثير الكثير يجمعنا، فلماذا نُصرّ على البدء بنقاط الخلاف، أنا حسب رأيي نبدأ بالمقاربات وسنجد حلا للخلافات، فحسب رأيي المتواضع لا خلاف قطعا بين الاسلام والمسيحية، وفعلا أنا مذهول مما اكتشفته ولا أزال اكتشفه من مشتركات بين الاسلام والمسيحية، وأقولها لكم الآن، أني من وقت قريب اكتفشت أن الرسول مارس الحياة النسكية، وصلَّى صلوات الرهبان، ورتَّل تراتيلهم، وحدَّث بأخبارهم، وأيضا عاش فقرهم واهتمَّ باليتيم والبائس والفقير، وعاش طاعتهم، وحتى لا تفاجأ: مارس عفتهم، وإن ما نسب زورا إلى الرسول عن تعدد النساء، (باستثناء خديجة وبعد وفاتها، ماريا القبطية) وجعلت منه بعض الأحاديث زير نساء، ليست إلا أحاديث غير صحيحة، كتبها، حسب اعتقادي، من تولَّى على المسلمين، وخاصة من بدايات عهد بني أميّة، إلى العصر العباسي، الذين لم يكن يهمهم الا المال والنساء فلكي يبرروا شذوذهم، نسبوا تلك الأحاديث الى الرسول، وهو بالطبع منها براء. وإلا ولو كان صحيحا، أنه تزوج هذا الكم من النساء، فلماذا لم ينجب منهن أطفالا، وهذا أعتقد أن دليل كاف على طهارة الرسول).
أقول:
أنا سعيد أيضاً لأنك تبحث عن ما هو مشترك ولكن عليك أن تأتي إلى المصدر الإسلامي الصحيح فنحن كشيعة أثنا عشرية نرفض بعض المرويات التي نسبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنها ما نقلته أن النبي كان يرتل تراتيل الرهبان، فلا بد أن نصحح لك هذه النظرة إن النبي عندنا هو معصوم وهو يعمل بأعمال الديانة الحنيفية أي ديانة إبراهيم (عليه السلام) وقد ثبت عندنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) حاله كحال الأنبياء جميعاً لم يكن ينظر إلى بهارج الدنيا وما فيها، فهذا ليس بجديد فكل الرسل والأنبياء هذه هي حالهم.
وأنا أيضاً أقدر لكم أنكم تحاولون التعرف على شخص النبي (صلى الله عليه وآله)، وتفرقة اخلاقه عن غيره من الحكام الذين حكموا بأسم الإسلام والدين وهو منهم براء.
عزيزي حضرة الأب المحترم، إن الخلاف هو جوهري في بعض الأمور ولا يمكن لنا أن ننطلق إلى غيها من الأفكار والأمور حتى نصل بهذه الأمور إلى نتيجة. ولأن المسيحية تقوم على الإيمان بهذه الأمور من صلب المسيح وعقيدة الفداء وغيرها من هذه المعتقدات التي ينفيها الإسلام نفياً قاطعاً. ولكن هذا لا يمنع أن نتحاور بما هو مشترك مع احترام المتبادل لعقيدة كل منا لعقيدة الآخر، فهذا الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية.
قال حضرة "الأب حنا اسكندر":
(ما تبين لي إلا الآن أن المفسرين المسلمين يعتمدون على أساسين في التفسير، الأول والمهم وهو من خلال الاحاديث والروايات، والثانية من خلال اللغة، ولكنهم يعتمدون فقط على اللغة العربية وخاصة على الشعر الجاهلي، دون التطرق الى اللغات الاخوات كالسريانية والارامية، والعبرية وغيرها. أما الثالثة وهي تفسير الكلمات من خلال ورودها في كل القرآن الكريم فهذه الطريقة لم تتبع إلى الآن حسب معلوماتي، أقله بشكل واسع، وقد بدأ بهذا الطريق المفكر الليبي وعذرا نسيت اسمه، وقد لاقى معارضة شديدة على طروحاته، ولكن هذا الامر جيد جدا وهو التفسير من خلال ورود الكلمة في كل القرآن الكريم.
أما ما اقصد به التفسير التقليدي هو ما أجمع عليه المسلمون إلى اليوم، لان هناك قواسم مشتركة عند الجميع مع اختلاف المفسرين والمدارس. وبالتفسير المسيحي، أقصد بالعودة إلى مراجع مسيحية، وهذا لا يعني أنها ليست علمية، أو هي ضعيفة وغير ثابتة، لأن ما ذكرته كله إن من التوراة أو الانجيل أو كتب الشراح المسيحيين هي جميعها، حسب الدراسات العلمية الحديثة، تسبق نصوص القرآن الكريم، وبالتالي إن هناك تشابه مع نصوص القرآن الكريم، يحق لي، وهذا من سعة صدركم ومحبتكم، أن أعطيها تفسيرا انطلاقا من هذه النصوص، وهذا حسب رأيي بداية دعوة مهمة لاخوتنا المسلمين الى التعرف الى المصادر المسيحية وهذا ما يزيد الود والتقارب كما انا تعلمت الإسلام وأحببته).
عزيزي حضرة الأب حنا اسكندر، إن معلوماتك تحتاج إلى تحديث بالنسبة لموضوع التفسير إلا أن التفاسير عند المسلمين ليس مما قد أجمعوا عليه، لذلك فإنك تجد أن المفسرون ما زالوا يكتبون كتباً في تفسير القرآن الكريم، وإن مدارس التفسير هي عديدة وهذا شخص الليبي هو من المنبوذين لأنه خرج ببعض الأمور التي خالف بها المسلمون، فإنه أراد أن يعتمد على القرآن فقط دون غيره من مصادر التشريع وهذا ما قد يشوه الشريعة كما أوردنا سابقاً.
ولكن بالنسبة لمنهج تفسير القرآن بالقرآن هو منهج متبع من قبل أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولكي أضيف لمعلوماتك فإن مدارس التفسير هي خمسة عشر مدرسة المشهور منها سبعة مدارس، لذلك فلا يمكن أن تقول أنها تفاسير تقليدية لأن التفاسير دائمة التجدد لذلك نأمل أن تراجع في ذلك.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(يا جناب السيد لا أدَّعي امتلاك الحقيقة، إن كل ما قمت به هو محاولة فهم النص بطريقة مختلفة مما يزيد من التقارب والودّ بيننا).
الأخ الكريم حضرة الأب الأحاطة بكل الأمور هو أمر غير ممكن لأحد، ولكن الحقيقة تحتاج فقط لمجهود بسيط حتى نصل إلى الحقيقة المرجاة، إننا نشكر لكم هذه المحاولة ولكن عزيزي لا يمكن أن تزيد التقارب والود من خلال محاولة نقض عقيدة المسلمين المتعارف عليها، وإن جنابكم من خلال هذه المحاولة قد استعملت طرق غير علمية بحتة فإن قص من هنا وهناك وإخراج الكلمات عن أصلها ومعانيها لا يكون شيء محموداً ولا بد من منطلقات العلم هو القراءة الصحيحة.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(ويا ليت تقوم مدرسة من المدارس الاسلامية بالبدء في تحقيق نصوص مخطوطات المصادر باختلاف انواعها ونقدها وتمحيصها).
إن المدارس الإسلامية هي من أول المدارس التي قامت على التمحيص وهذا معروف لدى القريب والبعيد، وإلا فإن الكتب الإسلامية كثيرة والمخطوطات كثيرة وعلماؤنا هم من يمحصون هذه المخطوطات والكتب وإن المتاحف ذاخرة بهذه المخطوطات التي يحققها المسلمون ويمكن لك أن تراجع في هذه الأمور.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(اكرر الكلام نفسه ما حيلتي هذا ما هو موجود وهذا يقرّ به قسم كبير من المسلمين).
أعود وأكرر أنك قد أخذت حكماً مبرماً عن ما يقر به المسلمون وهذا غير صحيح، فلا يمكن أن تأخذ النصوص هكذا فكل يجب التدقيق فيه، وهذا ما كنت تدعونا له في المقطع السابق، ومن خلال التمحيص والتدقيق فإن بعض المرويات ليست صحيحة، وبالتالي فليس كل ما ورد في كتب الأحاديث يمكن القبول به، واقتضى التوضيح حتى لا نكرر.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(الترانيم التي استشهدت بها تعود الى الجيل الرابع والخامس والسادس كأبعد حد. وقد أثبتت هذه المقولة المدراس العلمية الغربية من خلال دراسة المخطوطات والمقارنة بينها للوصول الى نص ثابت وأيضا من خلال تبيان كلمات الكاتب ونوعيتها إن هي له أم لا...).
إن هذه النصوص لا يمكن أن تكون ثابتة إذ أن نفس الإنجيل ليس محتوم الصدور عن السيد المسيح (عليه السلام) وقد تتبدل هذه الترانيم كما هو واضح لدى الجميع.
ومن ثم قال:
(أنا لم أذكر العلاقة بين محبة الله واثبات الصلب من خلال الترانيم، لكن ذكرت الترانيم لأعطي تفسيرا لآيات قرآنية لما رأيت من تشابه بينها).
حين استشهدت في ترنيمة (اليوم علق على الخشبة) هذه لم تصدر في أي أنجيل، وعلى فرض فأنها تقوي أن المسيح لم يصلب على الشكل الذي تريده فكلمة علق يعني هو شد وثاق اليدين والرجلين، وأما هل تستعمل في محبة الله، فإن هذه الترنيمة ينشدوها في يوم الصلب وهذا لخلق علاقة مع السيد المسيح (عليه السلام) الذي تعتبرونه أنه ابن الله كما تقولون.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(وهذا يفرحني ان يطول الحوار، وأنا زرت العراق مرتين وقد سحرت بكرم أهله ومحبتهم، ولا أنسى احترامهم ولطفهم، وان شاء الله، وبركة لي أيضا أن أتمتع بالحوار معكم، وأغتني بفكركم، وهذا ما ينمي شخصي أيضا فشكرا لكم. أما بالنسبة إلى وجود كلمة صليب في القرآن ومعناها، فإني قمت بمحاولة لشرحها بالاستناد الى التوراة والانجيل، وليس بالطبع أن يكون دائما الحق الى جانبي ولكنها محاولة).
عزيزي وأخي الكريم أنا في شدة الفرح أن أتناقش معكم وهذا من دواعي سروري بكم، ونحن أيضاً بغاية السرور بكم، ونشكر الله عز وجل أنك أتيت إلينا لعرض محاولتكم التي أفرحتنا لكي نبين ما هو الصواب، فإن أجمل شيء في هذه الحياة هي احتكاك الأفكار للوصول إلى ما هو خير لنا ولكم بإذن الله تعالى.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(يا سيدي الكريم الحق الى جانبكم، إن طرق الصلب مختلفة وأشكاله مختلفة، ولكن المتفق عليه أنه حالة من حالات الاعدام التي مارسها الحكام وخاصة الرومان، والارجح تثبيت المصلوب بالمساير لا بالحبال لانهم يريدون تعذيب المصلوب امام المارة وإعدامه ليرهبوا الباقين، لأن الحبل لا يسبب ألما ولا يؤدي الى الموت، لكن المسامير تسبب ألما حادا مصحوبا بنزيق من الدم يؤدي الى الوفاة).
صحيح أن الرومان كانوا قد اشتهروا بهذه الطريقة ولكن هذا لا ينفع مع باقي الحضارات فإن ما نقله القرآن الكريم هو عن حضارات أخرى لم تتبع نفس الطريقة والتي حاولت أن تستشهد بها، وقد بينا لكم ذلك من خلال الرد.
أضف إلى ذلك عزيزي وأخي الكريم، إن ذكر طرق التعذيب والإعدام وطرق الصلب ليس بالضرورة وقوع الصلب على السيد المسيح (عليه السلام) والذي نفاه القرآن الكريم جملة وتفصيلاً، ويجب عليك مراجعة هذه الآيات التي لا تحتمل التأويل.
قال حضرة الأب حنا اسكندر:
(إن المسيحية انتشرت في الغرب والشرق، وإذا استندنا الى مرجع غربي لا يعني أنه يفهم كلمة الصليب بشكل مختلف عن الشرقيين، وما استندت اليه هو كتاب علماني لا علاقة له بأي دين، يستند على أسس علمية حسب مدارس الغرب).
إن أصول المسيحية هو شرقي والسيد المسيح (عليه السلام) هو من هذه الأرض المباركة، ولا ينفع المرجع الغربي وخاصة العلمانيون منهم أن نستدل بأقوالهم لنثبت أمور دينية.
والمدارس الغربية قد لا تفهم الأمور على حقيقتها لاختلاف المشارب والمئارب، وإضافة أنه يمكن أن نستأنس بباقي اللغات والقواميس ولكن هذا قد لا يوصلنا لنفس المعنى فإن اللغات حمالة أوجه، وأعطيك على سبيل المثال لا حصر:
إن أصل كلمة (صليب) في اليونانية هي: كسولن أو كسيلن، والإثنان يعطيان معنى شجرة أو وتد، يعني عمود ذو عارضة واحدة .. وليس عمود ذو عارضيتين كما في الشكل الحالي للصليب.
وأخيراً، أتوجه من جنابكم بجزيل الشكر لأن صدركم أتسع لي لكي أبين بعض الأمور، وأرجو أن يكون هذا بداية لصداقة شخصية مع حبي واحترامي لكم.
أخوكم في الله..
العبد الفقير إلى الله..
السيد يوسف البيومي
_____________________
(1) تفسير الكتاب المقدس ج5 ص10 تأليف جماعة من اللاهوتيين.
(2) المصدر السابق ج1 ص118.
(3) مدخل لشرح إنجيل يوحنا، للأب متّى المسكين ص52 و 53.
(4) تفسير العهد الجديد لوليم باركلي، إنجيل لوقا ص11.
(5) مدخل إلى الكتاب المقدس، للآباء اليسوعيين ص: خ.
(6) العهد الجديد (مطبعة البولسية سنة 1980 ـ جونية ـ لبنان) ص107.
(7) دراسة الكتب المقدسة على ضوء المعارف الحديثة ـ لبوكاي ـ ص99 و 100.
(8) تاريخ الكنيسة ص77.
(9) تاريخ الكنيسة ص77.
(10) تاريخ الكنيسة ص77.
(11) محاضرات في النصرانية لمحمد أبي زهرة ص42.
(12) العلاقة الجدلية بين التاريخ والطقوس المسيحية ص46 و 47.
(13) معجم اللاهوت الكتابي ص872.
(14) المقارنات بين الكتب السماوية ص60.
(15) دراسة في الكتب المقدسة لبوكاي ص57.
(16) وقال الدكتور بوست عن إنجيل متى: يظن أنه كتب ما بين سنة 60 ـ 65 م.
(17) العلاقة الجدلية بين التاريخ والطقوس المسيحية ص111.
(18) العلاقة الجدلية بين التاريخ والطقوس المسيحية ص111.
(19) تاريخ ابن البطريق ج1 ص44.
(20) محاضرات في النصرانية لأبي زهرة ص49.
(21) هذا هو الحق ص50 نقلاً عن كتاب الحق للكاهن القبطي ص62.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat