لم يكن جسدا عاديا كأجساد الآخرين حين أعلن صرخته فوق أرصفة الجوع الممتدة بامتداد سواد الإسفلت المترامي في الأزقة والطرقات ، يرقد جاثما ، جسدا لم يحترق ألا بحجم الضوء المنبعث من شهاب يعصف في كنه ليل مسجور ، أو قبس يولد من رحم الظلمة المطبقة على الأرض ليصبح بوصلة لملايين الأحداق الموغلة في أعوام القهر ، يتلوى ، يتداخل بين الأشياء وبين مسامات القامات الملتوية من عصف سني الجوع ليبعث فيها الأمل الباسق نحو وصل الشمس ويجعل من تلك الأعواد الخاملة اللينة في الأصلاب أشجارا للزيتون معلقة في شعاب الجبال لا دهاليز الحفر ، كان لا يعلم حين توهج كالشمس بأن للكواكب فتيل يشتعل ، وللأشلاء المتهرئة المتطايرة كالرماد حمم بركان مهجور في أصقاع مدن الثلج سترجم النيام في القبور وتكسر القيد وتلعن القدر ، وهذا الدخان المنبعث لم يكن مألوفا كغيره من الأبخرة وذرات التراب الملتحفة بالسواد ، انه عطر الياسمين ، صوت الجموع الهادرة حين تطايرت في السماء ليزاحم الأفق والدنا خلودا وحين حلّق الآخر صاغرا في ذله نحو الفناء .
العراق - الناصرية
2011
haidar_aks@yahoo.com
الموضوع السابققناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat
.jpg)
