صفحة الكاتب : راسم قاسم

عائدات النفط وحدها لا تكفي لبناء اقتصاد متين ..
راسم قاسم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الخوض في  مجريات السياسة النفطية في العراق لا يمكن السيطرة التامة على كافة إبعادها ,لأ ن المؤثرات الخارجية والمعوقات تقف دون إمكانية  رسم صورة متكاملة  لهذه السياسة .فلقد خضعت السياسة النفطية في العراق منذ اكتشافه  واعتماد الحكومات  المتعاقبة على ريع هذا المورد بصورة أساسية وتأثيره المباشر على مجمل الأحداث السياسية  والاجتماعية  إلى عدة مؤثرات سياسية عالمية ومحلية لان العراق يختلف عن غيره من البلدان المنتجة والمصدرة للنفط  خاصة دول الخليج كونه يمتلك موارد أخرى للدخل  بالإضافة إلى النفط ,, ولم يكن العراق حتى الاريعينات من القرن الماضي  يعتمد على النفط  بصورة أساسية , بل كان جلّ اعتماده على الزراعة . لأنه يملك ثروة مائية عظيمة وأراض خصبة وشعب دؤوب مجتهد . إن الأولويات عندما تتعلق بالاقتصاد تؤثر في مساحة أوسع من  المجتمع ..والحديث عن السياسة النفطية تعني الخوض في حالات التماس  المباشر للاقتصاد , كون العراق  أصبح ومنذ عدّة عقود يعتمد اعتمادا مباشرا  على النفط ..ومن هنا يترتب عليه دراسة وبحث سبل ناجعة عن كيفية الاستفادة من هذا المورد  المهم .. والعوامل الرئيسة التي يجب أخذها في إلا عتبار عند التفكير في كيفية التعامل مع العوائد النفطية  هي   التضخم , البطالة , والتنمية ,,  والتنمية هي الأساس لدولة مثل العراق , يحتاج بعد كل هذه الحروب  والدمار إلى بناء أسس سليمة ومتينة لاقتصاده  المتردي , سيما وان الإنفاق الحكومي  الهائل  يتطلب توجيه جزء من العوائد النفطية للاستثمار في قطاعات أخرى مثل المشتقات النفطية  والبتروكيميائيات وتمويل استثمارات  في قطاعات صناديق التنمية المتخصصة محليا وعالميا ..إن الإنفاق غير المبرمج يؤدي دائما إلى التضخم  والى فقدان كل امتيازات العائد النفطي  الاقتصادية .ويشكل استثمار بعض العائدات ضمانا  وعاملا مساعدا في ترسيخ قيم اقتصادية ثابتة , بما يحقق للعراق عوائد مستقرة  تخفف من حدّة التقلبات في أسعار النفط  وتأثيرها  على أداء الاقتصاد العراقي ..إن لعوائد النفط  سلبيات  رغم  ايجابياتها  الكبيرة على الاقتصاد , وتتمثل سلبياتها  في نقاط عدة  منها ..أولا ,, زيادة الإنفاق الحكومي الذي سيؤدي إلى ازدياد معدل التضخم  ومن ثم تدمير القدرة الشرائية الاستهلاكية للفرد والتي تزيد من معاناته ..ثانيا ,, زيادة مساهمة الحكومة  في الناتج المحلي الإجمالي ,وعدم إشراك القطاع الخاص والفعاليات الاقتصادية غير النفطية وإلغاء دورها ....لذا فأن طرح جزء من عائدات النفط في استثمارات مضمونة الربح يجنب الدولة خطر الهزات الاقتصادية , الناتجة عن تذبذب الأسعار العالمية ,وعدم استقرار سوق العرض والطلب , وتأثر هذه السوق بالأحداث العالمية والسياسية . كما يضمن هذا الاستثمار دخلا للدولة متوازنا يمكن بواسطته ترتيب أولويات الإنفاق على فترات أطول بحيث تكفل عدم ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ , ومن جانب آخر يكفل الاستثمار التوظيف الأمثل للموارد المالية والبشرية على حد سواء سيما أذا وظف جزء كبير منه في مشاريع منخفضة الخطورة , تكفل تدفق عوائد سنوية  وعلى مدى بعيد , والانتفاع من هذه العوائد في تمويل النفقات الحكومية ..وهذا الاستثمار الأمثل سيجنب العراق الكثير من المخاطر الناتجة عن تقلبات الأسواق العالمية ويحقق أهدافا عدة منها استقرار معدل النمو ,, وكذلك السيطرة على معدلات التضخم وإبقائها تحت السيطرة  وتبقى متناسبة مع الأسواق العالمية والهدف الآخر هو أشراك المساهمين من غير القطاعات النفطية .بدلا من إقصائها بعيدا عن العملية الاقتصادية .. لقد أثبتت التجارب العالمية والإقليمية إن عائدات النفط  وحدها لاتكفي لبناء ركائز اقتصادية متينة , سيما إذا كانت الدولة هي المسئولة  الوحيدة عن تصريف هذه العائدات .. لأن ذلك سيجعل من الدول النفطية دولا استهلاكية تعتمد بالدرجة الأولى على عائدات النفط , كما هو الحال في دول الخليج قبل أن تتدارك شؤونها , وكما هو العراق الآن ..وكلنا نعلم أن العراق قبل أن يكون بلدا نفطيا منتجا ومصدرا ,, كان يصدر المحاصيل الزراعية و بعض المواد الأخرى ,, كالشعير والتمور  والجلود وقد استمر هذا الوضع إلى بدايات الخمسينيات من القرن الماضي , أي قبل أن تزداد واردات النفط وتعتمد الدولة عليه في نفقاتها , وتهمل  باقي العوائد المتأتية من الضرائب والمكوس , وتعتمد على  الاستيراد الاستهلاكي الذي أدى إلى إهمال الإنتاج المحلي وتعطيله ولقد أدت السياسات العسكرية الهوجاء منذ الستينات  والى حد سقوط  نظام الصنم  في9/4/2003 إلى عدم الاستثمار الأمثل لهذا المورد الهام , بعد تورط هذه الحكومات  بمشاكل سياسية داخلية وإقليمية  ,أدت إلى تحويل هذا الوارد إلى أغراض بعيدة كلّ البعد عن التنمية والبناء ..وهدرت المليارات من أموال الشعب لأغراض شخصية ..ولتحقيق أحلام دونكشوتية مستحيلة ...ولقد تنبهت الدول الخليجية لهذه الظاهرة واستطاعت على مدى عقدين أن تبني قاعدة اقتصادية متينة ,  بنيت على أساس الاستثمار الجيد لبعض عائدات النفط ,واستطاعت وعلى مدى  زمني قصير أن تحقق توازنا ملموسا بين العجز في ميزان المدفوعات والاحتياطي المالي ,, ظهر ذلك جليا من خلال الطفرة النوعية للتنمية والأعمار  التي لم تحققها واردات النفط لوحدها .واستطاعت هذه الدول أن تحقق ريعا كبيرا يوازي بل يفوق واردات النفط ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


راسم قاسم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/11



كتابة تعليق لموضوع : عائدات النفط وحدها لا تكفي لبناء اقتصاد متين ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net