بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ{132}
تروي الاية الكريمة كلاما لفرعون وقومه لموسى (ع) , أيما اية سوف تأتينا بها , لتثبت صحة وسلامة دعوتك , وتبطل بها ما نحن عليه , سيكون جوابنا الرفض وعدم الايمان بها .
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{133}
تروي الاية الكريمة ان الله تعالى ارسل لقوم فرعون خمسة انواع من العقوبات العاجلة :
1- ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ ) : سيل اغرق البيوت والمزارع , وقيل انه استمر سبعة ايام .
2- ( وَالْجَرَادَ ) : الجراد فأكل الزرع والثمار .
3- ( وَالْقُمَّلَ ) : قيل انه السوس , فأتي على ما تبقى من الجراد , وقيل انه البراغيث او القراد , فهاجم الماشية .
4- ( وَالضَّفَادِعَ ) : اعدادا كبيرة منها , غزت كل مكان .
5- ( وَالدَّمَ ) : تحولت مياه الانهار والابار الى دم , لكن للكافر فقط , اما المؤمن فلا يجد فيها شيئا من ذلك , فيشرب منها حتى يرتوي ! .
ثم تصف الاية الكريمة هذه الايات الخمسة ( العقوبات ) بأنها ( آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ ) , مبينات ظاهرات لا يقدر لغيره سبحانه وتعالى ان يأتي بمثلها , لكن بالرغم من كل ذلك ( فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ) .
يلاحظ ان ترتيب الايات الخمسة على التوالي فيه حكم خاصة , ينبغي التوقف عندها والتأمل في تواليها ! .
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ{134}
تروي الاية الكريمة ان قوم فرعون لما وقع عليهم العذاب , توجهوا الى موسى (ع) ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ), لم يؤمنوا بالله تعالى , فقالوا ( ربك ) , ولم يقولوا ( ربنا ) , ( بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ) , ومنه رفع العذاب بالتوبة والاستغفار , ( لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ ) ( لئن ) لام قسم , يقسمون عند رفع العذاب فسوف يوفون بأمرين :
1- ( لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ) : الايمان .
2- ( وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) : اطلاق سراح بني اسرائيل من الاسر والاستعباد .
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{135}
تروي الاية الكريمة ان الله تعالى رفع عنهم العذاب بدعاء موسى (ع) , فنقضوا عهودهم .
يلاحظ ان رفع العذاب لم يكن بشكل دائم , بل كان مؤقتا ( إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ ) , ومن هذا النص المبارك يمكن ان نلاحظ عدة امور , منها :
1- في علمه تعالى ان قوم فرعون سينقضون عهودهم , فكشف عنهم العذاب الحالي لابطال حجتهم , ثم يحل بهم عذابا اشد واكثر تنكيلا .
2- نزول العذاب ورفعه بحد ذاتهما دليلين وايتين تدعمان وتؤيدان دعوة موسى (ع) .
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{136}
تروي الاية الكريمة عقابا صارما تعرض له فرعون وقومه , بعد ان نقضوا عهودهم مع موسى (ع) , وبعد ان اعرضوا عن كل ما جاء به (ع) من ايات ومعجزات , فكان الغرق في اليم ( البحر ) .
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ{137}
تروي الاية الكريمة , ان الله تعالى اورث بني اسرائيل بعد ان كانوا مسترقين ومستعبدين في مصر والشام , اورثهم ارضا فيها خيرات كثيرة , وتمت كلمته عز وجل عليهم بالتمكين لهم فيها ( بِمَا صَبَرُواْ ) , والسبب صبرهم على الاذى , ودمر الله تعالى ما كان يصنع فرعون وقومه من المباني ( القصور ) والمزارع وغيرها .
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ{138}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) : يروي النص المبارك ان الله تعالى وفق ومكن بني اسرائيل من عبور البحر , الملفت للنظر , ان الاية الكريمة السابقة ( 136 ) عندما تكلمت عن اغراق فرعون وقومه اطلقت على البحر تسمية ( اليم ) , اما في النص المبارك اسمته ( بحرا ) , وردت كلمة ( اليم ) في القران الكريم ثمانية مرات , اغلبها تشير الى العذاب , اما كلمة ( البحر ) فقد وردت 36 مرة , اغلبها تشير الى المنافع والخيرات ! .
2- ( فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ ) : يروي النص المبارك ان بني اسرائيل وخلال مسيرتهم ( رحلتهم ) الى الشام , مروا بقوم يعبدون الاصنام , قائمين على خدمتها .
3- ( قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) : يروي النص المبارك انهم طلبوا من موسى (ع) ان يصنع ( يجعل ) لهم آلهة , كما لدى هؤلاء الوثنيون آلهة , يفترض ان بني اسرائيل قد آمنوا بالله تعالى , فما الداعي والدلالة لهذا الطلب ؟ ! , هذا يدل على عدة امور , نذكر منها :
أ) انهم لم يؤمنوا بالله تعالى , او انهم حديثي عهد بدعوة ( رسالة ) موسى (ع) .
ب) لا تزال رواسب عبادات اهل مصر تسكن في قلوبهم , التخلص منها يحتاج الى ايمان اقوى , ومدة اطول .
4- ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) : يروي النص المبارك رد موسى (ع) عليهم , ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) تجهلون عظمة الله تعالى , وان العبادة لا تنبغي لغيره جل وعلا .
إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{139}
تصف الاية الكريمة على لسان موسى (ع) حال هؤلاء القوم الوثنيين بأمرين :
1- ( إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ ) : مدمر هالك ما هم فيه من الشرك .
2- ( وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) : يحكم النص المبارك على عملهم بالبطلان .
قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{140}
يستمر خطاب موسى (ع ) في الاية الكريمة , وفيه امرين :
1- ( قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً ) : يتضمن النص المبارك سؤال استنكار , هل اطلب لكم آلها غيره سبحانه وتعالى ! .
2- ( وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) : يكشف النص المبارك , ان الله تعالى فضل بني اسرائيل على العالمين في زمانهم , وذلك في عدة امور , كما يراها بعض المختصين , نذكر منها مع مناقشتها بشكل موجز :
أ) بكثرة الانبياء منهم , في واقع الحال , ان كثرة انبياء بني اسرائيل تدل على كثرة جحودهم , فلو كانوا مؤمنين لما تكاثرت عليهم الانبياء , ولما اتتهم الرسل , فلا يعتبر ذلك فضيلة لهم ! .
ب) ان انزل الله تعالى عليهم التوراة , وكانت بلغتهم .
ت) خصّ الله تعالى بني اسرائيل بآيات كثيرة , لم يخص بها غيرهم , ولكنها تدل ايضا على عظمة كفرهم وجحودهم لنعمه عز وجل , فلو انهم آمنوا الايمان المطلوب , لما تكاثرت وتوالت اياته عز وجل عليهم , وهذه الفقرة تضاف الى فقرة كثرة الانبياء عليهم , فهي ليست فضيلة لهم ابدا ! .
ث) خصّ الله تعالى بني اسرائيل بأهلاك اعدائهم , في تلك الازمنة , ومنها اغراق فرعون وجنوده , وهذه علامة وآية كبيرة لهم , رجاء ان يؤمنوا ويسلموا لأنبيائهم ورسلهم , فردوا على هذه النعمة ان طلبوا آلهة ( اصنام ) يعبدونها كما لدى القوم الوثنيين الذين وردهم ذكرهم في الاية الكريمة السابقة .
لابد من الاشارة الى ان بني اسرائيل فضلهم الله تعالى على العالمين في زمانهم , اما امة الاسلام فقد فضلها الله تعالى على كافة الازمنة { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110! .
وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{141}
يستمر خطاب موسى (ع) لبني اسرائيل مذكرا لهم بالنجاة والخلاص من قوم فرعون , الذين اذاقوهم الويلات ومنها :
1- ( يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ ) : ينزلون بكم ويذيقونكم اشد انواع العذاب .
2- ( يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ ) : يقتلون الذكور .
3- ( وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ) : ويستبقون النساء للخدمة .
لتختتم الاية الكريمة بــ ( وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ) , النجاة من عذاب ال فرعون ينطوي على امرين :
1- نعمة النجاة .
2- اختبار من الله تعالى لهم .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ{132}
تروي الاية الكريمة كلاما لفرعون وقومه لموسى (ع) , أيما اية سوف تأتينا بها , لتثبت صحة وسلامة دعوتك , وتبطل بها ما نحن عليه , سيكون جوابنا الرفض وعدم الايمان بها .
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{133}
تروي الاية الكريمة ان الله تعالى ارسل لقوم فرعون خمسة انواع من العقوبات العاجلة :
1- ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ ) : سيل اغرق البيوت والمزارع , وقيل انه استمر سبعة ايام .
2- ( وَالْجَرَادَ ) : الجراد فأكل الزرع والثمار .
3- ( وَالْقُمَّلَ ) : قيل انه السوس , فأتي على ما تبقى من الجراد , وقيل انه البراغيث او القراد , فهاجم الماشية .
4- ( وَالضَّفَادِعَ ) : اعدادا كبيرة منها , غزت كل مكان .
5- ( وَالدَّمَ ) : تحولت مياه الانهار والابار الى دم , لكن للكافر فقط , اما المؤمن فلا يجد فيها شيئا من ذلك , فيشرب منها حتى يرتوي ! .
ثم تصف الاية الكريمة هذه الايات الخمسة ( العقوبات ) بأنها ( آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ ) , مبينات ظاهرات لا يقدر لغيره سبحانه وتعالى ان يأتي بمثلها , لكن بالرغم من كل ذلك ( فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ) .
يلاحظ ان ترتيب الايات الخمسة على التوالي فيه حكم خاصة , ينبغي التوقف عندها والتأمل في تواليها ! .
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ{134}
تروي الاية الكريمة ان قوم فرعون لما وقع عليهم العذاب , توجهوا الى موسى (ع) ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ), لم يؤمنوا بالله تعالى , فقالوا ( ربك ) , ولم يقولوا ( ربنا ) , ( بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ) , ومنه رفع العذاب بالتوبة والاستغفار , ( لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ ) ( لئن ) لام قسم , يقسمون عند رفع العذاب فسوف يوفون بأمرين :
1- ( لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ ) : الايمان .
2- ( وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) : اطلاق سراح بني اسرائيل من الاسر والاستعباد .
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{135}
تروي الاية الكريمة ان الله تعالى رفع عنهم العذاب بدعاء موسى (ع) , فنقضوا عهودهم .
يلاحظ ان رفع العذاب لم يكن بشكل دائم , بل كان مؤقتا ( إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ ) , ومن هذا النص المبارك يمكن ان نلاحظ عدة امور , منها :
1- في علمه تعالى ان قوم فرعون سينقضون عهودهم , فكشف عنهم العذاب الحالي لابطال حجتهم , ثم يحل بهم عذابا اشد واكثر تنكيلا .
2- نزول العذاب ورفعه بحد ذاتهما دليلين وايتين تدعمان وتؤيدان دعوة موسى (ع) .
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ{136}
تروي الاية الكريمة عقابا صارما تعرض له فرعون وقومه , بعد ان نقضوا عهودهم مع موسى (ع) , وبعد ان اعرضوا عن كل ما جاء به (ع) من ايات ومعجزات , فكان الغرق في اليم ( البحر ) .
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ{137}
تروي الاية الكريمة , ان الله تعالى اورث بني اسرائيل بعد ان كانوا مسترقين ومستعبدين في مصر والشام , اورثهم ارضا فيها خيرات كثيرة , وتمت كلمته عز وجل عليهم بالتمكين لهم فيها ( بِمَا صَبَرُواْ ) , والسبب صبرهم على الاذى , ودمر الله تعالى ما كان يصنع فرعون وقومه من المباني ( القصور ) والمزارع وغيرها .
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ{138}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) : يروي النص المبارك ان الله تعالى وفق ومكن بني اسرائيل من عبور البحر , الملفت للنظر , ان الاية الكريمة السابقة ( 136 ) عندما تكلمت عن اغراق فرعون وقومه اطلقت على البحر تسمية ( اليم ) , اما في النص المبارك اسمته ( بحرا ) , وردت كلمة ( اليم ) في القران الكريم ثمانية مرات , اغلبها تشير الى العذاب , اما كلمة ( البحر ) فقد وردت 36 مرة , اغلبها تشير الى المنافع والخيرات ! .
2- ( فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ ) : يروي النص المبارك ان بني اسرائيل وخلال مسيرتهم ( رحلتهم ) الى الشام , مروا بقوم يعبدون الاصنام , قائمين على خدمتها .
3- ( قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) : يروي النص المبارك انهم طلبوا من موسى (ع) ان يصنع ( يجعل ) لهم آلهة , كما لدى هؤلاء الوثنيون آلهة , يفترض ان بني اسرائيل قد آمنوا بالله تعالى , فما الداعي والدلالة لهذا الطلب ؟ ! , هذا يدل على عدة امور , نذكر منها :
أ) انهم لم يؤمنوا بالله تعالى , او انهم حديثي عهد بدعوة ( رسالة ) موسى (ع) .
ب) لا تزال رواسب عبادات اهل مصر تسكن في قلوبهم , التخلص منها يحتاج الى ايمان اقوى , ومدة اطول .
4- ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) : يروي النص المبارك رد موسى (ع) عليهم , ( قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) تجهلون عظمة الله تعالى , وان العبادة لا تنبغي لغيره جل وعلا .
إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{139}
تصف الاية الكريمة على لسان موسى (ع) حال هؤلاء القوم الوثنيين بأمرين :
1- ( إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ ) : مدمر هالك ما هم فيه من الشرك .
2- ( وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) : يحكم النص المبارك على عملهم بالبطلان .
قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{140}
يستمر خطاب موسى (ع ) في الاية الكريمة , وفيه امرين :
1- ( قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً ) : يتضمن النص المبارك سؤال استنكار , هل اطلب لكم آلها غيره سبحانه وتعالى ! .
2- ( وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) : يكشف النص المبارك , ان الله تعالى فضل بني اسرائيل على العالمين في زمانهم , وذلك في عدة امور , كما يراها بعض المختصين , نذكر منها مع مناقشتها بشكل موجز :
أ) بكثرة الانبياء منهم , في واقع الحال , ان كثرة انبياء بني اسرائيل تدل على كثرة جحودهم , فلو كانوا مؤمنين لما تكاثرت عليهم الانبياء , ولما اتتهم الرسل , فلا يعتبر ذلك فضيلة لهم ! .
ب) ان انزل الله تعالى عليهم التوراة , وكانت بلغتهم .
ت) خصّ الله تعالى بني اسرائيل بآيات كثيرة , لم يخص بها غيرهم , ولكنها تدل ايضا على عظمة كفرهم وجحودهم لنعمه عز وجل , فلو انهم آمنوا الايمان المطلوب , لما تكاثرت وتوالت اياته عز وجل عليهم , وهذه الفقرة تضاف الى فقرة كثرة الانبياء عليهم , فهي ليست فضيلة لهم ابدا ! .
ث) خصّ الله تعالى بني اسرائيل بأهلاك اعدائهم , في تلك الازمنة , ومنها اغراق فرعون وجنوده , وهذه علامة وآية كبيرة لهم , رجاء ان يؤمنوا ويسلموا لأنبيائهم ورسلهم , فردوا على هذه النعمة ان طلبوا آلهة ( اصنام ) يعبدونها كما لدى القوم الوثنيين الذين وردهم ذكرهم في الاية الكريمة السابقة .
لابد من الاشارة الى ان بني اسرائيل فضلهم الله تعالى على العالمين في زمانهم , اما امة الاسلام فقد فضلها الله تعالى على كافة الازمنة { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110! .
وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ{141}
يستمر خطاب موسى (ع) لبني اسرائيل مذكرا لهم بالنجاة والخلاص من قوم فرعون , الذين اذاقوهم الويلات ومنها :
1- ( يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ ) : ينزلون بكم ويذيقونكم اشد انواع العذاب .
2- ( يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ ) : يقتلون الذكور .
3- ( وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ) : ويستبقون النساء للخدمة .
لتختتم الاية الكريمة بــ ( وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ) , النجاة من عذاب ال فرعون ينطوي على امرين :
1- نعمة النجاة .
2- اختبار من الله تعالى لهم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat