رحمك الله يا شيخنا الفضلي
سلمان عبد الاعلى
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سلمان عبد الاعلى

لعلي لا أجانب الصواب لو قلت بأن فقيدنا الراحل الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي ــ رحمه الله ــ هو أبرز علماء المنطقة (الأحساء والقطيف) في تاريخنا المعاصر، وهذا الكلام أو الحُكم ليس نتيجة لعاطفة محضة، وإنما نتيجة مراعاة للجوانب الموضوعية، فمن من علماء المنطقة المعاصرين كانت له تجربةً كتجربته ونتاجاً كنتاجه وثقافةً كثقافته ووعياً لوعيه، فالفقيد الراحل كان قامةً فكرية كبرى في ميدان الفكر الإسلامي، ورقماً من الأرقام الحية على عظمة الحوزة العلمية كما قال في حقه الشهيد السيد محمد باقر الصدر.
فلقد تربى الشيخ الفضلي ــ رحمه الله ــ في أحضان الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وتتلمذ على يد كبار علمائها آنذاك (كالسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والشهيد السيد محمد باقر الصدر، والشيخ محمد رضا المظفر، والسيد محمد تقي الحكيم وغيرهم)، وكانت تربطه بالشهيد الصدر علاقة خاصة ومميزة يعرفها كل من اطلع على الرسائل التي بينه وبين السيد الشهيد بعد هجرته من النجف، والتي تدل على المكانة الرفيعة التي كانت للشيخ الفضلي عند الشهيد الصدر.
ورغم ما تميز به الشيخ ــ رحمه الله ــ في الحوزة العلمية، إلا أنه لم يكتفي فقط بدراسة وتدريس العلوم الحوزوية كما هو شأن الكثير من العلماء وطلبة العلوم الدينية، بل اجتمعت فيه من الخصال التي لم تجتمع لغيره من الشخصيات العلمية الأخرى بالمنطقة، فهو بالإضافة إلى دراسته وتدريسه في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف؛ واصل دراسته الأكاديمية وتنقل من أجل ذلك بين عدة جامعات للدراسة والتدريس، فمن جامعة أصول الفقه في النجف الأشرف حيث درس البكالوريوس، إلى جامعة بغداد حيث درس الماجستير في اللغة العربية، إلى القاهرة حيث درس الدكتوراه، إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية حيث مارس التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز ورئس قسم اللغة العربية فيها، إلى لندن حيث مارس التدريس بالجامعة العالمية للعلوم الإسلامية.
ولم يقتصر دور ونشاط الشيخ ــ رحمه الله ــ في مجال الدراسة والتدريس الحوزوي والأكاديمي فحسب، بل نجده قد ساهم في تجديد وإصلاح المناهج الحوزوية من خلال تأليف وإعداد العديد من الكتب منها: (كتاب مذكرة المنطق، خلاصة المنطق، خلاصة علم الكلام، أصول البحث، أصول تحقيق التراث، أصول الحديث، أصول علم الرجال، تاريخ التشريع الإسلامي، مبادئ علم الفقه، ودروس في فقه الإمامية)، وغيرها من الكتب والمؤلفات في الفكر الإسلامي وفي علوم اللغة العربية.
ومن يطلع على كتب الشيخ الفضلي يعرف كيف استطاع ــ رحمه الله ــ أن يزاوج ويكامل بين العلوم الحوزوية والأكاديمية، فكتابته للمناهج كانت عبارة عن ولادة لمزاوجة تمت بين تجربته الحوزوية والأكاديمية؛ حيث أسهم في تحقيق التكامل المعرفي بين الحوزة والجامعة، وهذه السمة نجدها واضحة أيضاً في دروسه في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية، وفي ندواته ومحاضراته.
إضافة إلى ذلك كله، فقد اتسم شيخنا الفضلي ــ رحمه الله ــ بالأخلاق العملية العالية على المستوى السلوكي، فكل من عرفه يذكر له ذلك، وقد برزت هذه السمة أكثر عندما تعرض لحملات التسقيط بسبب موقفه الإيجابي من مرجعية السيد محمد حسين فضل الله ــ رحمه الله ــ حيث ترفع عن الرد أو المواجهة ولم تصدر منه أي كلمة أو تصريح أو تدخل في أي صراع.
فرحمك الله يا شيخنا الفضلي وأسكنك فسيح جناته، فمن مثلك نتعلم كيف نكون حريصين على تحصيل العلم والمعرفة، ومن مثلك نتعلم كيف نعمل بهدوء وصمت، ومن مثلك نتعلم كيف نتجنب الصراعات.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat