الآن .. وَقَد اِنفَضَّتْ أربعينية ُالإمام الحسين (ع) ، هل ستعترف الحكومة بفشلها ؟
راسم المرواني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
راسم المرواني

إذا كنا مفروضاً علينا أن نعود الى زمن (البعثيين الصداميين) ونكمم أفواهنا عن قول الحقيقة فستصبح كتابة هذا المقال محض (عبث) لا غير ، وإذا كان مفروضاً علينا أن نعيش زمن (المجاملات) والنفاق السياسي والإجتماعي ، كي نبقى محافظين على صداقة زيد وعمر ، فسنقول للحكومة العراقية : - (عاشت أياديكم ، وما قصرتوا) ، أما حين نكون واقعيين وصادقين مع أنفسنا ومع العراقيين ومع التأريخ ، فسنقول للحكومة العراقية :- (والله لقد أثبتم فشلكم في إدارة كل الملفات المتعلقة بزيارة أربعينية الإمام الحسين ع) .
رغم وجود (الغث والسمين) بين زوار أبي عبد الله الحسين (ع) ، ورغم تعدد (ثقافات) زوار أبي عبد الله الحسين ، ورغم اختلاف ألوانهم وقومياتهم وجنسياتهم وحتى (طوائفهم) ، ورغم تفاوت (النيات) والرغبات والسلوكيات لديهم ، ولكن القاسم المشترك بينهم هو أنهم عاشقون ومسالمون و (فالنتينيون) كما يعبرون ، وهم بالتالي لا يريدون غير أن يعيشوا (كرنفال) عشقهم بعيداً عن المنغصات ، كما يعيش بقية الناس (احتفالاتهم) في الدول الأخرى ، هذا فضلاً عن كونهم إما (عراقيون) أو كونهم (ضيوفاً) على العراق ، مع ملاحظو كونهم ضيوفاً على أبي عبد الله الحسين (ع) ، وبالتالي ، فالحسين عليه السلام (عندي) وعند زواره وعند محبيه وعند عشاقه وعند مريديه وعند من يعرفون من هو ، فهو أعز وأعظم وأزكى وأنمى وأهم وأكبر من التعب والراحة ، والحياة والموت ، والفقر والغنى ، والسعادة والألم ، وبالتالي ، فهو وسيلة من وسائل شحن النفوس بالطاقة نمن أجل استكمال مسيرة البحث عن الخلاص ، ولذا ، فالإمام الحسين ليس ملكاً فقط للعراقيين ولا للعرب ولا للشيعة ولا للمسلمين ولا غيرهم ، بل هو محطة تستريح إليها الإنسانية في مسيرتها نحو الخلاص ، وهو العنوان الأكبر للثورة من أجل حقظ كرامة الإنسان ووجوده ، ولا أحسب أن لأي (حكومة) قيمة دون وجود الأرض ، ولا أجد للأرض قيمة دون وجود الإنسان ، ولا أعتقد أن للإنسان قيمة دون وجود (الكرامة) ، وهذا ما أراد الإمام الحسين (ع) لنا – ولغيرنا – أن نفهمه ، حين قال (هيهات منا الذلة) ، وحين قال (الموت أولى من ركوب العارِ) .
ومن هنا ، كان المفترض بالمتمسحين بعباءة الإمام الحسين من (قمم السلطة) وأساطين ثرواتها المباحة ، وكان ينبغي على من استغلوا اسم الحسين في ترويج حملاتهم الإنتخابية بالأمس ، وكان لزاماً على من يدعون أنهم سائرون على منهج أبي الأحرار أن يعوا بأن خدمة الحسين عليه السلام تتأتى من خلال خدمة زواره ومريديه ، وعليهم أن ينحنوا متواضعين أمام قامة الحسين وعنفوان ثورته ، وعليهم أن يعتبروا بأن خدمة (خدام) الحسين هو شرف في الدنيا والآخرة ، وكان وما زال لزاماً عليهم أن يحترموا (إرادة) الملايين في إقامة شعيرة من شعائر الله والإنسانية ، وأن يحركوا (عقولهم) من أجل إنجاح انسيابية زوار أبي عبد الله ، على الأقل وفاءً للحسين ووفاء للشعب الذي عانى الأمرين من أجل إيصال أباطرة المال من أساطين (الحكومة) الى مراكز القرار ، وبوسعي أن أقول بأن الخدمات (المزعومة) في زيارة الأربعين كانت كاشفة عن (فشل) الحكومة ، كما كشفت الأمطار فشل ولصوصية وغباء وتهاون الـ (بعض) من السادة المسؤولين في أمانة بغداد ومؤسسات البلديات في المحافظات و الدوائر التابعة لها .
ومن صور الضحك على الذقون أن يخرج أحد المسؤولين الأمنيين على شاشات التلفزة ليبرر التفجيرات التي ساوقت مسير الزائرين لكربلاء وحصدت من أرواحهم ودمائهم الزكية ، ليقول بكل (غباء) بأن :- (التفجيرات قد حدثت خارج الطوق الأمني) ، وكأن بقية الزوار ممن هم (خارج الطوق الأمني) ليسوا من البشر ، وليسوا عراقيين ، وليسوا محط عناية ، وليس لحياتهم ودمائهم قيمة دام أنهم خارج الطوق الأمني ، متناسياً هذا (المتشدق) بأن واجب الجهات الأمنية هي حماية المواطن حيثما كان ، حتى وهو داخل بيته وبين عياله ، ولكن يبدو أن جناب الأخ المسؤول يتقاضى رواتبه (وغيرها) من أجل (طوق أمني) فقط ، وما هو خارج الطوق فليس من مسؤوليته أو مسؤولية رؤسائه أو مرؤوسيه .
وبالمناسبة ، فالطوق الأمني كان أشبه بـ (العقوبة الجماعية) على الزائرين ، وأثبت فشله وفشل بقية الدوائر الخدمية الأخرى أثناء الزيارة ، بدليل أن الطوق الأمني يمتد الى ما يقرب من (عشرين كيلو متر) خارج حدود كربلاء المقدسة ، وعلى خطه الساخن تم منع السيارات والعجلات من دخول كربلاء ضمن هذه الـ (عشرون كيلو متر) ، مما أجبر الزائرين (الذين جاءوا راكبين أو راجلين الى كربلاء) على العودة (مشياً) على الأقدام كل هذه المسافة للحصول على وسيلة نقل ، ورغم أن سماحة السيد (العراقي) مقتدى الصدر قد قام باستئجار (مئات) الباصات الخاصة ، وجعلها بخدمة نقل الزائرين (مجاناً) من محافظات العراق إلى كربلاء المقدسة وبالعكس ، ولكن هذه المئات من (الباصات) لم تكن لتستوعب عدد الزائرين الذين يقدرون بالملايين ، وكان المفترض بوزارة النقل أن تحترم (عراقيتها) وأن تؤدي للعراقيين بعض حقهم من توفير وسائل النقل ، بدلاً من ترك النساء والشيوخ والأطفال تحت رحمة (الأنواء) ، حتى لقد خيـل إلي وأنا أرى الزائرين المنهكين وهم يسيرون عائدين من كربلاء الى نهاية الطوق الأمني للحصول على وسيلة تنقلهم الى مواطنهم وكأنهم (سبايا) الحسين (ع) يسيرون تحت سياط (زجر وخولّى) .
لقد استطاعت (المواكب الحسينية) بكوادرها (البسيطة) وبإمكاناتها المتواضعة أن تحقق أعلى تميز في توفير الرعاية والخدمة وتقديم العلاج والراحة والمبيت والطعام للزائرين ، بشكل شخصي ، وبمستوى يدل على أن (عشاق الحسين) جديرون بأن يكونوا بمستوى حسن الأداء ، وأثبتوا أنهم قادرون على إدارة ملف زيارة الأربعين ، وأثبتوا أنهم على مستوى عال من التضحية والحب لكل العراقيين ، بما يملكونه من غضاضة وبشر وهم يقدمون الخدمات ، وبما يلحون به على الزائرين من قبول الضيافة ، ودون أن يطالبوا بـ (رواتب) أو (مخصصات) أو (جوازات سفر دبلوماسية) لهم ولعوائلهم ، خلافاً لبعض الموظفين التنفيذيين الباحثين عن زيادة المخصصات ، وبعيداً عن ممارسات بعض أفراد القوات الأمنية من ذوي النفوس الناقصة الذين استغلوا مواقعهم في محاولة لإثبات أهميتهم من خلال التسلط على الزائرين ، أو استغلال موقعه للنيل والتنكيل والإستهتار بمن يخالفونه الإنتماء الحزبي أو المنهجي .
لقد كان آخر وفد من وفود مكتب السيد الشهيد الصدر (قدس سره) الى كربلاء المقدسة قد خرج من النجف الأشرف عند منتصف ليلة الثلاثاء ، بصحبة سماحة السيد حازم الأعرجي ومجموعة من المشايخ الأفاضل وبعض البرلمانيين والمسؤولين الصدريين وكاتب المقال ، والحق أقول لكم ، لقد هال الوفد ما رآه من (تعذيب) وإنهاك (مقصودين أو غير مقصودين) للزائرين ، وساء الوفد رؤيتهم لبعض أفراد القوات الأمنية وهو يحمل (عصا) غليظة بيده لكي (يهش) بها على الزائرين ، في إساءة واضحة للعراقيين ولغير العراقيين من أبناء الجنسيات الأخرى من عشاق الحسين ، وهي ظاهرة (لا أخلاقية) و (لا إنسانية) قبل كونها ظاهرة لا (دينية) ولا حضارية ، في نفس الوقت الذي صادفنا فيه الكثير من الضباط والمنتسبين (الأمنيين) ممن كانوا في قمة الأخلاق والرقي والحضارية والإنسانية ، ولكن كما يقال ، فالعملة (الرديئة) تطرد العملة (الجيدة) ، وحين يعود الزائر الى محل إقامته فأكيداً أن الظواهر (السلبية) ستعلق في ذاكرته أكثر من الظواهر الإيجابية المعتادة والمفترضة .
ومن الملفت للنظر أن زوار أبي عبد الله الحسين (ع) هذا الموسم ، قد أخرسوا ألسنة المتفيهقين والمتفيقهين والمتخرصين الذين يقولون بأن مراسم عاشوراء وزيارة الأربعين هي سبب من أسباب (تعطيل الحياة) ، لأن دوائر الدولة والدوائر الرسمية والمؤسسات التعليمية والوزارات (كلها) لم تغلق أبوابها ، ولم تطرد المراجعين ، بل بقيت الحياة (مستمرة) ، ولم يكن لهذه المراسم أي تأثير على الحياة غير أنها صنعت الحياة ، بل ربما أن هذه المراسم قد شحنت مسيرة الحياة في أماكن عديدة من أماكن السبات ، على الأقل بالنسبة لمنتسبي الدوائر الأمنية الكي (يحلّلوا رواتبهم) بعد أن اعتادوا طيلة العام أن يقضوا وقتهم يداعبون (موبايلاتهم) أو يشيرون بأيديهم بحركة (رتيبة) مؤذنين بالمرور في السيطرات التي لم تقر أعيننا يوماً بإلقاء القبض على إرهابي واحد طيلة مدة إزعاجها واستهتارها بوقت وراحة المواطن .
إن أغلب الزائرين الذين صادفناهم في الطريق ، لم يكونوا ليرعووا عن (شتم) الحكومة ، وضرب رئيس لالوزراء بسياط (اللعن) العلني ، معرجين بطريقهم لشتم (وزير النقل) ، ووزير البلديات ، انتهاءً بآخر وزير ومسؤول في الحكومة ، وحسب فهمي ، فإن المواطن البسيط حين يقول (الله لا يوفق الحكومة) فإنه يعني بذلك كل الحكومة ، من أعلى الهرم الى آخر موظف يجلس وراء (ميزه) بانتظار آخر الشهر واستلام راتبه .
إن مستوى الخدمات العامة المتدني ، وفشل احتواء أعداد الزائرين ، وتكدس (الأزبال) في المدينة المقدسة التي اختارها الله لتكون محل ملحمته الإنسانية الكبرى وعاصمة وقبلة للثائرين ، واستغلال بعض ذوي النفوس المريضة لتعب الزائرين وفرض الأتاوى في أجور النقل لعدم وجود الرقيب ، وفرض عقوبة (جماعية) على الزائرين في المسير لمسافة (عشرين) كيلو متر ، وغياب الرقيب والمنظم في ساحات وقوف السيارات ، و (إكتفاء) المواطن في لوم أجهزة الدولة ، كلها مؤشرات على أن الزمن مازال مبكراً علينا لنقول للحكومة :- (عاشت إديكم) ، وأن نقول للثوار من أتباع الحسين (سلمت أياديكم) .
راسم المرواني
المستشار الثقافي للتيار الصدري
العراق / عاصمة العالم المحتلة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat