رأيٌ في ذكرى الأربعين
سلمان عبد الاعلى
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في ذكرى الأربعين تتجدد ذكرى الإمام الحسين عليه السلام؛ وإن كانت دوماً متجددة، ولكن يبقى للأربعين ولزيارة الأربعين طابعها الخاص والمميز، التي يميزها عن غيرها من الزيارات الأخرى، فترى الحشود التي جاءت من كل فج عميق ليشهدوا تلك البقاع الطاهرة المقدسة، وليُلبوا نداءات الحسين (ع)، وليعلنوا الولاء له والانتماء لمبادئه، وليستلهموا منه ومن نهضته الدروس والعبر.. فهذه الحشود لم تأتي في الوقت الضائع، لأنها لم تأتي لنصرة الحسين (ع) عسكرياً، بل جاءت لتنصره بتحقيق أهدافه وبالالتزام بمبادئه التي ضحى بنفسه من أجلها.
من هنا نضع علامات الاستفهام والتعجب على مقولة شائعة رغم كونها خاطئة –في رأيي- وهي مقولة يرددها الكثير من الخطباء والكتاب وغيرهم، وهم غير ملتفتون لها جيداً (دون قصد)، وهي قولهم: "أن الحسين(ع) هزم عسكرياً ولكنه انتصر في جوانب أخرى".
والحقيقة أن الإمام الحسين (ع) لم يهزم لا عسكرياً ولا مادياً، ولا بأي هزيمة أخرى، لأن الحسين (ع) لم يكن هدفه تحقيق النصر العسكري على الجيش الأموي، وإنما كان هدفه هو القيام بالإصلاح وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أوليس هو القائل في خروجه من المدينة: ((أني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد، وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين)).
فهذه الكلمات تأكد بأن الحسين عليه السلام كان يهدف لتحقيق الإصلاح ولتحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يكن هدفه الانتصار العسكري على جيش يزيد بن معاوية، بل كان يعلم جلياً ما ستؤول له الأمور بسبب موقفه هذا، ومع ذلك بقي صامداً ولم يغير موقفه، وقد بين ذلك في خطبتة الشهيرة بقوله: ((خُطَّ الموت على وِلد آدم مَخطَّ القِلادة على جِيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مَصرع أنا لاقِيه، كأني بأوصالي تُقطِّعها عُسلانِ الفلاة بَين النَّوَاويسِ وَكَربَلا، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً، وأجربة سغباً)).
فهل في هذه الكلمات ما يدلل بأن الإمام الحسين (ع) كان يهدف لتحقيق النصر العسكري حتى يقال بأنه قد انهزم في ذلك؟! أوليس النصر الحقيقي يتمثل في تحقيق الأهداف التي كان يريدها الشخص؟ وهل حقق الإمام الحسين(ع) أهدافه من نهضته أم لا؟! وإذا قلنا بأن أهدافه (ع) قد تحققت، فهل يعد بعد ذلك مهزوماً؟!
إذاً إن قيمة النصر لا تقاس فقط بالجوانب المادية أو العسكرية، لأنها ليست مرهونة بذلك، وإنما يقاس النصر بتحقيق الأهداف والمبادئ التي كان يهدف لها المنتصر، ولهذا لا يصح أبداً أن نقول بأن الإمام الحسين (ع) قد هزم حتى ولو كان المقصود منه النصر العسكري فقط، لأن الإمام الحسين (ع) لم يكن هدفه تحقيق النصر العسكري، وإنما كان هدفه تحقيق الإصلاح كما بين ذلك عليه السلام.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
سلمان عبد الاعلى

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat