أنتخابات حافات المياه !
علي حسين الدهلكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين الدهلكي

صحت بغداد يوم السابع من آذارعام2010 وهو اليوم المخصص لبدء عملية الاقتراع لاختيار 325مرشحا للبرلمان على دوي سلسلة من الانفجارات بدأت مع الدقائق الأولى لبدء عملية الاقتراع , وقد رافقت هذه الانفجارات تحركات كثيفة للجيش والشرطة العراقية مصحوبة بأصوات صفارات الإسعاف والإطفاء , وقد شملت هذه الانفجارات بغداد بجانبيها الكرخ والرصافة , ورغم هذه الانفجارات إلا إن الناخب العراقي أصر على التوجه إلى صناديق الاقتراع منذ الدقائق الأولى لذلك اليوم .
وقد كنت احد المكلفين بالمراقبة في احد المراكز الانتخابية وهذا ما جعلني اذهب مبكرا إلى المركز الانتخابي لانتخب وبعدها التحق بالمركز الذي سوف أراقب فيه.
وكان المركز الذي انتخب فيه يسمى ( بيسان ) وهو احد المراكز الانتخابية في حي القاهرة, بينما المركز الذي أراقب فيه يسمى ( الحواريين ) في مدينة الصدر, والمسافة بين الاثنين ما يقارب الـ10كم اضطررت لقطعها سيراً على الأقدام .
وعند وصولي إلى مركز الاقتراع (بيسان ) كنت أظن أني أول الناخبين , ولكني فوجئت بالعديد من الناخبين قد سبقوني , فاق عددهم الـ40 ناخب (حسب قول مدير المركز) .
وقد شاهدت بأم عيني العديد من الناخبين يتفحصون القوائم المعلقة على جدران المركز للبحث عن أسمائهم , وكانت علامات الفرح ترتسم على وجوه من يجد اسمه في هذه القوائم .
وقد دفعني الفضول الصحفي لسؤال بعض الناخبين عن هذا الإصرار للقدوم إلى المراكز الانتخابية رغم القصف والتفجيرات ؟.
فقال احد الناخبين وهو مدرس إعدادية: أنا كنت قد قررت الذهاب إلى المركز الانتخابي بعد صلاة الظهر , لكن ما أن سمعت دوي الانفجارات حتى قررت أن اذهب فوراً للانتخاب لأني سأكون من أوائل المجاهدين الذين يردون على هذه التفجيرات بزرع أصواتنا المفخخة في صناديق الاقتراع لنرد بها على هؤلاء الزنادقة (كما يقول ) .
ثم سألت الحاجة (أم علي ) نفس السؤال فأجابت : إن الذهاب إلى الانتخابات مبكراً فرض مقدس كصلاة الفجر حسب قولها .
ثم كان لي حديث مداعبة مع طفل رافق والدته وسألته عن سبب مجيئه للانتخابات فرد عليّ بكل براءة : (حرامات عمري صغير وما يصير انتخب بس جيت ويهّ أمي حتى ألون إصبعي بالبنفسجي ) .
نعم هكذا يكون الحب والولاء للوطن .
بعدها توجهت للمركز الانتخابي الذي سوف أراقب فيه ووصلت إليه حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحاً بعد أن ساعدني احد أفراد الشرطة بإيصالي إلى مسافة قصيرة ولكنها ساعدتني بعض الشيء .
وصلت المركز وهو في قطاع (74 ) في مدينة الصدر وهذا القطاع هو من القطاعات التي يطلق عليها لخطورتها بـ (حافات المياه ) تيمنا بالمسلسل الأجنبي حافات المياه , وأطلقت هذه التسمية عليه لكثرة الجثث التي قطعت وأعدمت فيه وهو قريب جدا لمنطقة (السدة ) سيئة الصيت أيضا لما عرف عن هذه المنطقة من أعمال قتل وإعدام . بل إن قطاع 74 كان من القطاعات التي امتنع حتى أهل القطاع من المراقبة في مراكزه الانتخابية , خشية تعرضهم للملاحقة بعد الانتخابات .
المهم وصلنا إلى المركز فوجدنا الحراسة على المركز مشددة ولكن بعض عناصر الحراسة كان مثار شك وشبهات .أولا: لطريقة ارتداءها الملابس العسكرية بصورة لا تنم عن اهتمامها بالقيافة العسكرية وثانيا : طريقة كلامها وتفوهها بكلمات فيها نوع من الاستفزاز.
وقد لاحظت الهمس واللمز والتخاطب بلغة العيون في إشارة للحذر من الغريب القادم وهو ( أنا ) , فاستوعبت الأمر ولم اجعل يبدو عليّ أي اهتمام بالأمر بينما كنت في داخل نفسي عكس ذلك , دخلت المركز بعد أن وضعت الهاتف الخلوي في الأمانات , وبحثت عن مدير المركز, الذي خيّرني برقم المحطة التي ابغي المراقبة فيها , فاخترت المحطة رقم (2 ) لا على التعيين .
دخلت إلى المحطة وجلست في المكان المخصص لجلوس المراقبين بعد أن سلمت على الجميع .
وللحقيقة أقول إن كل شيء في المحطة كان هادئاً والأمور تسير بغاية الدقة والشفافية , ولم ألاحظ أي شيء يثير الريبة أو الشك حتى ساعة انتهاء التصويت في الخامسة مساءاً .
بعدها تم غلق الصناديق , وكانت التعليمات الصادرة ألينا بعدم الانجرار وراء الاستفزازات مهما تكون قاسية .
وبعد نصف ساعة أتى مدير المركز ليطلب منا الإذن بالعد والفرز , ولكني طلبت أن أرى سجل الناخبين لأعرف عدد الناخبين حسب توقيعهم وكان العد مطابقا لما لدي وهو ( 258 ) ناخب , وبعدها تم فتح الصندوق وعد الاستمارات الموجودة فيه وهي نفس العدد الذي ذكرته , بعدها تم فرز الاستمارات حسب القوائم وبعد الانتهاء من الفرز كانت النتائج كالآتي :
الائتلاف الوطني 125 صوتا
ائتلاف دولة القانون 113 صوتا
القائمة العراقية 3 صوت
قائمة أحرار 3 صوت
القائمة الكردستانية 2 صوت
قائمة إرادة وتغيير 1 صوت
= شمس الرافدين 1 صوت
= ائتلاف وحدة العراق 1صوت
ثم جرى بعد ذلك تصنيف استمارات كل كيان حسب مرشحيه ( أي عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح ) , ثم تم وضع استمارات كل كيان في أكياس خاصة وضعت جميعا في نفس الصندوق , وتم إغلاق الصندوق وبعدها قمنا بتسجيل أرقام الإقفال التي اقفل بها الصندوق وهي خمسة أقفال , واحد في الأعلى وأربع على الجوانب , حيث تم نقل الصندوق بحراسة مشددة إلى مكان تجميع الصناديق .
وبعدها سمح لنا بالخروج من المركز , وكان المقر الذي نرتبط به قد أرسل ألينا سيارة جاء سائقها يبحث عنا , فخرجنا سوية , ونحن في الطريق إلى السيارة أتى من همس في آذاننا أن نفحص السيارة قبل تشغيلها خوفا من وضع عبوة لاصقة فيها , فتشنا السيارة ولم نجد أي شيء فيها , فانطلقنا مسرعين لنخرج من هذا القطاع المرعب شاكرين الله على أدائنا الواجب بكل أخلاص وخروجنا بسلام من (حافات المياه ) .
وعند وصولنا إلى المقر استقبلنا بالأحضان والتهاني على سلامة العودة وقد فوجئنا فيما بعد إن مهمتنا كانت من الخطورة لدرجة شكلت مصدر قلق دائم لدى غرفة العمليات التي تشرف على الانتخابات ,
وبعدها تم نقلي إلى منزلي بسيارة مخولة لان حظر التجوال كان قد بدأ عند الساعة الثامنة مساءاً , وصلت بعد أن اخذ التعب مني مأخذا ودعوت من الله أن ينصر العراق ويسعد شعبه الذي يستحق فعلا الحياة لأنه شعب شجاع وصبور , وتمنيت أن يكون كل سياسي صادقا في شعاره الذي تبناه في رسالته الانتخابية وقلت ( إن غدا لناظره لقريب ) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat