صفحة الكاتب : د . عصام التميمي

الديمقراطيه لن تبنى بآليات دكتاتورية
د . عصام التميمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 ان القوانيين تسن في كل مكان من العالم والقرارات تتخذ في كل زمان ، الناس يضعون القوانيين والادارات تتخذ القرارات سواء بطريقه ديمقراطيه او دكتاتوريه ، وسواء كان الناس يتخذون قرارات عائليه او قرارات تعليميه ، سواء كانوا مجتمعين في دائرة البلديه او في مجلس الكليه ، سواء كانوا من الناس \"المبدئيه\"  ام  من  \"اللوكيه\" ، وسواء ادت قراراتهم الى الاقتصاد في النفقات ام اهدرت المال العام . 
على الرغم من كل ذلك تساهم القوانيين المشرَّعه بحكمه وبطريقه ديمقراطيه في بناء اوعلى الاقل تأسيس مجتمع حسن التنظيم .
ويتطلب تشريع القوانيين سلسله اجرائيه طويله تبدأ بالمواطن وتنتهي فيه.
للشعب العراقي تاريخ عريق في سن القوانيين ، ابتدءَ بشريعة حمورابي التي هي مجموعه من القوانيين التي تعتبر الاولى في التاريخ من حيث اكتمالها وشموليتها لكل مناحي الحياه في بابل. 
وشريعة حمورابي كأي تشريع تحتوي على القانون وعلى العقوبه لمن يخرق القانون. والعقوبات امر هام في كل تشريع حتى يكون هناك عنصر ردع فعال ، و كانت العقوبه في شرع حمورابي في بعض الاحيان شديده لا تتناسب مع الجرم , و قد يكون ذلك من وجهة نظر المشرع امر ضروري في ظرف معين.
وللشعب العراقي تاريخ طويل من الالتزام بقوانيين البلاد ، تشكَّل عبر مئات السنيين من التقيد بالقواعد الاسلاميه العامه حتى صارت عرفاً اجتماعيا سائدا تسنده القوانيين المشرّعه طبقا لها وطبقاً للاعراف القبليه والقيم المجتمعيه. 
وفي جزء منه، يكون الالتزام بالقوانيين طوعي دون رقابه مجتمعيه ودون روادع عقابيه سوى الالتزام الادبي والاخلاقي الناتج عن التعود على اخلاقيات المجتمع والنواهي العرفيه.
وحين يساهم اكبر قدر من الناس في وضع قانون ما ، فأن ذلك يكون مدعاة لالتزامهم به والتقييد الطوعي للعمل بموجبه بعد تشريعه. من هنا كان لا بد في النظام الديمقراطي من توفير الفرص لاشراك كافة المواطنيين المعنيين بقانون معين من المساهمه في عمليه وضعه ، لان ذلك سيسهل عملية تطبيقه والالتزام بمضمونه فيما بعد. 
في النظام الديمقراطي لا تسن القوانيين على مقاسات القله من الناس بل تسن للاكثريه التي تثق بالنظام الديمقراطي واستقراره واستقرار الحقوق الشخصيه فيه. ان عدم استقرار الحقوق له اسوء الاثر في فقدان ثقة الناس بالنظام العام بصوره عامه وبالنظام الديمقراطي بصوره خاصه . 
ان التذبذب في القرارات والمعالجات المتناقضه الانيه ، تجعل كل شئ حاضر في اذهان الناس ، وتعني لهم أن هناك عدم وضوح في الرؤيا في اذهان القائمين على الديمقراطيه في العراق ، كما تدل على عدم وجود ستراتيجيه منهجيه لاعتماد وتبني النظام الديمقراطي . ان الديمقراطي الجيد هو المؤمن بالديمقراطيه الحقه والذي يعمل على تنمية مهاراته المعرفية ويكون اكثر دقة في حل المشكلات ووضع الاحتمالات والأخذ بوجهات نظر الآخرين باشراك اكبر قدر منهم ودراسة أراءهم التي اختلف فيها والبحث عن الادلة والتقويم واعادة البناء والحصول على التغذية الراجعة وتقدير النتائج وتقويم الاداء وتصحيح الانحراف من خلال تغيير المدارك والعمل الجماعي. 
 
في مجتمع حديث على الديمقراطيه وناس لم تتضح لديهم رؤيا ديمقراطيه في اداره البلد ، يصبح من الضروري التوسع في نشر مفاهيم الديمقراطيه واساليب تدعيمها وتعزيزها . وان يدرك القائمون عليها ان انشاء مجتمع حسن التنظيم يتطلب اشراك كل شخص بعملية اتخاذ القرار بطريقه ديمقراطيه. ويتطلب ايضا رفع مستوى اهتمام عامة الناس لتصبح لديهم الرغبه والاندفاع للمساهمه الشخصيه بعملية اتخاذ القرار.
كما ان اصحاب القرار او الشان الاول في اتخاذه ما زالوا يعتمدون الاليات الدكتاتوريه الفرديه في اتخاذه بعيدا عن الجماهير ذات المصلحه الحقيقه فيه. ولا توجد اي محاولة جاده لتفعيل الاليات الديمقراطيه في اتخاذ القرار بل على العكس هناك نكوص الى الماضي القريب في اعتماد اساليب فرديه ومزاجيه هي اسوء مما كان بسبب غياب الرقابه والمحاسبه وبسبب الفوضى في كل المفاصل. 
فكيف يتسنى وضع قوانيين يساهم فيها الاكثريه من الرعيه اذا كان الحاكم يتبع آليات دكتاتوريه في ادارة الامور، انه لاقرب من المستحيل ان يضع الجلاد قانون في صالح الضحيه ، ولن يستطيع اي حاكم وحتى لو انتخب بطريقه ديمقراطيه ، ان يسهم بوضع قانون يلبي متلطلبات الديمقراطيه ان لم يكن هو فيها مؤمن ابتداءًً. وأن لم يكن هو مدرك بالطريقه التي تدار فيها الامور وكيف يتسنى اشراك اوسع مجموعه من الاخرين في اتخاذ القرار او وضع القانون او اقتراح التعليمات. 
ورغم احتمالية ان القوانيين توضع بطريقه عشوائيه ، تتخبط في رؤياها ، الا ان المبادئ الاساسيه لصنع القوانيين بطريقه ديمقراطيه هي ذاتها في كل بلد ديمقراطي :
1.  موافقه غالبية الرعيه ، بمفهوم ان كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، على القوانيين والانظمه والتعليمات .
2.    أشراك الرعيه في كافة مراحل اتخاذ القرار او تشريع القانون وعلى كافة المستويات.
3.  تأمين الوصول السلس والسريع الى عملية اتخاذ القرا ر او وضع القانون وبكافة السبل المتاحه دون اي عراقيل ودون اي استثناءات ، على ان يتم اشراك الجمهور من خلال التصويت او تقديم الطلبات او من خلال المظاهرات المطالبه بالحقوق او الدعاوي القضائيه التي يحكم بها حكما باتا . وفي اغلب الاحيان فان تشريع القوانيين يجب ان يستند على المطالب العادله والاحكام الباته والمراجعات الدوريه للقوانيين والانظمه لتتماشى مع المتغيرات المتلاحقه في البلد. 
4.  ان يتم كل ذلك بروح الجماعه ، وان تكون الاداره ذات توجهات ديمقراطيه حقيقيه تؤمن بمبدأ الشورى على اوسع نطاق ، اما ذوي النزعات احاديه الرأي التي تميل الى فرض اراءها على الاخرين وتعادي الرأي الاخر فيجب تشخيصها وابعادها عن مركز اتخاذ القرار مع البقاء على اشراكها في اتخاذ القرار لانها لا تصلح ان تكون راعية لاتخاذ القرار في نظام ديمقراطي ولكنها يمكن ان تكون ضمنه. 
5.  تأمين الحمايه الضروريه للحريات الاساسيه التي نص عليها الدستور في ابداء الرأي بكافة وسائل التعبير المتاحه ، بالاحاديث والخطب وبالكتابه في الصحافه الورقيه والالكترونيه ، وفي رفع الشعارات في المسيرات والمظاهرات وفي اقامة الندوات والمؤتمرات واقامة الاجتماعات واللقاءات والتجمعات.  
 
 الديمقراطيه لن تبنى بعقول دكتاتوريه تربت في كنف النظام السابق ولا بآلياته التي ما زالت سائده وفعاله في الكثير من مفاصل الدوله. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عصام التميمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/21



كتابة تعليق لموضوع : الديمقراطيه لن تبنى بآليات دكتاتورية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net