صفحة الكاتب : مثنى مكي محمد

عن العطاء والحرمان المعرفي
مثنى مكي محمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

خلال حياتي العلمية والعملية مرت علي أمثلة كثيرة تندرج في بابي العطاء المعرفي ونقيضه المتمثل بحجب المعرفة عن الآخرين لسبب أو لآخر. ولعل من تهيئ له الأقدار أشخاصا" من محبي العطاء العلمي والمعرفي من المحظوظين. وأحمد الله أني كنت ممن حظوا بمعرفة بعض هؤلاء من محبي العطاء، وكلي امتنان لهم لما قدموه لي من دعم وما علموني إياه أو ما شاركوني به من معرفة ومنهم أساتذة وأصدقاء ما زلت على تواصل معهم عرفانا" وامتنانا" ومودة".

غير أن مجتمعنا للاسف لا يخلو ممن يعتبرون مشاركة المعرفة أو تيسير مصادرها فقدان لامتياز يتمتعون به. فتجد، في عالم الدراسة مثلا"، من يتفنن بحرمان أقرانه من اقتناء كتاب مفيد أو حتى من إرشاد صاحبه لمكتبة أو لموقع اليكتروني قد يجد صاحبه فيه ضالته! وفي الحياة العملية نجد للأسف أن ما يمكن أن نسميه بنظرية الحرمان المعرفي، إن صح التعبير، هي الغالبة. فقلما نرى صاحب حرفة أو مهنة يعلم غيره ما يعرفه خوفا من المنافسة ورغبة باحتكار ما يعرفه. ناهيك عمن يظلل الآخر ويرسله باتجاه خاطئ! فمن باب الصدق والأمانة أن لا تحرم الآخر من إرشاد لمصدر المعرفة, لكن أيضا" من باب الأمانة والنزاهة العلمية أن لا يسرق شخص جهدا" علميا" من آخر وينسبه لنفسه مما قد يترتب عليه حقوق أو امتيازات. وهناك فرق بين المشاركة بمصادر المعرفة وبين مشاركة المعرفة نفسها. فالمعلومات ليست هي المعرفة وقديما" قيل (العلم في الصدور لا في السطور). فكون المرء يمتلك كتابا" لا يعني بالضرورة فهمه لفحواه، وكم من هاو لجمع الكتب امتلك المئات منها وتفاخر أمام الملأ (أو لعله أخفى أمر امتلاكه للمكتبة!) بما تحتويه مكتبته من مجلدات لهذا وذاك من أساطين العلم، لكنك عندما تغور أسبار هذا الشخص تدرك أنه لا يحمل من العلم ولا من أدب العلماء ما يوازي ادعائه، فما هو غير وراق وما هو بعالم ولا طالب علم.

ويدخل في باب نشر العلم ما يسمى بـ (توريث المعرفة). وقد وفرت التكنولوجيا الحديثة من انترنت وبرامج ووسائل تواصل اجتماعية ومواقع متخصصة بمجالات علمية دقيقة وأجهزة التسجيل والتحرير الصوتي والصوري الرقمية وإمكانية خزن البيانات اليكترونيا" ونقلها بحيث تكون متاحة لأجيال قادمة وبشتى بقاع العالم وبأوطأ الكلف إمكانية غير مسبوقة، ليس بنشر العلم والمعرفة فحسب لكن بتوريثهما أيضا. فالخبرة العلمية والعملية من الضروري توريثهما لمن هو أهل لحملهما ورعايتهما وإلا فإنهما سيختفيان ويندثران باندثار صاحبهما.

و ما نتحدث عنه هنا لا يقتصر على كتاب أو بحث تنشره أو تدل على مكانه بل يشمل أيضا" المهارات التي لا تجدها مشروحة في بطون الكتب. مع مراعاة حقوق النشر لتلك الخبرة أو العلم بما يضمن حقوق الآخرين. فهذا والد حرص قبل أن تنتهي رحلته في هذا العالم على نقل خبراته لأبنائه ليكملوا المشوار من بعده ويضيفوا لتلك المعرفة ما ينميها ويطورها ويجعلها بصورة أسمى وأبهى. و ذلك أستاذ من الله عليه بشي من الإجادة في اختصاصه فإذا هو يوثق ذلك العلم والمعرفة لينقلهما لمن يأتي من بعده، فيحتسب له عند الله (علم ينتفع به) ما قد يكون سببا" في رحمة أخروية وذكر حسن. وطوبى لمن حظي بسعادة الدارين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مثنى مكي محمد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/02/06



كتابة تعليق لموضوع : عن العطاء والحرمان المعرفي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : مثنى مكي ، في 2013/02/28 .

تصويب: ورد في المقال عبارة "تغور أسبار" والصواب "تسبر اغوار".




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net