التعليم في العراق والتأهيل المهني
مثنى مكي محمد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مثنى مكي محمد

يتفق العديد على أن طبيعة الدراسة الأكاديمية في العراق لا تلبي احتياجات سوق العمل. إذ يكتسب العديد من الخريجين معرفة نظرية في تخصصاتهم، لكنها غالباً لا ترتبط ارتباطاً وثيقاً عملياً بمساراتهم المهنية ولا بمخرجات التعلم. فعلى سبيل المثال، نجد أن خريج علوم الحاسوب قد لا يتقن العمل على برامج مثل "الأوفس" أو التصميم. وحتى إن أتقنها، فقد يفتقر إلى المهارات اللازمة لدخول سوق العمل، مثل معرفة المهارات المطلوبة، وآليات التعامل مع أصحاب العمل، وأساسيات الإدارة المالية اللازمة لبدء مشروعه الخاص، وكيفية الحصول على التراخيص المطلوبة لمزاولة المهنة.
هذا الأمر ينطبق أيضاً على الطبيب الذي يتخرج وهو لا يعرف كيف يدير عيادة، والمدرس الذي لم يتعلم مهارات التواصل مع الطلاب ولا كيفية انشاء معهد لغة. و الشئ ذاته ينطبق على المهندسين وغيرهم من التخصصات. ينقص مناهجنا النظرية الجوانب العملية التي تهيئ الطالب لسوق العمل بما يحتاجه فعلاً من مهارات ومعرفة تطبيقية.
والشئ ذاته ينطبق على العمل في الوظائف الحكومية. فالمفترض أن يكون المتعين جاهزاً ومنتجاً في وظيفته الحكومية بدلاً من أن هدر شهور طوال يتحول فيها وقت الإنتاج لفترة تدريب، مع ما يصاحبها من تبديد للموارد وتعطيل للمهام الوظيفية.
وقد تجاوزت الجامعات في الدول المتقدمة هذه الفجوة من خلال تشكيلات أكاديمية تهدف إلى تأهيل الطالب لمساره الوظيفي (Career Pathway). فعلى سبيل المثال، في بريطانيا، يبدأ الطالب بتحديد اهتماماته المهنية من خلال استبيانات مع بداية مشواره الجامعي. وبناءً على اهتماماته، توفر له الجامعة فرص تدريب عملي ودورات تأهيلية متخصصة تُمكّنه من متطلبات سوق العمل. تُعرف هذه التشكيلات بأسماء مثل "شبكة المهن" (Career Network).
لذا، نوجه دعوة للبدء بخطوة مشابهة في جامعاتنا، من خلال تقديم مقرر دراسي لطلبة المراحل النهائية بعنوان (المهارات المهنية : Professional Skills). يشمل مختلف التخصصات، ويهدف إلى تقليص الفجوة بين التعليم النظري واحتياجات سوق العمل. والكلام هو عن المهنة ومتطلباتها وليس التخصص الدراسي. ويقترح أن
يشمل المقرر النقاط التالية:
1. فهم متطلبات السوق عن طريق
التعريف بأدوار ووظائف العمل في التخصصات المختلفة، والمهارات المطلوبة لكل وظيفة.
مدعومة بمحاضرات من مهنيين في المجالات ذات الصلة لتوضيح فرص العمل المتاحة والمشاكل التي قد يواجهها الفرد العامل فيها وكيفية التغلب عليها.
2. تنظيم ورش عمل للمهارات العملية. فلا يقتصر المقرر على مادة نظرية، بل التركيز على الجانب العملي. فتتضمن الورش تدريب عملي على البرامج والأدوات الأساسية لكل مهنة.
وأساسيات الإدارة المالية وإدارة الوقت وكيفية بدء المشاريع الصغيرة.
3. إرشادات حول كيفية بدء ممارسة مهنية خاصة، وتأسيس مشاريع صغيرة.
و توجيهات قانونية وتثقيف مالي حول التراخيص الضرورية لكل مهنة وأساسيات الحسابات او الادارة المالية وحساب المخاطر وعلى قدر تعلق المسار المهني بالأمر.
4. توفير فرص تدريب عملي وزيارات من خلال شراكات مع مؤسسات محلية ناجحة، تتيح للطلاب اكتساب خبرة ميدانية.
وإتاحة فرص الإرشاد من متخصصين في نفس المجال لتقديم نصائح عملية وتوجيهات مهنية.
5. تطوير مهارات الاتصال والعمل الجماعي والقيادة، والتي تُعد أساسية في بيئة العمل.
والتدريب على إعداد السيرة الذاتية، والاستعداد للمقابلات والاجتماعات وكتابة تقارير العمل، واستراتيجيات البحث عن وظائف.
6. تضمين المقرر أداة معرفية تمكن المتعلم من تحديد نقاط القوة والضعف في مهاراته المهنية، ورسم خارطة طريق معدلة customised حسب إحتياجات كل متعلم لكيفية ملئ الفجوات وتعزيز نقاط القوة.
علماً أن تعزيز نقاط القوة يحقق فارقاً أكبر في رفع مؤهلات الفرد من العمل على نقاط الضعف. مع الوعي بنقاط الضعف والعمل على التفكير ببديل لتعويضها.
7. التعريف عملياً بمنافذ توفير التدريب والدعم الوظيفي الضروري مثل منصة LinkedIn، وشركات التوظيف المحلية.
وكيفية إيجاد مرشد mentor للمتعلم لتقديم الإستشارات
في المجال المعني.
يهدف هذا المقرر إلى تزويد الطلاب بالمهارات النظرية والتطبيقية التي تؤهلهم مهنياً، سواء من خلال الوظائف الحكومية أو عبر إنشاء مشاريعهم الخاصة، مما يسهم في إعداد قوى عاملة منتجة تمتلك المهارات المهنية بالإضافة للشهادة الأكاديمية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat